الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء
اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة:
فقيل: غسل اليد سنة، وليس بواجب، وهو مذهب الجمهور من الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، ورواية عن أحمد
(4)
.
وقيل: يجب غسل اليد ثلاثاً، وإليه ذهب أحمد في الرواية المشهورة عنه
(5)
، وإسحاق، وداود الظاهري، وابن حزم
(6)
، والحسن البصري
(7)
.
دليل الجمهور على كون الغسل سنة.
الدليل الأول: قوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
(1)
بدائع الصنائع (1/ 20)، أحكام القرآن للجصاص (2/ 497)، العناية شرح الهداية (1/ 20، 21)، الجوهرة النيرة (1/ 5)، البحر الرائق (1/ 17)، شرح فتح القدير (1/ 21)، حاشية ابن عابدين (1/ 111، 112).
(2)
المنتقى (1/ 48)، الخرشي (1/ 132)، الفواكه الدواني (1/ 134)،.
(3)
الأم (1/ 39)، المجموع (1/ 214)، إحكام الأحكام (1/ 68،69)، حاشية البجيرمي على الخطيب (1/ 160).
(4)
الفتاوى الكبرى (1/ 217).
(5)
المغني (1/ 70،71)، الفروع (1/ 144)، الإنصاف (1/ 40)، مطالب أولي النهى (1/ 92).
(6)
المحلى (1/ 155).
(7)
المغني (1/ 70)،.
وجوهكم}
(1)
.
(58)
وروى مسلم، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي ح
وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قالا جميعاً: حدثنا شعبة، عن جامع بن شداد قال: سمعت حمران بن أبان يحدث أبا بردة في هذا المسجد في إمارة بشر، أن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتم الوضوء كما أمره الله تعالى، فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن. هذا حديث ابن معاذ، وليس في حديث غندر في إمارة بشر، ولا ذكر المكتوبات
(2)
.
فقوله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ كما أمره الله " فلم يقدم في الآ ية والخبر على الوجه فرضاً، فلو كان غسل اليد فرضاً لقدم ذكره، والله أعلم.
والجواب:
أن يقال: لا خلاف في أن غسل اليدين للوضوء من سنن الوضوء، ولكن غسلها لمن قام من الليل لا يتعلق بالوضوء فقط وإنما هو لمن أراد غمسها فى الإناء سواء كان لوضوء أم لغيره.
الدليل الثانى:
استدل القائلون بالسنية، أن طهارة اليد متيقنة، ونجاسة اليد مشكوك فيها لقوله صلى الله عليه وسلم:" فإنه لا يدرى أين باتت يده "، والشك لا يقضي على اليقين، فدل على أن النهي عن غمسها ليس للتحريم، وأن غسل اليد مستحب وليس بواجب.
(1)
المائدة: 6.
(2)
صحيح مسلم (232).
قال ابن دقيق العيد: الأمر - وإن كان ظاهره الوجوب - إلا أنه يصرف عن الظاهر لقرينة ودليل، وقد دل الدليل، وقامت القرينة ههنا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم علل بأمر يقتضي الشك، وهو قوله:"فإنه لا يدري أين باتت يده "، والقواعد تقتضي أن الشك لا يقتضي وجوباً في الحكم ، إذا كان الأصل المستصحب على خلافه موجوداً. والأصل: الطهارة في اليد، فلتستصحب.
ويجاب:
أن هذا توجيه يصح لو كانت العلة فى النهي عن غمس اليد هى نجاسة اليد، أما من يرى أن العلة تعبدية، أو أن العلة كما ذكر ابن تيمية وابن القيم: هى مبيت الشيطان على يده أو مبيتها عليه فلا يصح هذا الاستدلال. ولو كانت العلة فى الغسل النجاسة، لأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غسلها مرة واحدة، ألا ترى إلى دم الحيض يصيب الثوب، أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غسله مرة واحدة غسلة تذهب بعين النجاسة مع أن نجاسته متيقنة، فكيف بالنجاسة المتوهمة.
الدليل الثالث:
لما أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غسل اليد ثلاث مرات قبل غمسها فى الإناء علم أنه ليس بواجب إذ لو كان واجباً لكفى فيها غسلة واحدة. قياساً على دم الحيض
وأجيب:
بأن هذا القول مبنى على أن النهي لاحتمال أن تكون اليد نجسة. والذين قالوا بالوجوب لم يعللو بذلك على أن العدد ورد حتى فى إزالة النجاسة كالاستجمار والتسبيع فى ولوغ الكلب.
الدليل الرابع:
(59)
ما رواه مسلم، قال: حدثني بشر بن الحكم العبدي، حدثنا عبد العزيز- يعني: الدراوردي- عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة،
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خياشيمه، ورواه البخاري
(1)
.
وجه الاستدلال:
قالوا إذا كان الاستنثار سنة بالإجماع بعد القيام من النوم، فكذلك غسل اليدين بعد القيام من النوم، وقبل غمسهما في الإناء ليس بواجب.
والجواب:
أن يقال: هذا قياس فى العبادات، والقياس فيها ضعيف.
فالراجح: أن القول باستحباب غسل اليدين ثلاثاً إذا انتبه من نوم الليل قول قوي، والقول بالوجوب أقوى، ولو غمس يديه لم يمنع ذلك من التطهر بالماء، فالماء باق على طهوريته، والله أعلم.
دليل الحنابلة على الوجوب.
(60)
ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبد الله بن شقيق،
(1)
صحيح البخاري (3295)، ومسلم (238).
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده. وهو في البخاري دون قوله: ثلاثاً
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن الحديث نهى عن غمس اليد بعد الاستيقاظ إلا بعد غسلها ثلاثاً، والأصل في النهي التحريم إلا لصارف، ولا صارف هنا.
وهل يختلف الحكم إذا تيقن المسلم طهارة يده؟
اختلفوا في ذلك:
فقيل: لا يسن غسلها، بل يغمسها بدون غسل، اختاره بعض الحنفية
(2)
.
وقيل: هو بالخيار، إن شاء غسل يده قبل غمسها، وإن شاء غمس يده، ولو لم يغسلها. وهذا مذهب الشافعية
(3)
.
وقيل: يجب غسلها حتى ولو كانت يده في جراب، أو كانت مكتوفة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة
(4)
.
وسبب اختلافهم في هذه المسألة اختلافهم في علة الأمر بغسل اليد:
فقيل: إن العلة هي الشك في نجاسة اليد، حتى قيد بعض الحنفية حديث النهي عن غمس اليد في الإناء حتى يغسلها بما إذا نام مستنجياً بالأحجار، أو
(1)
صحيح مسلم (278)، وانظر صحيح البخاري (162).
(2)
شرح فتح القدير (1/ 21).
(3)
المجموع (1/ 389)، شرح النووي لصحيح مسلم (1/ 232).
(4)
الإنصاف (1/ 41).
متنجس البدن، لا إذا نام متيقناً طهارتها، أو مستنجياً بالماء
(1)
.
وذكر الشافعية أن أهل الحجاز كانوا يستعملون الأحجار في الاستجمار، وكانت البلاد حارة، فيعرقون، وربما طافت أيديهم في موضع النجاسة فتنجست
(2)
.
والصحيح: أن الحديث مطلق، وهو عام لمن استنجى بالماء أو بالأحجار، عليه سراويل أم لا، ولا يقيد النص إلا نص مثله.
وقيل: إن العلة تعبدية، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، فيجب الامتثال دون النظر إلى سبب الوجوب.
وقيل: إن العلة مبيت الشيطان على يده، وهذا اختيار الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله. قالا: هذه العلة نظير تعليل الشارع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم في قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء، فإن الشيطان يبيت على خيشومه " متفق عليه، وسبق تخريجه. فأمر بالغسل معللا بمبيت الشيطان على خيشومه، فعلم أن ذلك سبب الغسل، والحديث معروف. وقوله فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده يمكن أن يراد به ذلك، فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التى شهد لها النص بالإعتبار، وأما ملابسته ليده خاصة؛ فلأنها أعم الجوارح كسباً وتصرفاً ومباشرة لما يأمر به الشيطان من المعصية، فصاحبها كثير التصرف والعمل بها، ولهذا سميت جارحة لأنه يجترح بها: أى يكسب. والله أعلم
(3)
.
(1)
شرح فتح القدير (1/ 21).
(2)
الحاوي (1/ 102).
(3)
تهذيب السنن (1/ 69، 70)، ومجموع الفتاوى (21/ 44).