الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسن بن كنون معارك وجولات ومفاوضات انتهت بتخلي عائلة الأدارسة عنه بما فيها عائلته ومبايعتهم لبني أمية فاستسلم أخيرا سنة 363 هـ، وبقيت فاس بيد بني أمية حتى استولى عليها زيري ابن عطية المغراوي، وأكرم الخليفة الأموي الأدارسة المستسلمين إكراما بالغا حتى حدث اختلاف بينه وبين الحسن بن كنون فأجلاهم جميعا إلى تونس، فرحلوا منها إلى مصر حيث مركز سلطان العبيديين (1).
رابعا: دولة بني زيري أو الدولة الصنهاجية (362 هـ - 449 هـ) ودولة بني حماد بالمغرب الأوسط ودولة الأدارسة الثالثة بالمغرب الأقصى
(2):
لقد كان لعائلة بني زيري الصنهاجية (3) دور هام في القضاء على ثورة أبي يزيد النكاري فكافأهم العبيديون بتسليم حكم إفريقية والمغرب، عندما انتقلوا إلى مصر، ومؤسس هذه الدولة هو أبو الفتوح بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي (هـ 362 - 373 هـ) الذي استهلك سنوات حكمه في تمهيد البلاد وقمع الثائرين، وخلفه ابنه المنصور (374 - 386 هـ) وقد شهد عهده عدة ثورات رغم أنه حاول أن يأخذ الناس بالإحسان. (4)
وفي خلالها حاول الحسن بن كنون بعد أن لجأ إلى نزار بن معد العبيدي بمصر استعادة المغرب من بني أمية بجيش العبيديين ومعاونة بلكين بن زيري وفعلا تم ذلك، فأرسل الخليفة الأموي جيشا هزم الأدارسة ثم قتل الحسن بن
(1) انظر: المقتبس 5/ 89 - 146، البيان 21/ 248، أعمال الأعلام ص: 221 - 222، الاستقصا 1/ 184، بغية الرواد ص:83.
(2)
انظر نهاية الأرب 24/ 156 - 217، إتحاف أهل الزمان 1/ 128 - 139، البيان المغرب 1/ 228، 294، الكامل 7/ 45، 46، 86، 87، 121، 331، 8/ 12، 39، 55، المؤنس 73 - 85، الخلاصة النقية 42 - 48، أعلام ابن عاشور 44، 45، أعمال الأعلام 66 - 76، بنو هلال 93 - 98، العبر 6/ 155 - 163، المغرب العربي 188 - 158، المغرب الكبير 2/ 241 - 673، القيروان 98 - 107، شهيرات 8990، الصراع المذهبي 221 - 224، الفرق الإسلامية 208 - 216.
(3)
نسبة إلى صنهاجة وهي قبيلة بربرية كبيرة كان لها دور في مناصرة دعوة الرافضة بالمغرب، وخاصة إبان ثورة أبي يزيد الخارجي انظر: الشجرة 1/ 105، المؤنس 74.
(4)
انظر إتحاف أهل الزمان 1/ 133، الكامل 7/ 121.
كنون وقضى على الدولة الإدريسية الثالثة سنة 375 هـ (1).
فصار ملك المغرب لأهل الأندلس (يعني بني أمية) فولوه مغراوة وأول من ولوه منهم حرز بن حفص وبقي الملك في أيديهم يتوارثونه إلى أن قام المرابطون فغلبوهم عليه (2).
وازدادت الحياة السياسية اضطرابا في عهد باديس بن المنصور (386 هـ - 406 هـ) الذي قضى أيامه في حروب متصلة، حتى إن أعمامه كانوا من بين الثائرين عليه وأعلنوا فيما بعد استقلالهم بقلعة بني حماد في المغرب الأوسط. وبدأت فيه دولتهم بتولي حماد بن بلكين بن زيري سنة 398 هـ الذي تبعه ولده القائد بن حماد ثم ولده محسن بن القائد إلى أن تولى آخر ملوك بني حماد وهو يحيى بن العزيز بالله سنة 515 هـ (3).
لقد كان هؤلاء الأمراء الثلاثة بلكين والمنصور وباديس محافظين على تبعيتهم للعبيديين وولائهم للمذهب الإسماعيلي، إلا أنهم لم يتشددوا في مطالبة الناس بالتشيع، فانفسح المجال تدريجيا أمام العلماء لنشر السنة، وبذلك بدأت الحياة العلمية تعود إلى المساجد والكتاتيب شيئا فشيئا، غير أن تلك المظاهر الرسمية من التبعية لحكام مصر والدعوة لهم على المنابر كانت تقلق العلماء، وأسهمت في إيجاد هوة عميقة بينهم وبين حكام بني زيري، فاستمروا في مقاومة هؤلاء الحكام الذين لم يكونوا متحمسين للدعوة الإسماعيلية، وخاصة مع صمود الشعب ومواصلتهم مقاطعة الدولة، غير أنهم لايستطيعون الإعلان بذلك خوفا على سلطانهم، وأحس أهل القيروان بذلك فراح علماؤهم يعملون جاهدين على نشر السنة وآراء السلف فعجت القيروان بالعلماء من جديد، وكثرت المصنفات في مختلف فروع الشريعة، فقد ألف ابن أبي زيد (ت 386 هـ) مصنفات عديدة في الفقه والحديث والرد على أهل البدع (4) وألف القابسي (ت 403 هـ) في الحديث وأصول الدين (5)، وغيرهما كثير وانتعشت الحياة
(1) انظر: الاستقصاء 1/ 185، البيان 2/ 181، بغية الرواد ص: 84، أعمال الأعلام ص:221.
(2)
نظم الدرر والعقيان في بيان شرف بني زيان ص: 289.
(3)
انظر تاريخ المغرب وحضارته 615 - 617، المغرب العربي الكبير 455.
(4)
الشجرة 1/ 96.
(5)
المدارك 3/ 618.
الاقتصادية في عهد بني زيري خاصة بعد مجاعة سنة 395 هـ التي خلت بسببها المساجد، ومات فيها كثير من العلماء والصلحاء (1).
أما التخلص النهائي من أتباع العبيديين، وانتصار الدين على الرفض وحصول البذخ والأبهة فقد كان على عهد آخر أمراء صنهاجة بالقيروان: المعز بن باديس (407 - 449 هـ) فقد دام حكمه قريبا من نصف قرن، شهدت فيها الحياة العلمية بالقيروان عصرها الذهبي، وعادت البلاد إلى حظيرة أهل السنة والجماعة بصفة رسمية وتوفرت فيها أسباب العمران والحضارة، ونفقت سوق العلم والأدب وحدث شيء من التقارب بين المعز وعلماء القيروان، فإن هذا الأمير قد تربى على مذهب مالك وعلى السنة والجماعة (2)، وكان يضمر قطع دعوة العبيديين، فلما علم أهل القيروان بذلك وضعوا السيف فيمن عندهم من الرافضة، حتى أبادوهم في سائر أنحاء إفريقية وذلك سنة 407 هـ في مطلع عهد المعز (3)، ولم يزل أمر السنة يقوى والمعز يعد العدة للتخلص من سلطان بني عبيد حتى كانت سنة 435 هـ وفيها قطع دعوتهم، ولعنهم على المنابر، ودخل في طاعة الدولة العباسية وحمل الناس على مذهب الإمام مالك حسما للخلاف، ولأنه مذهب معظم أهل إفريقية، وكانت بإفريقية مذاهب منحرفة كالشيعة والصفرية والإباضية والنكارية والمعتزلة، ومن مذاهب أهل السنة الحنفية والمالكية، فلم يبق في أيامه إلا مذهب الإمام مالك (4)، ففرح أهل السنة بذلك، وقضوا على مابقي من الروافض بإفريقية ولاحقوهم في كل مكان، فعمت الفوضى حتى اضطر المعز إلى استعمال القوة للسيطرة على الوضع.
ولم يكن الحقد الباطني ليسكت على عودة إفريقية للسنة، ونبذها علنا لطاعة بني عبيد، فأرسلوا إليها أعراب بني هلال وبني سليم، وكانوا ممنوعين
(1) انظر المعالم 3/ 127، البيان 1/ 256.
(2)
البيان المغرب 1/ 273.
(3)
انظر تفصيل ذلك في الكامل 7/ 294، نهاية الأرب 24/ 201 - 204، البيان المغرب 1/ 268.
(4)
المؤنس 82، وانظر الشجرة 2/ 129.
من اجتياز نهر النيل لماعرفوا به من الإفساد في الأرض (1)، فتسابقوا إليها وجرت بين الأعراب وبين المعز حروب كثيرة كانت فيها الدائرة عليه، وتمكنوا من دخولها سنة 443 هـ، فخربوها وأتوا على الأخضر واليابس، وتقاسموا مدنها، فمامن قرية إلا وقد سحقت وأكلت، وأهلها عراة أمام حيطانها، من رجل وامرأة وطفل، يبكي جميعهم جوعا وبردا، وانقطع المير عن القيروان، وتعطلت الأسواق (2).
وأما قابس فاستطاع أن يحكمها بعض القواد العرب وذريته وأما تونس فساعدها موقعها المنيع وانفتاحها على البحر لتصبح أهم مدينة يحكمها بنو فرسان، وأما الأمير الزيري فالتجأ إلى المهدية واتخذها عاصمة للدولة الضائعة، التي استولى عليها النورمنديين سنة 1148 م، ثم تم الفتح الإسلامي للمهدية مرة أخرى على يد الموحدين الذين سحقوا القبائل الهلالية وطردوا النورمنديين وعينوا في سنة 1207 م واليا عليها هو عبد الواحد بن أبي حفص الذي أسس فيها مملكة لمدة ثلاثة قرون (3).
وبذلك انتهت حضارة القيروان التي كانت العاصمة الدينية والعلمية والسياسية لإفريقية والمغرب، فهي منذ الفتح إلى أن خربت دار العلم بالمغرب، إليها ينسب أكابر علمائه وإليها كانت رحلة أهله في طلب العلم (4)، فلما خربت جلا أهلها عنها وتفرق من بقي حيا من علمائها في الأمصار (5)، ولم تعد إليها الحياة العلمية إلا بعد أكثر من قرن من الزمان
(1) انظر عن أصل بني هلال واشتهارهم بالتخريب والفساد ودخولهم إفريقية: العبر 6/ 13، البيان المغرب 1/ 288 - 295، تاريخ التمدن الإسلامي 4/ 324، رحلة التجاني 16.
(2)
انظر تفصيل ذلك في الكامل 8/ 59، العبر 4/ 63، 6/ 16، 159، البيان المغرب 1/ 291 - 294، إتحاف أهل الزمان 1/ 139، المعالم 1/ 15، 20، 3/ 190 - 192، الشجرة 2/ 128 - 131، وقد ألف في ذلك محمد بن سعدون القروي (ت 486 هـ) كتابا سماه "تعزية أهل القيروان بما جرى في البلدان من هيجان وتقلب الأزمان"، انظر البيان المغرب 1/ 281.
(3)
تاريخ تونس ص: 48 - 52.
(4)
انظر الشجرة 2/ 130، مقدمة ابن خلدون 431.
(5)
انظر المعجب 358.