الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
إذا أخبره رجل أو امرأة بنجاسة الماء
إذا أخبر الرجل عن الماء، فإما أن يخبر عن طهارة الماء، أو يخبر عن نجاسته،
فإن أخبر عن طهارة الماء، فقد قال النفراوي من المالكية: لو أخبرك شخص بطهارة ماء شككت في نجاسته لوجب عليك الرجوع إلى خبره، ولو كافراً أو صبياً؛ لأنه أقر بما يحمل عليه الماء، اللهم إلا أن يظهر في الماء ما يقتضي نجاسته أو يسلب طهوريته
(1)
.
والحقيقة أن العمل في هذه الحال ليس بسبب خبر الكافر، وإنما العمل بالأصل، وهو أن الأصل في الماء الطهارة، ومجرد الشك لا ينقل الماء عن الطهورية، ولذلك قال بقبول خبر الكافر، مع أن الكافر ليس ممن يقبل خبره، لانتفاء العدالة في حقه ظاهراً وباطناً.
وأما إذا أخبر عن نجاسة الماء، فإما أن يبين سبب النجاسة أو لا.
فإن بين سبب النجاسة، فقد حكي الإجماع على وجوب قبول خبره.
فقد قال النووي: اتفق الفقهاء على أنه إذا أخبر الثقة بنجاسة ماء، أو ثوب، أو طعام، أو غيره، وبين سبب النجاسة، وكان ذلك السبب يقتضي النجاسة حكم بنجاسته؛ لأن خبر الواحد العدل في مثل هذه الأشياء مقبول، وليس هذا من باب الشهادة، وإنما هو من باب الخبر، وكذا لو أخبر عن دخول وقت الصلاة، وعن حرمة الطعام أو حله، ولا فرق في هذا بين الرجل
(1)
الفواكه الدواني (1/ 125).
والمرأة، ولا بين الأعمى والبصير بخلاف الكافر والفاسق فلا يقبل خبرهما في النجاسة والطهارة، وكذا المجنون والصبي الذي لا يميز فلا يقبل خبرهما في مثل هذه الأشياء بلا خلاف
(1)
.
وهل يجوز الاجتهاد في مثل هذه الحالة، وقد أخبره عدل، وبين سبب النجاسة؟
قال النووي: قال أصحابنا: إذا أخبره مقبول الخبر بالنجاسة، وجب قبوله، ولا يجوز الاجتهاد بلا خلاف، كما لا يجتهد المفتي إذا وجد النص، وكما لا يجتهد إذا أخبره ثقة عن علم بالقبلة ووقت الصلاة، وغير ذلك
(2)
.
وأما إذا لم يبين سبب النجاسة ففيه ثلاثة أقوال:
قيل: يجب قبول خبره مطلقاً، وهو قول في مذهب الحنابلة
(3)
.
وقيل: لا يجب مطلقاً، وهو قول الجمهور
(4)
.
وقيل: يجب إن اتفقا مذهباً، وكان عالماً بما ينجس الماء، فإن اختلفا مذهباً لم يجب، لكن الأحسن ترك الماء؛ لتعارض الأصل، وهو الطهورية،
(1)
المجموع (1/ 228)، وقال في المهذب (1/ 9): وإن ورد على ماء، فأخبره رجل بنجاسته لم يقبل حتى يبين بأي شيء نجس؛ لجواز أن يكون قد رأى سبعاً ولغ فيه، فاعتقد أنه نجس بذلك، فإن بين النجاسة قبل منه كما يقبل ممن يخبره بالقبلة، ويقبل في ذلك قول الرجل والمرأة والحر والعبد؛ لأن أخبارهم مقبولة، ويقبل خبر الأعمى فيه؛ لأن له طريقاً إلى العلم به بالحس والخبر، ولا يقبل فيه قول صبي ولا فاسق ولا كافر؛ لأن أخبارهم لا تقبل. اهـ
(2)
المجموع (1/ 229).
(3)
قال في الإنصاف (1/ 71): لو أخبره عدل بنجاسة الماء قبل قوله،، إن عين السبب على الصحيح من المذهب وإلا فلا. وقيل: يقبل مطلقاً. اهـ
(4)
سيأتي العزو إلى كتبهم من خلال نقول النصوص عنهم قريباً إن شاء الله تعالى.
وإخبار المخبر بتنجيسه، وهذا عند وجود غيره، وإلا تعين استعمال الماء، وهذا مذهب المالكية
(1)
.
قال النووي: إذا لم يبين- يعني: سبب النجاسة- لم يقبل، هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب، قال الشيخ أبو حامد: نص عليه الشافعي رواه عنه المزني في الجامع الكبير
(2)
.
ثم قال النووي: وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه، والمحاملي وغيرهما: قال الشافعي: فإن كان يعلم من حال المخبر أنه يعلم أن سؤر السباع طاهر، وأن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس، قبل قوله عند الإطلاق- أي وإن لم يبين سبب النجاسة- هكذا نقل هؤلاء نص الشافعي، وكذا قطع بهذا التفصيل الذي نص عليه جماعات من أصحابنا المصنفين، منهم: الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق، والبغوي والروياني وغيرهم، ونقله صاحب العدة عن أصحابنا العراقيين، ونقل صاحب البيان عن الشيخ أبي حامد أنه نقله عن نص الشافعي، ولم أر لأحد من أصحابنا تصريحاً بمخالفته، فهو إذن متفق عليه
(3)
.
وقال ابن قدامة: إذا لم يعين سببها، فقال القاضي: لا يلزم قبول خبره؛ لاحتمال اعتقاده نجاسة الماء بسبب لا يعتقده المخبر، كالحنفي يرى نجاسة الماء الكثير، والشافعي يرى نجاسة الماء اليسير بما لا نفس له سائلة، والموسوس الذي يعتقد نجاسته بما لا ينجسه.
(1)
الفواكه الدواني (1/ 125)، منح الجليل (1/ 44)، حاشية الدسوقي (1/ 47)، التاج والإكليل (1/ 86).
(2)
المجموع (1/ 229).
(3)
المجموع (1/ 229).
ويحتمل أن يلزم قبول خبره، إذا انتفت هذه الاحتمالات في حقه
(1)
.
قلت: هذا الكلام إنما يتمشى على رأي من يرى نجاسة الماء، ولو لم يتغير، أما من يرى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير فلا يحتاج إلى هذا التفصيل؛ لأن الماء إذا لم يتغير فهو طهور، نعم لو أخبره بولوغ الكلب في إناء، قبل هذا التفصيل؛ لأنه والحالة هذه قد ينجس الماء ولو لم يتغير، لكنه خاص في هذه الصورة فقط.
قال في حاشية الدسوقي: فإن كان الماء غير متغير، وأخبر بالنجاسة، فلا يقبل خبره؛ لأن الأصل الطهارة
(2)
.
(1)
المغني (1/ 52).
(2)
حاشية الدسوقي (1/ 47).