الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني الماء المتغير بطاهر يشق صون الماء عنه
مثاله: ماء نابت بجواره أشجار كثيرة، فإذا حركت الرياح الأشجار تساقطت الأوراق .. فتقع تلك الأوراق في الماء فيتغير بها.
أو نبت في الماء طحلب فتغير بسببه فهنا تغير الماء بشيء طاهر وليس بنجس، وهذا الطاهر يصعب الاحتراز منه، فما حكمه؟
اختلف الفقهاء في ذلك:
فقيل: الماء طهور، وهو مذهب الجمهور من الحنفية
(1)
، والشافعية
(2)
والحنابلة
(3)
، واختاره العراقيون من أصحاب الإمام مالك
(4)
، ورجحه
(1)
لا يفرق الحنفية بين ما يشق التحرز منه، وما لا يشق، والتغير عندهم بشيء طاهر لا يضر مطلقاً، انظر البناية (1/ 304).
(2)
قال الشيرازي في المهذب (1/ 150): " وإن تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة نظرت، فإن كان مما لا يمكن حفظ الماء منه كالطحلب، وما يجري عليه الماء من الملح والنورة وغيرهما جاز الوضوء به؛ لأنه لا يمكن صون الماء منه، فعفي عنه .. الخ كلامه.
قال النووي شارحاً لعبارته (1/ 150): " أما قوله: إذا تغير بما لا يمكن حفظه منه جاز الوضوء به، فمجمع عليه، ووجهه ما ذكره من تعذر الاحتراز ".
وقول النووي: مجمع عليه، إن كان يقصد في المذهب فذاك، وإن كان يقصد الإجماع العام، فغير مسلم؛ لأن الخلاف فيه محفوظ في المذهب المالكي، كما سيأتي، والله أعلم.
(3)
قال صاحب المغني (1/ 25): " الثاني ما لا يمكن التحرز منه، كالطحلب، وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء، أو تحمله الريح فتلقيه فيه، وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه، فتلقيه في الماء، وما هو في قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما إذا جرى عليه الماء فتغير به، أو كان في الأرض التي يقف فيها الماء، فهذا كله يعفى عنه؛ لأنه يشق التحرز منه
…
الخ كلامه رحمه الله. وانظر الإنصاف (1/ 22).
(4)
قال محمد البناني على حاشية الزرقاني (1/ 13): " الذي يظهر من كلام أهل =
ابن رشد
(1)
، وابن حزم
(2)
، وابن تيمية
(3)
، وغيرهم.
وقيل: يسلبه الطهورية، ولا فرق في ذلك بين ما يشق التحرز منه، وما لا يشق، وهو قول في مذهب المالكية
(4)
.
المذهب، ونقولهم التي ذكرناها ترجيح القول بأن ذلك - يعني تغير الماء بما يقع فيه مما يشق التحرز منه - لا يسلبه الطهورية؛ لأنه قول شيوخنا العراقيين، وقدمه صاحب الطراز وابن عرفة، واقتصر عليه صاحب الذخيرة، ولم يذكر غيره، واختاره ابن رشد، فكان ينبغي للمصنف أن يقتصر عليه، أو يقدمه، فإن القول الذي قدمه هو قول الابياني، وقد علمت أنه في غاية الشذوذ، كما قال ابن رشد، لكن المصنف والله أعلم إنما اعتمد في تقديمه على ما يفهمه من كلام اللخمي من أنه هو المعروف من المذهب، وذلك على ما أصله، وقد علمت أنه ضعيف. انتهى.
وجاء في المنتقى للباجي (1/ 55): " إذا سقط ورق الشجر أو الحشيش في الماء فتغير فإن مذهب شيوخنا العراقيين أنه لا يمنع الوضوء به.
وقال أبو العباس الأبياني: يمنع.
وجه القول الأول: أنه مما لا ينفك الماء عنه غالباً، ولا يمكن التحفظ منه، ويشق ترك استعماله كالطحلب، وقد روى في المجموعة ابن غانم، عن مالك في غدر تردها الماشية، فتبول فيها وتروث، فتغير طعم الماء ولونه: لا يعجبني الوضوء به، ولا أحرمه، ومعنى ذلك أن هذا مما لا ينفك الماء عنه غالباً، ولا يمكن منعه منه. اهـ
(1)
محمد البناني على حاشية الزرقاني (1/ 13) وفيه: أن ابن رشد قال عن القول بأنه يسلبه الطهورية، قال عنه: بأنه شاذ خارج عن أصل المذهب، فلا ينبغي أن يلتفت إليه، ولا يعرج عليه
…
انتهى"
(2)
المحلى (مسألة: 147).
(3)
انظر الفروع (1/ 77).
(4)
قال الخرشي (1/ 72): اختاره اللخمي، وقال: وهو المعروف من المذهب، وقدمه خليل في مختصره (ص: 5).