الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول في حكم الماء ونحوه إذا كان مشكوكاً فيه
ينبغى أن يعلم أنه ليس في الشريعة شئ مشكوك فيه البتة، وإنما يعرض الشك للمكلف بتعارض أمارتين فصاعدا، فتصير المسألة مشكوكاً فيها بالنسبة إليه، فهى شكية عنده، وربما تكون ظنية عند غيره، وقطعية عند آخرين، فكون المسألة شكية أو ظنية أو قطعية ليس وصفاً ثابتاً لها، وإنما هو أمر يعرض لها عند إضافتها إلى حكم المكلف
(1)
.
وينبغي أن يعلم أن مراد كثير من الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والصوم والطلاق والعتق وغيرها هو التردد بين وجود الشئ وعدمه، سواء كان الطرفان في التردد سواء، أو أحدهما راجحاً، فهذا معناه في استعمال الفقهاء في كتب الفقه، وأما أصحاب الأصول ففرقوا بينهما.
فقالوا: التردد بين الطرفين إن كان على السواء فهو الشك، وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم
(2)
.
وقد يجتمع في هذه المسائل أصل وظاهر، وذلك نحو آنية الكفار المتدينين باستعمال النجاسة، وثياب القصابين، والصبيان الذين لا يتقون النجاسة
فقيل: إنه محكوم بنجاستها عملاً بالظاهر.
وقيل: إنه محكوم بطهارتها عملاً بالأصل.
وقد يترجح الظاهر في بعض المسائل على الأصل فيؤخذ به، وقد يقدم
(1)
بدائع الفوائد (3/ 271).
(2)
حاشية الدسوقي (1/ 124)، والمجموع (1/ 220).
الأصل، وقد يستوى الظاهر والأصل، وهذا هو السبب في عدم طرد فروع هذه المسائل عند بعض المذاهب
(1)
.
إذا عرفنا هذا فقد اختلف العلماء في حكم الشيء إذا تيقن طهارته أو نجاسته، وشك في نقيض ذلك.
فقيل: يبني على اليقين، وهو مذهب الحنفية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
(1)
المجموع بتصرف (1/ 285،259)، روضة الطالبين (1/ 146، 147).
(2)
حاشية ابن عابدين (1/ 186)، المبسوط (1/ 146، 147) و (30/ 28)، بريقة محمودية (4/ 212).
وهناك مسائل قد يعمل الأحناف بالظاهر ويقدمونه على الأصل لقرينة، فقد جاء فى المبسوط (1/ 86): المتوضئ إذا تذكر أنه دخل الخلاء لقضاء حاجة وشك أنه خرج قبل أن يقضيها أو بعد ما قضاها فعليه أن يتوضأ؛ لأن الظاهر من حاله أنه ماخرج إلابعد قضائها، وكذلك المحدث إذا علم أنه جلس للوضوء ومعه الماء، وشك فى أنه قام قبل أن يتوضأ، أوبعد ما توضأ فلا وضوء عليه؛ لأن الظاهر أنه لايقوم حتى يتوضأ، والبناء على الظاهر واجب مالم يعلم خلافه " فهنا قدموا العمل بالظاهر على العمل بالأصل والمتيقن لأن الظاهر قد يقوى فيترجح على الأصل وقد يتعارضان بلا ترجيح وقد يضعف الظاهر فيقدم الأصل، والله أعلم.
(3)
المجموع (1/ 219)، كفاية الأخيار (1/ 72)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 42)، شرح البهجة (1/ 145)، أسنى المطالب (1/ 58)، روضة الطالبين (1/ 77).
(4)
يقول ابن رجب في القواعد (ص: 339، 340): " إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء أو ثوب أو أرض أو بدن وشك في زوالها فإنه يبني على الأصل إلى أن يتيقن زواله، ولا يكتفي في ذلك بغلبة الظن ولا غيره، وكذلك لو تيقن حدثاً أو نجاسة، وغلب على ظنه زوالها فإنه يبني على الأصل، وكذلك في النكاح والطلاق وغيرهما. وانظر الإنصاف (1/ 221)، شرح منتهى الإرادت (1/ 75)، كشاف القناع (1/ 132)، المغني (1/ 126). إلا أن الحنابلة لم يطرد هذا الأصل عندهم، فهناك مسائل قالوا يعمل باليقين، ولا يلتفت إلى غلبة =
وقيل: يختلف الشك في الماء، عن الشك في نجاسة الثوب، عن الشك في الحدث، والشك في الحدث يختلف في داخل الصلاة، عنه في خارجها، وهذا مذهب المالكية وإليك بيان مذهبهم في هذه المسائل.
إذا شك في نجاسة الثوب ونحوه وجب نضحه
(1)
.
وإذا شك في نجاسة البدن وجب غسله
(2)
.
وإذا شك في حصول الحدث، ففيه قولان:
فقيل: ينقض مطلقاً، وهو رواية ابن القاسم عن مالك.
وقيل: الشك ينقض الوضوء خارج الصلاة، ولا ينقض داخلها، وهو
= الظن لو وجد. وهناك مسائل قالوا: يكتفى فيها بغلبة الظن.
ومن المسائل التى قالوا: لابد فيها من اليقين، منها هذه المسائل التى مرت معنا. وهى إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو العكس. ومنها اشتباه الماء الطهور بالنجس أو بلفظ أعم: اشتباه المحرم بالحلال، ومنها لوشك فى طلوع الفجر فإنه يأكل حتى يستيقن، ومنها لوشك فى عدد الطلاق أو الرضعات، أوشك فى عدد الطواف أو السعى أو الرمي كل ذلك يعمل باليقين ويطرح الشك ولاينظر إلى غلبة الظن.
وهناك مسائل قالوا: يكفى فيها غلبة الظن، كالاجتهاد في تحري القبلة، وكالمستجمر إذا أتى بالعدد المعتبر، ومنها الغسل من الجنابة يكفى فيه الظن بالإسباغ، ومنها إذا شك فى صلاته فإنه يأخذ بالمتيقن مع إمكان غلبة الظن ومنها مسائل كثيره ذكرها ابن اللاحام فى القواعد والفوائد الأصوليه فلتراجع (ص: 5 - 15)، وأما ابن تيمية فقد طرد القاعدة، فيرى أنه إذا تعذر اليقين رجع إلى غلبة الظن في عامة أمور الشرع. انظر القواعد والفوائد الأصولية (ص: 4).
(1)
قال الدسوقي في حاشيته (1/ 81): " يجب غسل النجاسة في حالتين: إذا تحققت النجاسة، أو ظنها ظناً قوياً، ويجب النضح في حالتين: إذا شك في إصابة النجاسة أو ظنها ظناً ضعيفاً. اهـ وانظر مختصر خليل (ص: 9)، الخرشي (1/ 116)، البيان والتحصيل (1/ 85).
(2)
البيان والتحصيل (1/ 81).
المشهور من مذهب المالكية
(1)
، ونسب هذا القول للحسن رحمه الله
(2)
.
وروى ابن نافع عن مالك أنه لا وضوء عليه مطلقاً كالجمهور
(3)
.
وأما مذهب المالكية في الشك في الماء، فيعمل بالأصل، وهو الطهارة كمذهب الجمهور
(4)
.
(1)
جاء في تهذيب المدونة (ص: 181): " ولو أيقن بالوضوء، ثم شك في الحدث، فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم لا، فليعد وضوءه". اهـ
وقال الخرشي في شرحه (1/ 157): من شك في طريان الحدث له بعد علمه بطهر سابق، فإن وضوءه ينتقض إلا أن يكون مستنكحاً بأن يشم في كل وضوء أو صلاة أو يطرأ له في اليوم مرة أو أكثر فلا أثر لشكه الطارئ بعد علم الطهر، ولا يبني على أول خاطر به على ما اختاره ابن عبد السلام؛ لأن من هذه صفته لا ينضبط له الخاطر الأول من غيره، والوجود يشهد لذلك، وإن كان ابن عرفة اقتصر على بنائه على ذلك، وكلام المؤلف فيمن حصل له الشك في طرو الحدث قبل الدخول في الصلاة بخلاف من شك في طرو الحدث في الصلاة أو بعدها فلا يخرج منها ولا يعيدها إلا بيقين؛ لأنه شك طرأ بعد تيقن سلامة العبادة. اهـ وانظر التاج والإكليل (1/ 301)، الثمر الداني (1/ 200)، القوانين الفقهية (ص: 21)، حاشية العدوي (1/ 431).
(2)
المغني (1/ 126).
(3)
فتح الباري (1/ 238).
(4)
قال الباجي في المنتقى (1/ 59): " إن وجد مريد الطهارة الماء متغيراً، ولم يدر من أي شيء تغير، أَمِنْ معنى يمنع التطهر به، أم مِنْ معنى لا يمنع ذلك؟ فإنه ينظر إلى ظاهر أمره، فيقضي عليه به، فإن لم يكن له ظاهر، ولم يدر من أي شيء هو حمل على الطهارة، روى ذلك ابن القاسم في المجموعة. اهـ
وقال في الفواكه الدواني (1/ 125): لو تحققنا تغير الماء، وشككنا في المغير له، هل هو من جنس ما يضر أم لا؟ فهو طهور حيث استوى طرفا الشك، وإلا عمل على الظن، بخلاف ما لو تحققنا التغير وعلمنا أن المغير مما يضر التغير به وشككنا في طهارته ونجاسته فلا يكون طهوراً بل هو طاهر فقط. اهـ