الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك بعد سنة 555 هـ (1)، إلا أنها لم تعد أبدا إلى سالف عهدها، وانتقل مشعل العلم والحضارة بإفريقية إلى المهدية ثم إلى تونس الحفصية.
خامسا: عصر المرابطين والموحدين (434 هـ - 668 ه
ـ) (2):
ينتسب الملثمون الذين عرفوا فيما بعد بالمرابطين إلى قبيلة لمتونة إحدى بطون صنهاجة أعظم قبائل البربر وسموا بالملثمين، لأنهم يضعون اللثام على وجوههم ليلا ونهارا حضرا وسفرا، وقد بدأت دعوة المرابطين على يد الفقيه المالكي عبد الله بن ياسين، الذي وفد مع زعيم قبيلة جدالة الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي إلى بلاد جدالة، عندما عاد من الحج سنة 429 هـ، فلم يستطع نشر دعوته في شنقيط لمعارضة الوجهاء والكبراء فانتقل إلى جزيرة منعزلة بالسنغال ومعه يحيى بن إبراهيم وبعض أتباعه، وأسس هناك رباطا بث منه دعوته وأرسل البعوث إلى القبائل فالتف الناس حوله وسموا المرابطين بسبب ملازمتهم لهذا الرباط، ثم أعلن لهم ضرورة خروجهم لدعوة الناس وإخراجهم مما هم فيه من الطغيان، فبدأ الكفاح المسلح وأخضع عدة قبائل منها قبائل كدالة ولمتونة وكسوفة (3).
وفي عام 447 هـ توفي الأمير يحيى بن إبراهيم، فاختار ابن ياسين يحيى بن عمر من قبيلة لمتونة لقيادة جند المرابطين الذي اتجه إلى فتح كثير
(1) انظر المعالم 3/ 203.
(2)
انظر: الحلل الموشية ص: 17 - 19، تاريخ المغرب والأندلس ص: 37، المؤنس في أخبار إفريقية ص: 101 - 102، أعمال الأعلام ص: 227، 231، تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين (كاملا)، أخبار المهدي بن تومرت (كاملا)، الدولة الموحدية في عهد عبد المؤمن بن علي (كاملا)، عصر المنصور الموحدي (كاملا)، الأنيس المطرب بروض القرطاس 2/ 10، 11، 15، تاريخ الجزائر في القديم والحديث 2/ 209، الاستقصا 2/ 9، البيان المغرب 4/ 8، في تاريخ المغرب والأندلس ص: 267، المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص: 171، تاريخ الشعوب الإسلامية 2/ 183، قيام دولة المرابطين (كاملا)، دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا (كاملا)،.
(3)
انظر تاريخ الشعوب الإسلامية 2/ 183، في تاريخ المغرب والأندلس ص: 268، موريتانيا بلاد شنقيط ص: 10، 11.
من بلاد السودان الغربي، ثم استغاث فقهاء درعة وسجلماسة بعبد الله بن ياسين وجيوشه لتخليصهم من المنكرات والفساد، الذي تمر به البلاد فاستولوا على سجلماسة التي مالبثت أن ثار أهلها ونجحوا في استعادتها، ثم قتل الأمير يحيى بن عمر فاختار ابن ياسين أخاه الأمير أبو بكر بن عمر سنة 448 هـ، الذي اندفع إلى الشمال فقاتل قبائل برغواطة التي اعتنقت المجوسية ومات أثناء ذلك ابن ياسين متأثرا بجراحه، فاستمر أتباعه في نفس الطريق وترك أبو بكر بن عمر السلطة لابن عمه يوسف بن تاشفين (1)، هو القائد المظفر الذي تمكن من إحكام قبضته على المغرب الأقصى، وبناء مراكش واعتبر هو المؤسس الحقيقي لدولة المرابطين، ثم انطلق إلى الأندلس في مواجهة النصارى حتى توفاه الله وتولى ابنه علي بن يوسف تاشفين الذي سار سيرة والده، وكان لانتصاراته صدى واسع في العالم الإسلامي (2).
وفي أثناء ذلك ظهر محمد بن تومرت الذي ينتسب إلى بيت النبوة ونشأ نشأة دينية ورحل في طلب العلم إلى الأندلس، ثم إلى المشرق وكر راجعا للمغرب والتقى في عودته بالمدعو عبد المؤمن بن علي الذي صحبه وحفظ عنه تعاليمه ولما وصل مراكش سنة 515 هـ قام بدوره في الوعظ والإرشاد، حتى وصل نبؤه إلى علي بن يوسف بن تاشفين، فجمع له مجلسا من الفقهاء تناظروا فيه حول المنكرات التي تفشت في المجتمع وتأثر الأمير بكلامه إلا أنه أمر بطرده من مراكش خشية الفتنة، فكانت تلك الشرارة لإعلانه خلع علي بن يوسف والدعوة لمبايعته، واتخذ مدينة تينملل مركزا له ودخل في صراع مرير مع المرابطين انتهى بموته سنة 524 هـ، فتحمل أعباء دعوته عبد المؤمن تلميذه المخلص، والذي يعتبر المؤسس الحقيقي لدولة الموحدين فاستغرق سنة ونصفا في تنظيم شئون الموحدين، ثم بدأ الكفاح المسلح ضد
(1) انظر الأعلام 1/ 34.
(2)
انظر أعمال الأعلام ص: 228، 230، قيام دولة المرابطين ص: 147، 219، 220، المؤنس
103 -
105، الأنيس 2/ 17 - 20، الاستقصا2/ 19، تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين 1/ 71، 121، المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص: 130 - 171، البيان المغرب 4/ 52.
المرابطين، وكانت لوفاة علي بن يوسف بن تاشفين سنة 537 هـ أثر كبير في فت عضد دولته، حتى بعد تولي اسحق بن علي بن تاشفين السلطة بعد نزاع عليها مع ابن أخيه إبراهيم بن تاشفين، وتمكنت جيوش الموحدين من إسقاط مراكش سنة 541 هـ، وكانت تلك نهاية دولة المرابطين وبداية دولة الموحدين (1).
وفي عصر المرابطين الأنف ذكرهم كانت علاقة الود والوئام باقية بينهم وبين بني زيري بالمغرب الأدنى حفاظا على الصلات القبلية بينهما فكلاهما من قبيلة صنهاجة البربرية، ووقف المرابطون بجوار الزيريين ضد خطر النورمنديين.
أما بالنسبة لبني حماد وهم كذلك من صنهاجة فلم تكن العلاقات معهم ودية تماما، وإنما تخللها مناوشات كان العامل فيها ضعف بني حماد أمام أعراب بني هلال، الذين خربوا القيروان وقوضوا ملك بني زيري فأدى كفاح المرابطين من أجل السيطرة على المغرب الأوسط إلى اصطدامهم ببني حماد غير أن ذلك لم يصل إلى الصدام المسلح (2).
وبعد أن أحكم عبد المؤمن الموحدي قبضته على المغرب الأقصى توجه إلى الشرق حيث توالت انتصاراته حتى وصل إلى طرابلس وبذلك نجح الموحدون في تحقيق وحدة سياسية للمغرب الإسلامي تدار شؤونها من عاصمة الخلافة مراكش، ولم ينس أيضا واجبه نحو الأندلس فجهز حملة كبيرة لدفع النصارى سنة 556 هـ إلا أنه مرض مرضا أفضى إلى موته حال دون إتمام الحملة وذلك سنة 558 هـ، وتولى خلفا له ابنه يوسف بن عبد المؤمن الذي تمكن من خمد ثورة ضده من الصناهجة، ثم والى الحملات على الأندلس حتى أصيب في أخراها وتوفي على إثر ذلك سنة 558 هـ، وتولى بعده ابنه يعقوب بن يوسف الملقب بالمنصور وفيه بلغت دولة الموحدين أوج ازدهارها
(1) انظر الدولة الموحدية ص: 47، صبح الأعشى 5/ 136، المعجب ص: 178 - 303، العبر 6/ 226، تاريخ الدولتين ص: 2، 3، الأنيس 2/ 107، أعمال الأعلام 3/ 264 - 267، النبوغ المغربي 2/ 73، نظم الجمان ص: 93، 94، عصر المرابطين والموحدين 1/ 225، موريتانيا بلاد شنقيط ص: 12، 13.
(2)
انظر تاريخ المغرب والأندلس في عصر المرابطين ص: 219 - 232، قيام دولة المرابطين ص: 328 - 329، 388.
وقضى أيضا على بعض الثورات الداخلية، وحقق نصرا هائلا بالأندلس في معركة الأرك التي أوقفت زحف النصارى وزادت من هيبة الموحدين ومكانتهم، وفي سنة 595 هـ أصيب المنصور بوعكة أدت إلى وفاته (1).
ثم تولى بعده ابنه محمد بن يعقوب الملقب بالناصر الذي استطاع أيضا إخماد ثورة بني غانية بإفريقية، وولى عليها الشيخ أبا محمد عبدالواحد ابن أبي حفص الهنتاتي، وكان من أشياخ الموحدين وكانت ولايته بداية لقيام الدولة الحفصية بتونس بعد ضعف دولة الموحدين، بعد أن منيت بهزيمة قاسية في معركة العقاب سنة160 هـ على أيدي النصارى راح ضحيتها الكثير من جند الموحدين وعجلت بسقوط الأندلس بعد ذلك في أيدي الفرنجة، وأصيب الناصر بالمرض وتوفي سنة 610 هـ فتصارع أبناء عبدالمؤمن على السلطة وسرى الضعف في أرجاء الدولة حتى سقطت سنة 668 هـ. وفي حين كانت دولة المرابطين تابعة للخلافة العباسية ببغداد اعتبر
الموحدون أنفسهم خلفاء وأن مركز الخلافة مراكش وليس بغداد (2).
وفي تلك الحقبة ازدهرت الحياة الاقتصادية ازدهارا بالغا، وتنوعت مصادر الدخل وشمل الازدهار الزراعة والصناعة والتجارة (3)، واتجهت الدولة للبناء والتعمير فأسست المدن ومن أهمها مراكش التي أسسها المرابطون كما تقدم ومدينة تلمسان ومدينة تاودا ومدينة رباط الفتح المعروفة الآن بالرباط، والتي قام بتأسيسها الموحدون كما أسست المنشآت العسكرية والمنشآت العامة كالمساجد والمدارس وغيرها (4).
(1) انظر الأنيس 2/ 163، 168، 186، 193، المعجب 230، 235، 256، نظم الجمان ص: 169، تاريخ الجزائر 2/ 224، الاستقصا 2/ 147، 149، البيان المغرب 4/ 65، 72، المؤنس 114، أعمال الأعلام 2/ 309، الحلل الموشية ص:156.
(2)
انظر البيان المغرب 4/ 192، تاريخ الدولتين ص: 147، الأنيس ص: 168، عصر المرابطين والموحدين ص: 270، تاريخ الشعوب الإسلامية 2/ 198، الفارسية في مبادىء الدولة الحفصية ص: 108، المعجب ص: 323، المؤنس 119، تاريخ الأندلس في عهد المرابطين 2/ 166.
(3)
الحضارة الإسلامية في المغرب والأندلس 181 - 288.
(4)
الحضارة الإسلامية 372 - 404.
وأما الناحية العلمية فكانت في أوج ازدهارها، وكرم طبقة طلاب العلم تكريما يفوق الوصف خاصة في دولة الموحدين، أما طبقة الفقهاء والعلماء والقضاة فاحتلت منزلة رفيعة في المجتمع المغربي منذ قيام دولة المرابطين، وظهر لهم نفوذ في مجريات الأمور وخاصة في دولة المرابطين ويرجع السبب في ذلك إلى أن الدولتين قامتا على أساس ديني ودعوة إصلاحية، وتحقق لهم في ظل الدولتين مستوى مادي رفيع جدا كان له أبلغ الأثر على إثراء الانتاج العلمي في شتى مجالاته وفي مقدمتها مجال التفسير حيث زاد الاقبال على دراسة القرآن الكريم، باعتباره مصدر التشريع الأول في الدولتين وممن اشتهر من العلماء في تلك الحقبة أبو الحسن علي بن محمد الغرناطي المفسر نزيل مراكش، وكان عالما زاهدا يجتمع إليه الناس فيفسر لهم القرآن من أوله إلى آخره (1)، وأبو بكر محمد بن علي المعافري السبتي عرف بابن الجوزي، وله تفسير في القرآن (2)، وعبدالجليل بن موسى الأنصاري الأوسي ت 608 هـ وله تفسير القرآن (3)، ومن التفاسير التي اعتنى بها المغاربة في تلك الفترة:
كتاب الوجيز لعبد الحق بن عطية ت 541 هـ (4).
وكان من شيوخ المرابطين الشيخ أبو محمد يرزجان بن محمد الجزولي الضرير الذي قدم مراكش، وكان عالما فاضلا بصيرا بمذهب مالك صحب الإمام أبا بكر بن العربي صاحب أحكام القرآن (5).
وقد أرسل أبو بكر بن العربي رسالة إلى الخليفة المستظهر العباسي يزكي فيها الأمير يوسف بن تاشفين عنده (6).
وأما علم الحديث فنال عناية فائقة لاسيما في عصر الموحدين فبعد أن كان التركيز في عهد المرابطين على الموطأ أصبح الاهتمام بالحديث عموما السمة السائدة في عصر الموحدين، واهتم به الخلفاء اهتماما كبيرا، وكان بعضهم يقوم بإملاء الأحاديث بنفسه، وانتشرت المؤلفات فيه في ذلك العصر،
(1) التشوف ص: 226.
(2)
النبوغ المغربي 1/ 77، 95.
(3)
العلوم والآداب ص: 440.
(4)
عصر المنصور ص: 247.
(5)
انظر: ترتيب المدارك 3، 4/ 780، دور المرابطين ص:143.
(6)
محققة مع كتاب دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا ص: 182 - 200.