الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطاهر بن عاشور الذي ألف تفسيره التحرير والتنوير وكان له دور بارز في الإصلاح العلمي والاجتماعي، وقام برحلات علمية إلى المشرق وأوروبا واستنبول. (1)
ثانيا: الجزائر
الاحتلال الفرنسي للجزائر وحتى الاستقلال (2) سنة 1962 م:
تذرعت فرنسا بمسألة القرصنة البحرية التي كان يقوم بها المسلمون في البحر المتوسط وبما حصل بين الداي حسن وبين القنصل الفرنسي أثناء استفسار الداي عن مماطلة فرنسا في تسديد الديون المستحقة عليها للجزائر مقابل القمح الذي أنقذت به فرنسا وقت حاجتها الشديدة له، فقد وجه الداي للقنصل ثلاث ضربات من المروحة التي كانت بيده وأمره بالانصراف وبناء على هذين الأمرين اللذين يختفي وراءهما كثير من المطامع الحقيقية أرسلت فرنسا حملة بحرية حاصرت الجزائر للوصول إلى حل مجحف بالجزائر فلم يقبل الداي، وبقي الحصار ثلاث سنوات، بعدها انطلقت حملة كبيرة سنة 1830 م من فرنسا لاحتلال الجزائر أسفرت عن استيلاء الفرنسيين على مدينة الجزائر وفرض شروطهم على الداي ثم حاولوا التوغل في البلاد فقوبلوا بمقاومة شديدة منعتهم من التقدم (3).
واجتمع أصحاب الحل والعقد وقدموا عام 1832 م على الشريف محيي الدين شيخ الطريقة القادرية وطلبوا بيعته أو بيعة ولده، ونظرا لكبر سنه فقد جعل الأمر لولده الذي لم يكن يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره وهو الأمير عبد القادر الذي بدأ ينظم شئون إمارته، واستطاع الأمير عبد القادر تحرير تلمسان وأن يفرض حصارا على الفرنسيين، فتم توقيع اتفاق بين الطرفين
(1) انظر ترجمته في أهل المنطقة برقم 217.
(2)
انظر: الحركة الوطنية في الجزائر، تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر (كاملين).
(3)
تاريخ الجزائر الحديث ص: 158.
كان من نتائجه أن استطاع الأمير عبد القادر فرض نفوذه على غرب الجزائر مما أثار مخاوف فرنسا فنقضت الاتفاق والتقت قواتها بقوات الأمير عبد القادر جهة وهران سنة 1836 م انتصرت فيها القوات المسلمة، وتوالت اللقاءات الحربية بين قوات الفرنسيين من جهة وبين الأمير عبد القادر من جهة أخرى وكانت الحرب بينهما سجال أدت إلى صلح تافثا سنة 1837 م، الذي مكن الأمير عبد القادر من السيطرة على مايقرب من ثلثي إقليم الجزائر، واستطاع الفرنسيون القضاء على نفوذ أحمد باشا في الإقليم الشرقي من الجزائر واستتب لهم الأمر فيه سنة 1847 م، وعمل الأمير عبد القادر على تنظيم بلاده إداريا ونظم جباية الزكاة والأعشار واهتم بتطبيق الشريعة إلى حد كبير بتعيين القضاة على المذهب المالكي كما عين علماء لتدريس فنون العلم المختلفة وأجرى لهم المرتبات وكان يخدم أهل العلم واستثناهم من جميع الضرائب واجتهد في جمع الكتب من كل جهة وشرع في تنظيم مكتبة في (تاكدمت)، كما أنشأ المستشفيات ومنع استعمال الذهب والفضة للزينة، ومنع التدخين وأمر بالصلوات الخمسة في المساجد ومن وجد في حانوته وقت الصلاة يجلد، واتخذ دارا للشورى لإصدار الفتوى وأرسل بالأسئلة والاستفسارات للعلماء والفقهاء، ومن ذلك رسالته لعلماء فاس بأسئلة تتعلق بما عرض له في إمارته فأجابوا عليها، كما أولى الجيش عناية خاصة لمعرفته بأن الهدنة بينه وبين الفرنسيين وقتية، وفعلا تذرعت فرنسا بوجود إختلاف بين النص العربي والفرنسي في معاهدة تافثا وطالبت بتعديله،
ولما لم يتمكن الطرفان من الوصول لحل نقضت فرنسا المعاهدة، وبدأت المعارك بين الطرفين واستخدمت فرنسا حرب العصابات والقضاء على الأخضر واليابس حتى اضطر الأمير عبد القادر إلى الفرار إلى المغرب بعد أن مني بهزائم متكررة حيث كان المولى عبدالرحمن سلطان المغرب مؤيدا له، واتجهت القوات الفرنسية إلى المغرب تذرعا بذلك وأسفر الأمر عن معاهدة طنجة سنة 1844 م، التي قضت بعدم تقديم أي مساعدة للأمير عبد القادر لكنه حاول الاستمرار في كفاحه واستطاع أن يحرز بعض الانتصارات لكن لم يستطع مواصلة ذلك فاستسلم أخيرا للفرنسيين سنة 1847 م على أن يسمح له بالسفر
إلى الاسكندرية أو عكا فطويت تلك الصفحة من الجهاد الجزائري (1).
وتعاقب على الجزائر عدد من الحكام الفرنسيين الذين كان همهم قمع الاضطرابات وحركات المقاومة، التي ظهرت تحت قيادة أبطال جدد من المناطق المتعددة ومن القبائل، ففي سنة 1848 م صدر قانون الضم من جمهورية فرنسا للجزائر لكي تصبح جزءا من الأراضي الفرنسية، وبدأ بعده تشجيع الهجرة والاستيطان من قبل الفرنسيين، وفي عهد نابليون الثالث سنة 1865 م فتح الباب للتجنيس بالجنسية الفرنسية بشرط التبعية لفرنسا في الأحوال المدنية يعني التنازل عن الشريعة الإسلامية، وبلغ الاستعمار ذروته في الفترة بين سنة 1870 - 1914 م حيث تمت سيطرة المستوطنين على ثروات البلاد وعلى إدارتها وتحطم الهيكل الاجتماعي للشعب الجزائري وتحول معظمهم إلى عمال لخدمة الاستعمار، وانتشر الجهل وأوشكت الثقافة العربية على الاندثار وشهدت الجزائر نوعا من التفرقة العنصرية، وأخضعت جميع المحاكم الشرعية لوزارة العدل في باريس ثم للحاكم العام، واعتبرت جامعة الجزائر التي أسست في أوائل القرن جامعة فرنسية بحتة للمستوطنين فقط، وقررت الخدمة العسكرية الإجبارية على الجزائريين بصفتهم رعايا فرنسيين وكثرت هجرة الجزائريين إلى الخارج (2).
ونقلت الإدارة الفرنسية البرامج المتبعة في مدارس فرنسا دون تعديل مما جعل الدارسين بها ينقطعون تماما عن بيئتهم العربية الإسلامية، إلا أنه لم تعدم الجزائر بعض دعاة الاصلاح، وانقسم أنصار النهضة الجزائرية إلى فريقين: الأول ويسمى النخبة ويرى أن طريق الإصلاح الوحيد الأخذ بالأساليب الفرنسية في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، والثاني يمثل البقية الباقية من الذين استطاعوا المحافظة على الاتصال بالثقافة العربية الإسلامية ومنهم: ابن سماية الذي استضاف الشيخ محمد عبده عند مروره بالجزائر سنة 1903، وابن موهوب مفتي قسنطينة الذي يرجح أن
(1) انظر: تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر.
(2)
المغرب العربي دراسة تاريخية ص: 138 - 159.
يكون هو الذي أثر في الشيخ عبدالحميد بن باديس مؤسس جماعة العلماء.
وقامت الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها آلاف القتلى من المجندين الجزائريين الذين سقطوا صرعى أمام إخوانهم المسلمين من العثمانيين، وكان لذلك أثر في الحركة الوطنية في الجزائر فأنشأ أصحاب فكرة اندماج الجزائر في فرنسا عدة تنظيمات للدعوة إلى فكرهم، في حين أسس العلماء الجزائريون جمعية رسمية سنة 1931 م، وهي جماعة العلماء والتي نشأت للمحافظة على هوية الجزائر الدينية وتخليصه من البدع التي انتشرت عن طريق الطرق الصوفية، واعتبرت لذلك حركة إصلاحية من حركات الإحياء السلفي التي انتشرت في المشرق منذ قيام الحركة الوهابية في بلاد العرب، وتمكن جماعة من أعضائها من الاتصال بالحركات الإصلاحية في المشرق ومنهم الطيب العقبي الذي تلقى تعليمه في الحجاز وعمل زمانا مع الملك عبد العزيز آل سعود، وكان لكتابات الشيخ محمد عبده ورشيد رضا تأثير كبير في توجيه أفكارهم، ورأس هذه الجمعية الشيخ عبدالحميد بن باديس من خريجي جامع الزيتونة ومن أهالي قسنطينة فهاجمها الفرنسيون لما شعروا بازدياد نفوذها، واتهموا أصحابها بأنهم (وهابيون خارجون عن الدين)، وحاولوا تقليص دورهم في الوعظ والإرشاد، إلا أن الجماعة كان لها موقف صارم من الاندماج عن طريق إقناع الجزائريين بأن التخلي عن قوانين الأحوال الشخصية الإسلامي ردة عن الدين وبالتالي يحرم المتجنس من الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، وعن طريق إبراز ثقافة الجزائر التي هي ثقافة إسلامية عربية.
وأصدر العلماء مجلتين باللغة العربية الشهاب ثم البصائر، وأسسوا مدارس ابتدائية لتعليم القرآن، وقاموا بإعطاء الدروس في مختلف المدن عن الشريعة وشجعوا الطلاب على الارتحال في طلب العلم إلى جامع الزيتونة والجامع الأزهر وغيرهما.
ولكن الجماعة اضمحلت بعد وفاة ابن باديس، إلا أنه قد استمر أعضاؤها في الاتصال بالأحزاب الوطنية الأخرى بعد أن ابتعدت عن الاندماج.
ثم قامت حركة وطنية شيوعية سنة 1925 م بزعامة مصالي الحاج كان لها مطالب قومية متعددة، وأصبح هذا هو الاتجاه الثالث للشعب الجزائري، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية استطاعت فرنسا إبعاد عنصر الجزائريين
عن الأنشطة السياسية وقبضت على الزعماء، وظهر في مقدمة الحركة الوطنية فرحات عباس الذي تحول إلى فكرة قيام حكومة جزائرية مستقلة يمكن ارتباطها بفرنسا، ثم سرعان ماتقدم إلى السلطات الفرنسية والقيادة الأمريكية إلى المطالبة بدولة جزائرية مستقلة ورفض ذلك بالطبع، وبعد انتهاء الحرب وانتصر الحلفاء على ألمانيا سنة 1945 م نظم الجزائريون مظاهرة بهذه المناسبة أحفظت المستوطنين ورجال الشرطة وأدت إلى معركة حامية أسفرت عن مذبحة قسنطينة التي اشترك فيها الطيران والبحرية في دك القرى الجزائرية، وبعد ذلك أخذت فرنسا في وضع حلول للمشكلة الجزائرية لم تغن شيئا، وظهرت حركة الانتصار للحريات على مسرح المجابهة للاستعمار ومن بين أعضائها أحمد بن بللا وأخذت في جمع الأسلحة، واختلف الزعماء الشبان مع رئيس حزب الشعب مصالي الحاج فأخرجهم منه فكانوا النواة للثورة الجزائرية.
وكانت بداية أمر الثورة عن طريق هذا الحزب الذي تأثر ممثلوه في القاهرة المشتركون في تأسيس لجنة المغرب العربي هناك بآراء أمير الريف عبد الكريم الخطابي المجاهد المغربي، والتي لاتؤمن بغير النضال المسلح وتم تشكيل تنظيم سري بدأ يمارس أعماله المسلحة، سنة 1949 م بقيادة أحمد بن بللا الذي افتضح أمره وسجن، ولكنه تمكن من الفرار من السجن إلى القاهرة وانضم إلى بعض أعضائه المقيمين هناك سنة 1952 م، واستطاعوا الحصول على تأييد مجلس قيادة الثورة المصري وقدم لهم الرئيس جمال عبدالناصر المساعدات المالية والسلاح، وتم تحديد موعد للقيام بالثورة أول نوفمبر سنة 1954 م، وفيها نسق جيش التحرير حوالي ثلاثين هجوما في مختلف أنحاء الجزائر على المعسكرات الفرنسية ومراكز الشرطة وتوالت العمليات العسكرية، وحاولت فرنسا مجابهة الثورة بمسالك شتى، حتى أصبحت المسألة الجزائرية مثار انقسام شديد في الرأي الفرنسي، فبدأت المفاوضات مع أعضاء الجبهة، وعقد الاتفاقيات إلى أن أعلن الجنرال ديجول استقلال الجزائر في يوليو سنة 1962 م، بعد اتفاقيات ايفيان (1).
(1) انظر: المغرب العربي للعقاد ص: 287 - 330.