الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تونس سنة 748 هـ، وكانت تشكو آنذاك من الفوضى والاضطراب فأصبح أبو الحسن ملك المغرب على الاطلاق ولكنه اضطر إلى الجلاء عن إفريقية بسبب ثورة قامت فيها وواجه أسطوله المغربي ريح شديدة غرق فيها كثير من سفنه وماينيف عن أربعمائة من أعلام المغرب الممتازين الذين كانوا بصحبته.
وكان له في عصره سفارات مع حكام فارس وسلطان مصر والشام والحجاز محمد بن قلاوون ومع ملك مالي وغيره من ملوك السودان، واشتهر عهده بالأعمال العمرانية، فقد شيد عددا كبيرا من المدارس وأجرى المرتبات على الطلبة والأساتذة ثم نازعه ابنه أبو غنان السلطة فتنازل له عنهاسنة751 هـ فاستعاد نفوذ دولة بني مرين على المغربين الأوسط والأدنى (1).
ثم تولى بعده ابنه أبو زيان محمد بن أبي عنان الذي خلع وخنق، ثم أخوه أبو بكر الذي مات غريقا ثم توالى حكام الدولة المرينية ابتداء من إبراهيم بن على الذي تولى سنة 760 هـ إلى عبد الحق بن أبي سعيد أخرهم الذي تولى سنة 831 هـ، فوصلوا إلى أربعة عشر حاكما خلال سبعين عاما، منهم من كانت مدة حكمه عشرة أيام فقط! (2). وقد نقض المرينيون ماأحياه الموحدون من الاجتهاد وأعادوا نشر المذهب المالكي. (3)
وراجت دراسة التفسير في الصقع السوسي رواجا كبيرا وذلك لحاجتهم إلى تفهم كلام الله نظرا لأن لغتهم ليست بعربية، ونبغ من علماء التفسير أبو يحيى الكرسفي من أهل القرن السابع وهو متخرج من الأندلس ت 683 هـ. (4)
الوطاسيون 876 هـ والسعديون 915 هـ في المغرب
(5):
في عام 854 هـ، تحركت من ميناء لشبونة قوة برتغالية ضخمة على
(1) انظر: روض القرطاس1/ 278، 279، الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية (كاملا)، الحلل الموشية ص:171.
(2)
انظر المغرب العربي الكبير 462 - 463.
(3)
انظر الفكر السامي 3/ 173.
(4)
انظر: سوس العالمة ص: 34، الحضارة المغربية عبر التاريخ 1/ 190.
(5)
انظر: تاريخ الدولة السعدية (كاملا)، المغرب عبر التاريخ 2/ 221 - 470.
ظهر أسطول مكونة من 240 سفينة تحمل حقدا دفينا على المسلمين، بعد أن استطاعت إخراجهم من أرضها إلى ميناء سبتة المغربي الذي فوجىء بهذا الغزو المفاجىء فسقط صريعا إذ لم تستطع الدولة المرينية أن تواجه هذا الخطر، لأنها كانت تحتضر، ثم اتجهوا بعد أن ثبتوا أقدامهم في سبتة إلى طنجة سنة 1437 م، فنجح الوصي على الملك أبو زكريا يحيى الوطاسي في أواخر العهد المريني من استنفار الناس للدفاع عنها وتمكن المسلمون من هزيمتهم (1).
ولما تنازع أفراد البيت المريني السلطة ضعفت الدولة واستبد الحجاب والوزراء من بني وطاس بالأمر بعد أن استقلت جهات برمتها عن حكمهم عقب وفاة عبد الحق آخر ملوك بني مرين سنة 869 هـ، وفي عام 876 هـ استولى أبو عبد الله محمد الشيخ الوطاسي على فاس وظل أميرا لها حتى خلفه ابنه أبو عبدالله الملقب بالبرتغالي سنة 910 هـ.
وبعد أن سقطت القسطنطينية سنة 1453 م في يد الأتراك العثمانيين المسلمين هاج الصليبيون في العالم بأسره وتخوفوا قوة المسلمين، ومنهم ملك البرتغال آنذاك الفونس الخامس الذي كون جيشا للاستيلاء على ميناء القصر الصغير الواقع بين سبتة وطنجة تمهيدا لاحتلال طنجة، ثم قام بعدة محاولات لاحتلال طنجة ففشل إلا أنه بعد ذلك وبسبب الفوضى الداخلية سقطت طنجة بعد سقوط أصيلا، واتجهت الأنظار البرتغالية للوصول إلى مطامعها عن طريق استمالة رؤساء القبائل فاستطاعت القوات البرتغالية احتلال العديد من الموانيء المغربية، وفرض حمايتها عليها مثل أسفر والصويرة وأكادير وماسة وأزمور ثم حاول البرتغال توجيه ضربة قوية لمراكش ولكنها فشلت فشلا ذريعا أمام السعديين، تبعتها هزيمة أخرى في المعمورة أمام الوطاسيين في آخر دولتهم ونظرا لأطماع البرتغال في المناطق المكتشفة الجديدة في الكشوف الجغرافية وضعف الأوضاع المادية، لم تستطع الصمود والبقاء في هذه الثغور فتم جلاؤهم منها وآلت طنجة وسبتة ومزاكان في نهاية أمرهم للأسبان (2).
(1) انظر المغرب العربي الكبير في العصر الحديث ص: 44 - 91.
(2)
انظر: المغرب العربي الكبير في العصر الحديث 28 - 32.
ولما مات أبو عبدالله الذي خاض معارك كثيرة مع البرتغال خلفه أخوه أبو حسونة سنة 931 هـ الذي حدث في عهده نزاعات مع السعديين، وبسبب هذه الاضطرابات والنزاعات بالإضافة إلى الأطماع الأجنبية خلت تلك الحقبة من الآثار العمرانية وغيرها بل تعرضت البلاد للتخريب، وكان قيام الدولة السعدية على يد أبي عبد الله القائم بأمر الله سنة 916 هـ سببا في تخليص المغرب من الأخطار التي واجهته بسبب الأطماع الأوربية من جهة، ومن أطماع الأتراك العثمانيين الذين استولوا على الجزائر وتونس من ناحية أخرى (1).
وقد بدأ نفوذ السعديين في بلاد درعه والسوس الأقصى، وكان ظهورهم في وقت ضعفت فيه الدولة الوطاسية عن حماية الثغور العرضة لأطماع البرتغاليين والأسبان فالتف الناس حول أبي عبد الله محمد السعدي وبايعوه بالإمارة سنة 915 هـ، واستعد لمقابلة البرتغال فأدركته الوفاة سنة 923 هـ، وتولى ابنه أبو العباس أحمد الأعرج الذي أحرز انتصارات عظيمة على المستعمرين وبايعه أهل مراكش فحاربه الوطاسيون خشية على فاس ودارت بينهما معارك متعددة.
وكان أبو عبد الله محمد الشيخ شقيق أبي العباس الأعرج واليا من قبل أخيه على السوس حتى دخل الوشاة بينهما فتقاتلا وانفرد أبو عبد الله بالحكم، وأودع أخاه وأولاده السجن سنة 946 هـ (2).
واستطاع أبو عبد الله محمد مواصلة الجهاد ضد البرتغال حتى اطمأن من ناحيتهم وتوجه إلى فاس، فدخلها وقبض على الوطاسيين وأرسلهم إلى مراكش وفر أبو حسونة إلى الجزائر مستجيرا بالأتراك، واتصل بالامبراطور الأسباني يستنجد به أيضا وازداد التوتر بين الأتراك والسعدي عندما استولى أبو عبد الله على تلمسان، فاستطاعوا أن يستعيدوها مرة ثانية، وأمدوا أبا حسونة بجيش لمحاربة أبي عبد الله وبعد معارك طاحنة استطاع الدخول إلى فاس إلا أن أبا عبد الله الشيخ استنفر قبائل السوس، واستطاع قتل أبي حسونة واستعادة فاس.
وبقيت العلاقات متوترة بين المغرب والخلافة العثمانية حتى تمكن
(1) انظر المرجع السابق.
(2)
الاستقصاء 5/ 17، 18.
السلطان العثماني من دس فرقة من الجنود الأتراك إلى جيش أبي عبد الله، فاستطاعوا قتله وحمل رأسه إليه سنة 964 هـ (1).
ثم بويع لابنه محمد عبد الله الغالب بالله الذي انتصر على جيش الأتراك في محاولة للقرب من فاس، ولما توفي الغالب بالله بويع لابنه أبي عبد الله المتوكل على الله إلا أن عمه أبا مروان عبد الملك المعتصم بالله استطاع انتزاع الملك منه بمعاونة الأتراك ودخل فاسا سنة983 هـ بمعاونة الجيش التركي، ثم دخل مراكش بعدها، إلا أن عبد الله المتوكل حاول العودة إلى مراكش فلم يتمكن، ففر إلى طنجة واستنجد بالأسبان فلم ينجدوه فاستنجد بالبرتغال، فكانت موقعة وادي المخازن بين البرتغال والمسلمين المغاربة سنة 986 هـ انتهت بنصر حاسم للمسلمين وقتل قائد البرتغال والخائن المتوكل، وتوفي أبو مروان (2)، فبويع لخليفته أبي العباس أحمد المنصور الذي قام بتحسين العلاقات مع السلطان العثماني بعد أن حاول الوشاة إفسادها حتى اطمئن تماما من جانبهم وشرع في غزو السودان، فاستولى عليها استيلاء كليا وأصبح التبر يحمل إليه بما يحير الناظرين ولهذا لقب بالذهبي.
واتسم عهده بإصلاحات عظيمة فنظم الجيش وأرسى النظم الإدارية، وقام بإنشاءات معمارية عظيمة منها قصر البديع بمراكش وساد العدل في وقته حتى ذكر القشتالي أنه لم ير من ملوك العصر أعدل منه، وما في الأرض مملكة تسير على قوانين الشرع ومنهاج السنة أحسن من مملكته، وعرف المنصور بتشجيعه للفقهاء والعلماء وكان يجمعهم للمذاكرة بمراكش وفاس، فكان الحديث يدور حول أمهات الكتب في التفسير والفقه وعلم المنطق وغير ذلك من العلوم، فقد كان هو نفسه على علم وله منظومات وأسفار رائعة (3).
ولما وافت المنية المنصور سنة 1012 هـ بايع أهل فاس ولده زيدان،
(1) انظر: الاستقصاء 5/ 32، 115، نزهة الحادي في أخبار ملوك القرن الحادي (بدون أرقام).
(2)
انظر: موقعة وادي المخازن الحاسمة ص: 222، الاستقصا 5/ 86.
(3)
انظر: مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا ص: 69 - 301، الاستقصا 5/ 95 وما بعدها.
وامتنع أهل مراكش من مبايعته وبايعوا أخاه أبا فارس الوالي عليهم من قبل أبيه، فقامت سلسلة حروب بين الأخوين ودخل فيها أيضا أخوهم المأمون، وانتهت الصراعات بقتل أبي فارس، ثم قتل المأمون واستقل زيدان بالأمر بمراكش حتى مات سنة 1037 هـ، وتوالى الحكم في ذريته بمقتل الواحد تلو الآخر حتى انقرض أمر السعديين سنة 1069 هـ، واستبد عرب الشبانات بالأمر في مراكش، وحدث أثناء تلك الفترة استعانة المأمون بالأسبان على أخويه مقابل استيلائهم على العرائش (1) مما أدى إلى تمادي أسبانيا في الاعتداءات على الثغور، كما تشجع البرتغال في الظهور على الساحة مرة أخرى بسبب هذه الاضطرابات، هذا بالإضافة إلى ظهور انقسامات داخلية منها ظهور (الدلائيين) على المسرح السياسي بعد أن كانوا بالزاوية الدلائية كمركز ديني للعبادة والتفقه، وكذا ظهور حركة أبي العباس أحمد بن عبد الله السلجماسي الصوفي الذي استولى على درعة، وقصد مراكش ففتحها وطرد زيدان لكنه قتل وانتهت حركته سنة 1022 هـ، وظهر أيضا في تلك الآونة شخصية الفقيه العالم محمد بن أبي العباس أحمد الزياني الشهير بالعياشي الذي قاد الجهاد ضد الاستعمار البرتغالي وعينه السعديون على عمالة أزمور سنة 1020 هـ، واستعمل البرتغال الوشاية للإيقاع بين العباسي والسلطان زيدان فأرسل سرية إلى مزمور للقبض عليه وقتله لكنه نجح في الهروب إلى مسقط رأسه سلا واستمر في الجهاد ضد البرتغال والأسبان حتى وافته المنية سنة 1051 هـ رغم الوشايات التي كثرت حوله لايقاع السلطان به، وذلك بقتله غيلة من أتباع الدلائيين الذين فسدت العلاقة بينه وبينهم ووصلت إلى القتال، وبقتله خلا الجو للدلائيين فاستولوا على فاس وسلا وتطوان (2).
وكان من مزايا عصر السعديين الاعتناء بتفسير القرآن، وتعدد المفسرين ومن بينهم الحاج محمد الشنقيطي (ت 963 هـ) صاحب اللباب في حل مشكلات الكتاب، وعبد الرحمن بن يوسف القصري العارف (ت 1036 هـ) وله حاشية
(1) الاستقصاء 6/ 20، 21.
(2)
انظر: الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، محمد العياشي وجهاده ضد الأسبان والبرتغال.