الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الأحاديث المرويَّة عن تغسيل شهداء أُحُد والصلاة عليهم، فكلها لا تخلو من مقال، وفيها علة وضعف، فلا تصمد أمام هذا الحديث الصحيح. فيبقى حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وهو «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فَرَطٌ لكم، وأنا شهيد عليكم
…
» رواه البخاري ومسلم. قوله إني فَرَطٌ لكم: مأخوذ من الفرط وهو من يسبق الناس إلى مورد الماء ليُهيِّئ لهم الحياض ويملأها بالماء، وهو هنا بمعنى أني متقدمكم إلى الحوض أو الكوثر في الجنة وستَرِدُون عليَّ. فهذا الحديث صحيح، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلى على شهداء أحد، إلا أن هذه الصلاة منه عليه الصلاة والسلام ليست للغاية نفسها من صلوات الجنائز، وإنما هي توديع منه لهؤلاء الشهداء قبل أن يموت، فهي أشبه بتحية المودِّع للموتى، فعن عقبة بن عامر الجُهَني قال «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أُحد بعد ثماني سنين كالمودِّع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: إني بين أيديكم فَرَط وأنا عليكم شهيد
…
» رواه البخاري ومسلم. فهذه الرواية توضح أن صلاته على شهداء أحُد كانت وقفة وداع لهؤلاء الشهداء. فالشهيد لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه.
الصلاة على الأموات المسلمين
إن شهيد المعركة مع الكفار هو الحالة الوحيدة المستثناة من وجوب الصلاة على الأموات المسلمين، فكل مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله يجب على المسلمين أن يُصلُّوا عليه، لا فرق بين التقي والشقي، ولا بين الكبير والصغير، ولا بين العدل والفاسق، وحتى القاتل والمنتحر ومرتكب الكبيرة يجب على الأحياء أن يصلوا عليهم، والسِّقط - وهو الطفل الذي وُلد ميتاً أو مات عقب ولادته مباشرة - تجب الصلاة عليه هو الآخر ما دام إنساناً ذا روح، أي ولد عن أربعة أشهر فما فوق، لأن نفخ روحه يحصل عقب الأشهر الأربعة وهو في بطن أمه، وعند نفخ الروح يصبح إنساناً، فإن مات بعدئذٍ وجبت الصلاة عليه، فعن بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الصدوق قال «إن أحدكم يُجمع خَلْقُه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مُضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله مَلَكاً فيُؤمر بأربع كلمات، ويُقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. وعن المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «السِّقط يُصلَّى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» رواه أحمد والنَّسائي وابن ماجة وابن حِبَّان والترمذي.
أما ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «لقد تُوفِّي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يُصَلِّ عليه» رواه أحمد والبزَّار وأبو يعلى. فإن هذا الحديث منكر، قاله أحمد، وقال ابن عبد البر: لا يصح. فلا يُستشهد به.