الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجيب: بأن هذا لو سُلِّم في بعضها، لم يُسَلَّم في المجموع.
الدليل الثاني:
(141)
ما رواه البخاري، قال: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، حدثني عبيد الله بن عبد الله،
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال وجد النبي صلى الله عليه وسلم شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هلا انتفعتم بجلدها قالوا إنها ميتة قال إنما حرم أكلها، ورواه مسلم
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إنما حرم أكلها، فجعل تحريم الميتة في الأكل خاصة، هذا من وجه، ومن وجه آخر، أنه حضهم على الانتفاع بجلدها، ولم يشترط الدباغ، فلو كان الدباغ شرطاً لذكره.
فهذا الحديث يدل على أن التحريم لم يتناول الجلد، وإنما ذكر الدباغ لإبقاء الجلد وحفظه، لا لكونه شرطاً في الحل
(2)
.
(142)
وأما ما رواه مسلم من طريق ابن عيينة، عن ابن شهاب به، بلفظ: هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به، فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (1492)، صحيح مسلم (363).
(2)
مجموع الفتاوى (21/ 94)، ثم ذهب إلى أن هذا كان رخصة، ثم نسخ بحديث عبد الله بن عكيم، وكنت قد ذهبت إلى ضعف حديث عبد الله بن عكيم في ما سبق.
(3)
مسلم (363).
فالجواب: أن يقال: انفرد ابن عيينة بذكر الدباغ في هذا الحديث، وهو غير محفوظ
(1)
.
(1)
الحديث مداره على الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، واختلف على الزهري فيه:
فرواه ابن عيينة، عن الزهري بذكر الدباغ.
ورواه جماعة من أصحاب الزهري، عنه، بدون ذكر الدباغ، وهاك بعض من وقفت عليهم:
الأول: الإمام مالك رحمه الله، وهو من أجل من روى عن الزهري، وروايته في الموطأ (2/ 498)، ومن طريقه رواه أحمد (1/ 327)، والنسائي في الكبرى (4561)، وفي المجتبى (4235).
الثاني: يونس بن يزيد، كما في صحيح البخاري (1421)، ومسلم (363)، وصحيح ابن حبان (1284)، والبيهقي في السنن (1/ 20، 23).
الثالث: صالح بن كيسان، كما في مسند أحمد (1/ 262)، وصحيح البخاري (2221)، ومسلم (363) وأبي عوانة (1/ 210)،.
الرابع: معمر، كما في مصنف عبد الرزاق (184،185)، وأحمد (1/ 365)، وأبي عوانة (1/ 210)، وابن المنذر في الأوسط (832)، وأبي داود (4121)، والطبراني في المعجم الكبير (23/ 428) رقم 1038.
الخامس: الأوزاعي، كما في مسند أحمد (1/ 329)، ومسند أبي يعلى (2419)، وابن حبان (1282) والطبراني في الكبير (23/ 428) رقم 1039.
السادس: حفص بن الوليد، كما في سنن النسائي الكبرى (4562)، والصغرى (4236) وحفص روى عنه جماعة، ولم يوثقه إلا ابن حبان، وفي التقريب صدوق.
السابع: عقيل، فقد قال أبو داود في إثر حديث (4122) لم يذكر الأوزاعي ويونس وعقيل في حديث الزهري ذكر الدباغ، وقد وقفت على ورواية عقيل وفيها ذكر الدباغ، فلعل عقيلاً روى الحديث عن الزهري بالوجهين، والله أعلم، فقد أخرجها الدارقطني (1/ 41) ومن طريقه البيهقي في السنن (1/ 20) وزاد: أو ليس في الماء والقرظ ما يطهرها؟، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفي رواية: أو ليس في الماء والدباغ ما يطهرها، والزيادة غير محفوظة كما سيأتي
الثامن: إسحاق بن راشد، كما في معجم الطبراني (23/ 428) رقم 1040.
فهؤلاء ثمانية رواة لم يذكروا لفظ الدباغ، وفيهم من يعد من أجل من روى عن الزهري، كمالك ومعمر ويونس، والأوزاعي، فهذا أولاً.
وثانياً: مما يؤيد أن الدباغ ليس محفوظاً في الحديث، أن الزهري الذي مدار الحديث عليه ينكر الدباغ، ويفتي بجواز الانتفاع به، ولو لم يدبغ، والحديث حديثه، ومداره عليه، فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف (1/ 62) عن معمر، كان الزهري ينكر الدباغ، ويقول: يستمتع به على كل حال. وأخرجه أحمد (1/ 365)، وأبو داود (4122) من طريق عبد الرزاق به.
ثالثاً: طعن الإمام أحمد في زيادة ابن عيينة بذكر الدباغ، فقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/ 101): ليس في صحيح البخاري ذكر الدباغ، ولم يذكره عامة أصحاب الزهري عنه، لكن ذكره ابن عيينة، ورواه مسلم في صحيحه، وقد طعن الإمام أحمد في ذلك، وأشار إلى غلط ابن عيينة فيه، وذكر أن الزهري وغيره كانوا يبيحون الانتفاع بجلود الميتة بلا دباغ لأجل هذا الحديث.
رابعاً: أنه قد اختلف فيه على سفيان بن عينية، فرواه قتيبة بن سعيد كما في سنن النسائي الكبرى (4560)، والصغرى (4234)، ويحيى بن حسان عند الدارمي (1988) كلاهما عن سفيان، عن الزهري به، وليس فيه ذكر الدباغ كرواية الجماعة.
وكان ابن عيينة ربما روجع في زيادة الدباغ، فيصرح بأنه حفظها، فقد أخرج الحميدي في مسنده (315): قيل لسفيان فإن معمراً لا يقول فيه: فدبغوه، ويقول: كان الزهري ينكر الدباغ؟ فقال سفيان: لكني قد حفظته.
كما أن هناك اختلافاً آخر على ابن عيينة، لم يذكره أصحاب الزهري ممن رووا الحديث، فكان ابن عيينة تارة يجعله من مسند ابن عباس، وتارة يجعله من مسند ميمونة.
فرواه جماعة عن سفيان، من مسند ميمونة، وهم:
الأول: أبو بكر بن أبي شيبة كما في مسلم (363) وابن ماجه (3610).
الثاني: ابن أبي عمر، كما في مسلم (363)، وابن حبان (1285).
الثالث: أبو خيثمة، كما في مسند أبي يعلى (7179)، وابن حبان (1289).
الرابع: أحمد بن حنبل، كما في المسند (6/ 329). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الخامس والسادس: مسدد ووهب بن كيسان، كما في سنن أبي داود (4120).
السابع: قتيبة بن سعيد، كما عند النسائي (4234).
الثامن: سعيد بن نصر، كما في سنن البيهقي (1/ 15، 16).
التاسع: الحميدي، كما في مسنده (315)، فكل هؤلاء رووه عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة.
وخالفهم جماعة رووه عن سفيان به، وجعلوه من مسند ابن عباس، كرواية الجماعة عن الزهري، وهم:
الأول: يحيى بن يحيى كما في مسلم (363).
الثاني: عمرو الناقد، كما في مسلم (363).
الثالث: عثمان بن أبي شيبة، كما في سنن أبي داود (4120).
الرابع: ابن أبي خلف، كما في سنن أبي داود (4210).
الخامس: الحسن بن محمد الزعفراني، عند البيهقي (1/ 15).
والظاهر أن الخطأ من سفيان بن عيينة في الوجهين: أعني ذكر الدباغ، وجعله من مسند ميمونة قد اختلط عليه حديثه عن الزهري، بحديثه عن عمرو بن دينار، فقد أخرج مسلم في صحيحه (363) من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة مطروحة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخذوا إهابها، فدبغوه، فانتفعوا به.
واختلف على عمرو بن دينار، فرواه عنه سفيان ابن عيينة كما سبق عند مسلم، ورواه ابن جريج، عن عمرو بن دينار به إلا أنه جعله من مسند ميمونة، ولم يذكر الدباغ، رواه مسلم (364) من طريق ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، أخبرني عطاء منذ حين، قال: أخبرني ابن عباس، أن ميمونة أخبرته، أن داجنة كانت لبعض نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخذتم إهابها، فاستمتعتم به. والله أعلم.
ورواه مسلم (365) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة لميمونة، فقال: ألا انتفعتم بإهابها. اهـ ولم يذكر الدباغ، وجعله من مسند ابن عباس.