الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
المسخن بنجاسة
اختلف العلماء في الماء المسخن بالنجاسة،
فقيل: طهور بلا كراهة، وهو مذهب الحنفية
(1)
، والشافعية
(2)
.
وقيل: يكره، وهو مذهب المالكية
(3)
.
وأما الحنابلة فجعلوا الماء المسخن بالنجس له ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن يتحقق وصول شيء من الدخان أو الرماد إلى الماء.
فالمشهور من مذهب الحنابلة: أنه نجس سواء تغير أو لم يتغير.
(4)
التعليل: لأنه ماء يسير لاقى نجاسة، والماء اليسير إذا لاقى نجاسة فإنه ينجس ولو لم يتغير. وحد اليسير هو أن يكون الماء دون القلتين أي أقل من خمس قرب تقريباً.
والصحيح هنا أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغيره فإنه طهور سواء كان يسيراً أو كثيراً، وسوف يأتي بسط الأقوال في هذه المسألة قريباً إن شاء الله.
مع أن هذا الماء في الحقيقة لم تقع فيه نجاسة وإنما وقع فيه دخان
(1)
جاء في حاشية ابن عابدين (1/ 80) قوله: " وكره أحمد المسخن بالنجاسة " اهـ فلو كان عند الحنفية مكروهاً لذكره، ولما نسبه إلى أحمد.
(2)
روضة الطالبين (1/ 119)، المجموع (1/ 137)، أسنى المطالب (1/ 9)، تحفة المحتاج (9/ 387)، حاشية البجيرمي (1/ 80).
(3)
مواهب الجليل (1/ 80).
(4)
شرح منتهى الإرادات (1/ 16)، والمغني (1/ 29).
النجاسة، والروث النجس إذا تحول إلى دخان أصبح له حكم الدخان، والدخان كله طاهر كما أنكم ترون نجاسة الخمرة وإذا تحولت بنفسها إلى خل طهرت، حتى لو قيل: إنه لا يسلم من صعود أجزاء لطيفة مع الدخان تقع في الماء.
فالجواب: أن هذه الأجزاء اللطيفة قد تحولت إلى رماد، فيكون لها حكم الرماد.
الحالة الثانية: أن يكون الحائل حصيناً بحيث يعلم أن الدخان لم ينفذ إلى الماء.
فالمشهور من المذهب أنه طهور مكروه.
طهور: لأنه لم يقع فيه شيء لا طاهر ولا نجس.
ومكروه: وللكراهة مأخذان عندهم:
أحدهما: استعمال النجاسة، فحرارة الماء كانت عن طريق استعمال النجاسة، واستعمال النجاسة مكروه عندهم، وما ترتب على المكروه يكون مكروهاً.
والثاني: احتمال وصول النجاسة.
الحالة الثالثة: أن يكون الحائل غير حصين، ولكنه لم يعلم وصول النجاسة إليه، فحكمه على المذهب: طهور مكروه.
طهور: لأن طهارة الماء متيقنة والنجاسة مشكوك فيها، ومكروه للتعليل السابق وهي أن حرارة الماء جاءت عن طريق استعمال النجاسة، واستعمال النجاسة مكروه فيكون ما ترتب على المكروه يكون مكروهاً
(1)
.
(1)
شرح منتهى الإرادات (1/ 16)، الإنصاف (1/ 30)، المحرر (1/ 2)، كشاف =
والصواب: مذهب الحنفية والشافعية أن الماء طهور بلا كراهة.
قال ابن تيمية: وأما المسخن بالنجاسة فليس بنجس بإتفاق الأئمة إذا لم يحصل له ما ينجسه وأما كراهته ففيها نزاع
(1)
. اهـ
وأين الدليل على كراهة استعمال النجاسة في أمر لا تتعدى فيه النجاسة إلى غيرها، والمشهور من مذهب الحنابلة والمالكية أن جلد الميتة عندهم لا يطهر بالدباغ، ومع ذلك يقولون بجواز الانتفاع به في يابس.
بل جاء الدليل على جواز الانتفاع بالنجاسة على وجه لا يتعدى كما في حديث جابر رضي الله عنه.
(99)
فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح، وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه، ورواه مسلم
(2)
.
= القناع (1/ 27)، مجموع الفتاوى (21/ 69)، المغني (1/ 27)، المبدع (1/ 39، 40).
(1)
مجموع الفتاوى (21/ 69).
(2)
البخاري (2236)، ومسلم (1581).