الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: اهتمام أهل هذه البلاد وتأثرهم بالعلوم الإسلامية
لاشك أن هذا المبحث بحر زاخر بالمعلومات ولايمكن إجماله في تلك العجالة ولو حتى على سبيل الإشارة ولكن مالا يدرك جله لايترك كله وقد أفرد بعض جزئياته الباحثون بمصنفات مستقلة (1)، وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بتوضيح الأوضاع الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة وسوف أحاول إلقاء بعض الأضواء لكي يظهر لنا تأثير ذلك في مدرسة التفسير في المنطقة وبالله التوفيق
المطلب الأول: تأثير الفتح الإسلامي في الحياة العلمية في المنطقة:
بالطبع كان الفتح الإسلامي للمنطقة هو المنبع الأساسي للحياة العلمية فيها وكان مركز إشعاع العلم في تلك الحقبة المبكرة بل فيما تلاها من أزمنة هو مدينة القيروان التي قال فيها صاحب المعالم: أما القيروان فهي البلد الأعظم والمصر المخصوص بالشرف الأقدم، قاعدة الإسلام والمسلمين بالمغرب، وقطرهم الأفخر، الذي أصبح لسان الدهر عن فضله يعرب، وبشرفه يغرب، قرارة الدين والإيمان، والأرض المطهرة من رجس الكافرين وعبادة الأوثان، قبلتها أول قبلة رسمت في بلاد المغرب، وسجد لله فيها سرا وعلانية، وناهيك بأرض كانت منازل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومحط رحالهم (2).
(1) المراجع المذكورة في نهاية البحث وعلى سبيل المثال: الإباضية بالجريد لصالح بجاية، الصراع المذهبي بإفريقية لعبدالعزيز المجذوب، القراءات بإفريقية لهند شلبي.
(2)
معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان 1/ 6.
وقال أبو إسحق الجبنياني: القيروان رأس وما سواها جسد، وماقام برد الشبه والبدع إلا أهلها، ولاقاتل وقتل على إحياء السنة إلا أئمتها (1).
وقال ابن الشباط: ولم يزل بها على الزمان من العلماء والكتاب وذوي البراعة في المعارف والآداب من تزدان بأوصافه الأقطار وتشرق بأنوار كلامه الأسطار (2).
ووصفها مقديش بقوله: منبع الولاية والعلوم لأهل المغرب، أصل كل خير، والبلاد كلها عيال عليها، فما من غصن من البلاد المغربية إلا منه علا، ولافرع في جميع نواحيها إلا عليها ابتنى، كيف لا؟ ومنها خرجت علوم المذهب، وإلى أئمتها كل عالم ينسب، ولاينكر هذا خاص ولاعام ولايزاحمها في هذا الفضل أحد على طول الأمد والأيام (3).
ولاشك أن الحياة العلمية بدأت مع أول غزوة سنة 27 هـ والتي اشتملت على عشرين ألفا قال أبو العرب: أكثرهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) والصحابة رضي الله عنهم هم المعلمون الحقيقيون والدعاة المخلصون الذين بلا مراء بذلوا أقصى جهدهم في نشر هذا الدين وتعليم المسلمين أمر دينهم وعن طريقهم أسلم الكثير من البربر نتيجة لهذه الغزوة (5).
وقد ذكر أن عثمان رضي الله عنه أرسل مصحفا إماما إلى أهل المغرب وكان محفوظا في بيت الحكمة القيرواني (6).
ثم ازداد النشاط العلمي بغزوة ابن حديج سنة 45 هـ، وذلك لطول مدتها التي دامت أربع سنوات مع مافيها من الصحابة، وقد أدى ذلك إلى دخول كثير من البربر في الإسلام، ثم ترسخ ذلك كله بتأسيس القيروان حتى قال المالكي: فشد إليها الناس المطايا من كل مكان وعمرت بفضلاء الناس من الفقهاء والمحدثين والمتطوعين والعابدين والنساك والزاهدين وأعز بها الإسلام وأهله ودمغ بها أهل النفاق والأهواء والشك والضلالة.
(1) مناقب أبي إسحق الجبنياني 60، 61، حسن البيان 189.
(2)
المؤنس ص: 20.
(3)
انظر حسن البيان 189.
(4)
الطبقات 15.
(5)
انظر النجوم الزاهرة 1/ 85، تاريخ الإسلام 2/ 79.
(6)
انظر رحلة العبدري 65.
ثم كانت نقطة الانطلاقة بالقيروان إنشاء جامعها الذي كان مسرحا لتدريس العلم على يد الصحابة والتابعين الذين قدموا مع عقبة، ومنهم عبد الله بن عمر الذي روى عنه يزيد بن قاسط الإفريقي، وميسرة الزرودي وجاء قوم إليه وهو بإفريقية فلما أرادوا فراقه قالوا: زودنا منك حديثا ننتفع به (1)، ولا يخفى تضلع ابن عمر في التفسير واهتمامه به.
وقد قام عقبة ببناء عدة مساجد بالمغربين الأقصى والأوسط، والتي كانت بلا شك مراكز تعليمية وترك صاحبه شاكرا في بعض مدن المغرب الأوسط لتعليم البربر الإسلام (2)، وقد وصل عدد المساجد بالقيروان وغيرها في عصر ازدهارها ثلاثمائة مسجد (3)، ثم جاء بعده حسان بن النعمان الذي خصص ثلاثة عشر فقيها من التابعين، ليعلم البربر العربية والفقه ومبادىء الإسلام (4).
وثبت أن عكرمة مولى ابن عباس لم يدخل إفريقية غازيا، وإنما دخلها لنشر العلم وكانت دروسه في الحديث والتفسير في جامع عقبة في مجلس بمؤخرة الجامع يقصده الطلاب فيه (5).
ثم ما كان من موسى بن نصير حيث أمر العرب أن يعلموا البربر القرآن، وأن يفقهوهم في الدين وترك في المغرب الأقصى سبعة وعشرين فقيها لتعليم أهله (6).
وقد بدأت الكتاتيب لتعليم النشء المسلم منذ عهد مبكر في تلك المنطقة الإسلامية الجديدة، فعن غياث بن شبيب أنه قال: كان سفيان بن وهب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بنا ونحن غلمة بالقيروان ويسلم علينا ونحن في الكتاب وعليه عمامة قد أرخاها من خلفه (7)، وكانوا يتعلمون في تلك الكتاتيب الحديث الشريف والسنن بالإضافةلحفظ القرآن وتعلم إعرابه وترتيله والشكل
(1) انظر طبقات أبي العرب 91، 93، الرياض 1/ 137.
(2)
انظر البيان المغرب 1/ 27.
(3)
انظر بساط العقيق 17.
(4)
انظر الخلافة والخوارج 38.
(5)
انظر طبقات أبي العرب 19، الرياض 1/ 146.
(6)
انظر البيان 1/ 42، 43، تاريخ ابن خلدون 1/ 136.
(7)
انظر الرياض 1/ 91، المعالم 1/ 151، الإصابة 2/ 56، الاستيعاب 2/ 66، أسد الغابة 2/ 323.