الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا كله لمن لا يحمل منديلاً أو أوراقاً صحيَّةً، أما من يحمل منديلاً أو أوراقاً صحية، فإنَّه يبصق أو يتنخم فيها وهو في صلاته، دونما حاجةٍ إلى لَيِّ عنقه عن اليمين أو الأمام.
هذه هي الأفعال المحرَّمة في الصلاة التي وردت في الأحاديث النبوية الشريفة قصرنا بحثنا عليها، ولم نتطرق إلى أفعالٍ رآها الفقهاء مكروهةً أو محرَّمةً دون أن يُورِدوا عليها نصوصاً شرعيَّة معتبرةً مثل: تحريم الأكل والشرب، وكراهة الصلاة في المحراب، وكراهة تغميض العينين، إلخ
…
الفصل الثامن
ما يُفعل ويُقال عقب الصلاة
أولاًـ ما يُفعَل عَقِبَ الصلاةُ
أ. الجلوسُ فترةً عَقِبَ الصلاة
يُندب للمصلي إذا خرج من صلاته بالتسليم أن يلبث فترة في مُصلاه لما في هذا اللبث من ثواب، ولا ينقطع ثوابه إلا أن يقوم من مقامه أو ينتقض وضوؤه، وذلك لما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إذا صلى أحدكم، ثم جلس مجلسه الذي صلى فيه لم تَزَل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، ما لم يُحْدِث» رواه ابن خُزَيمة والبخاري. وفي رواية أخرى لابن خُزَيمة «ما لم يُحْدِث أو يقوم» . ولما روى أبو عبد الرحمن واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن العبد إذا جلس في مصلاه بعد الصلاة صلَّت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، وإن جلس ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه» رواه أحمد. وكفى باستجلاب دعوات ملائكة الله سبحانه بالمغفرة والرحمة فضلاً وخيراً، فلْيُكْثِر المسلم من هذه الدعوات بالإكثار من المكث. ويزداد المكث استحباباً إن كان عقب صلاة الفجر. والمدة المثلى للمكث أن يلبث المصلي في مصلاه إلى أن تطلع الشمس وترتفع قليلاً، فقد سُئل جابر بن سمرة «كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا صلى الصبح؟ قال: كان يقعد في مصلاه إذا صلى الصبح حتى تطلع الشمس» رواه ابن خُزَيمة. ورواه مسلم ولفظه «كان لا يقوم من مُصلَاّهُ الذي صلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام» . وفي رواية أخرى لمسلم من طريق جابر بن سمرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حَسَناً» . قوله حَسَناً: أي طلوعاً حَسَناً، أي تطلع وترتفع.
فلْيُطِل المسلم المكث ما استطاع، إلا أنْ تدعوه حاجةٌ للانصراف، أو كان إماماً للجماعة فينصرف دون طول مكث لا سيما إنْ كان إمامُ الجماعةِ خليفةً المسلمين أو والياً جرت العادة أن لا ينصرف الناس قبل انصرافه، فيعجِّل في الانصراف حتى لا يشق على الناس. وقد كان المسلمون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينصرفون قبل أن يروه ينصرف احتراماً وتوقيراً، ومثله الخلفاء الراشدون، لهذا كان عليه الصلاة والسلام ربما عجَّل الانصراف لأجل ذلك، وكذلك كان يفعل خلفاؤه، فقد روت أم سلمة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلَّم يمكث في مكانه يسيراً» رواه البخاري وأحمد. وعن أنس رضي الله عنه قال «صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ساعةَ يُسلِّم يقوم، ثم صليت وراء أبي بكر فكان إذا سلم وثب، فكأنما يقوم عن رضفة» رواه عبد الرزاق. قوله يقوم عن رضفة: أي يقوم مسرعاً كأَنَّه كان جالساً على شئ محمَّى بالنار. ويمكن للإمام في هذه الحالة أن ينصرف من مكانه من أجل أن ينصرف الناس، ثم يعود إلى الجلوس ثانية.
ويُندبُ للمُصلي أن لا يغادر مُصلاهُ قبل أن يمكث فترة تكفيه ليقول فيها (استغفر الله) ثلاثاً، و (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام) لما روى ثوبان رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام
…
» رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة. ورواه احمد وابن خُزَيمة والنَّسائي بلفظ «يا ذا الجلال والإكرام» . بزيادة [يا] . وكذا رواه الترمذي، إلا أنه أسقط [اللهم] من أوله. وعن عائشة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقعد بعد التسليم إلا قدر ما يقول: اللهم أنت السلام
…
» رواه ابن حِبَّان.
وكما يُشرع للإمام أن يمكث في مكانه عقب الصلاة استجلاباً لأدعية الملائكة بالرحمة والمغفرة ويمكث معه المصلون، يُشرع له ولهم المكوث لسببٍ ثانٍ هو تمكين النساء من مغادرة المصلى قبل انصراف الرجال حفظاً لهن وصوْناً، فعن أم سلمة رضي الله عنها «أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم من الصلاة المكتوبة قُمْنَ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت من صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال» رواه أحمد والنَّسائي وابن خُزيمة وابن حِبَّان والشافعي. ووقع عند البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيراً قبل أن يقوم - قال ابن شهاب - فأُرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن مَن انصرف من القوم» . ووقع عند أحمد وأبي داود من طريق أم سلمة رضي الله عنها «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم مكث قليلاً، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال» .
وهذا وذاك مما يتعلق بثواب المكث. أما ثواب الذكر عقب الصلاة فإن الإمام المتعجل لا يُحْرَم بقيامه الفوري منه، إذ يمكنه تحصيل ذلك في مكان ثانٍ يتحول إليه، أو وهو عائد من صلاته إلى بيته أو إلى مكان حاجته، فإنَّ ذِكْرَ الله يُندب في كل حال.