الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يشترطُ لصحة التيمُّمِ دخولُ الوقت
؟.
قال الأحناف: يصح التيمُّم قبل دخول الوقت. وذهب مالك والشافعي وأحمد وداود إلى عدم صحة التيمُّم قبل دخول الوقت مستدلين بما يلي:
1-
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «جُعلت لي الأرضُ مساجد وطَهوراً، أينما أدركتني الصلاة تمسَّحتُ وصليتُ
…
» رواه أحمد والبيهقي.
2-
حديث أبي أُمامة ـ وقد سبق ـ وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «جُعِلَت الأرضُ كلُّها لي ولأمتي مسجداً وطَهوراً، فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاةُ فعنده مسجدُه وعنده طَهوره» رواه أحمد والبيهقي. وقد مرَّ.
3-
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «
…
وجُعلت لي الأرض طيِّبة طَهوراً ومسجداً، فأيُما رجلٍ أدركته الصلاة صلى حيث كان
…
» رواه مسلم والبخاري وأحمد والنَّسائي.
4-
الآية 6 من سورة المائدة.
5-
قالوا إن التيمُّم طهارةُ ضرورةٍ، ولا ضرورةَ إليه قبل دخول وقت الصلاة. وقالوا إن الحديث الأول ومثله الحديث الثاني والحديث رقم 3 قيَّدت التيمُّم بإدراك الصلاة، وإدراك الصلاة لا يكون إلا بدخول وقتها، فالأحاديث طلبت التيمُّم حين إدراك الصلاة، ومفهومها عدم طلب التيمُّم قبل إدراك الصلاة أي قبل دخول وقتها. وعن الآية الكريمة قالوا: القيام إلى الصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها، وإنما صح الوضوء قبل دخول الوقت لفعله صلى الله عليه وسلم، وبقي التيمُّم على ظاهر الآية. والبند الخامس واضح. هذه أدلة وحجج من اشترطوا لصحة التيمُّم دخول وقت الصلاة.
والحق أن هذه الأدلة والحجج لا تصلح لإثبات دعواهم، وأن الاستدلال بها على اشتراط دخول الوقت استدلال بعيد، وليٌّ لها عن ظاهر دلالاتها، وصرفٌ لها إلى غير ما سيقت له. الحديثان الأول والثاني جاء فيهما «أينما أدركتني الصلاة تمسَّحتُ وصليتُ» ، «أينما أدركَتْ رجلاً من أمتي الصلاةُ، فعنده مسجده، وعنده طَهوره» . إنَّ هذين القولين قد صُدِّرا بـ (أين) وأين هنا مكانية وليست زمانية، فلا تفيد توقيتاً ولا تفيد زمناً، ولو أردنا تبسيط القول لقلنا: في أي مكان أدركتني الصلاة فيه تيمَّمت، فهذا القول يفهم منه التيمُّم في أي مكان للصلاة. هكذا يجب فهم النصين أو الحديثين الأولين، فهما قد سيقا لبيان كون التيمُّم للصلاة يقع في أي مكان من الأرض، ولم يأتيا إطلاقاً لبيان توقيت التيمُّم فضلاً عن أن يأتيا لبيان توقيت التيمُّم بدخول الوقت، فهذا التقييد لا يحتمله النصان، وهو اجتهاد غير صحيح لا يستند إلى قواعد اللغة. ثم إن الحديثين قد صُدِّرا بـ «جُعلت لي الأرض مساجد وطَهوراً» و «جُعلت الأرض كلُّها لي ولأُمتي مسجداً وطَهوراً» وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد بيان أن الأرض كلها مكان صالح للصلاة والتيمُّم، وحتى يركِّز هذا المعنى أتى ببيان هو: إذا كنتم في أية بقعة من هذه الأرض أمكنكم أن تُصلُّوا فيها وتتيمَّموا. فأواخر النصَّين سيقت لتثبيت أوائلها وتوكيدها ولم تأت لشيء آخر. هكذا يجب فهم هذين الحديثين، وهكذا نجد أنهما لا يفيدان زمانيَّة التيمُّم وتوقيته فضلاً عن توقيته بدخول الوقت.
أما الحديث الثالث فهو وإن جاء بلفظ مغاير قليلاً إلا أنه يفيد المعنى نفسه الذي يفيده الحديثان الأولان، فبعد أن صُدِّر بما صُدِّر به الحديثان الأولان «جُعلت لي الأرض طيِّبةً طَهوراً ومسجداً» قال «فأيُما رجلٍ أدركته الصلاة صلى حيث كان» انظروا إلى لفظة (حيث) فهي ظرفية مكانية، أي هي مماثلة لـ (أينما) في الحديثين الأولين، فيكون معنى الحديث هو: إن الله جعل الأرض صالحة لتكون مسجداً وتكون طَهوراً، وكل رجل أدركته صلاته صلى على هذه الأرض حيثما كان. فالحديث يتحدث عن الأرض وصلاحها للصلاة وللتيمُّم، ولم يُؤت به لتوقيت تيمُّمٍ وزمانِه قطعاً. فالأحاديث الثلاثة لا تصلح لتحديد زمان التيمُّم وتوقيته، والشبهة التي عندهم آتية من الفعل (أدرك) الوارد في الأحاديث الثلاثة، فقالوا إن التيمُّم يحصل حين إدراك الصلاة ولا يكون إدراكٌ دون دخول الوقت، فإذا دخل الوقت بدأ التيمُّم. هكذا منطقوا الحديث بمقدِّمات ونتائج لم تكن صحيحة بلا شك، ولو هم وسَّعوا مجال النظر لما وقعوا فيما وقعوا فيه من خطأ الاستدلال.
أما استنباطهم التوقيت من آية التيمم فهو أيضاً استنباط غير صحيح. فالآية تفسَّر بأن المسلم لا يصلي إلا إذا كان على وضوء، فجاءت بصياغة تفيد أنه إذا أردتم الصلاة فتوضأوا، ومفهومها إذا لم تكونوا على وضوء فلا تصلوا حتى تتوضأوا. وبمعنى آخر إذا كنتم على وضوء فصلُّوا. فالآية سِيقت لبيان الوضوء وأنه شرط لصحة الصلاة، ولم تأت لبيان أن يتوضأ المسلم لكل صلاة، أو أن يتوضأ لدخول وقت كل صلاة. وهذا القول ينسحب على التيمُّم الوارد في آخر الآية، فالآية أرادت أن تبين حكم التيمُّم للصلاة، ولم تأت لطلب التيمُّم لدخول الوقت مطلقاً. بل أكثر من ذلك لم يرد في آخر الآية ذِكْرُ الصلاة فضلاً عن ذِكْرِ دخول الوقت، وإن الآية لم تأت إلا لبيان أنَّ مَن كان مريضاً أو مسافراً، أو أحدث بغائط حَدَثاً أصغر، أو أحدث بالجماع حَدَثاً أكبر فلم يجد الماء تيمَّم. هكذا تُفهم الآية، وهذا ما يحتمله النص، وصرفُ هذا النص إلى بيان حكم التيمُّم لدخول وقت الصلاة هو تحميلٌ للنص أكثر مما يحتمل. ولا أطيل أكثر من ذلك، فالأمر واضح، فالآية لا تُثْبِتُ دعواهم.
أما قولهم في البند الخامس فهو ليس دليلاً ولا يصمد أمام النقد، وإني لأتساءل: من أين لكم القول بعدم ضرورة التيمُّم قبل دخول الوقت؟ هل التيمُّم عندكم لا يكون إلا للصلاة فحسب؟ ألا يلزم التيمُّم لمسِّ المصحف؟ ألا يلزم للطواف حول الكعبة؟ بل ألا
يُشرع التيمُّم للمسلم الذي يحبَّ أن يكون دائماً على طهارة؟ أما قرأتم الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم تيمَّم ليردَّ على مسلم السَّلام؟ فلماذا قصرتم التيمُّم على الصلاة هنا فأوجبتم التيمُّم حين دخول الوقت؟ لا شك في أنه نوع من التحكُّم والتَّعَسُّف.
من هذا الاستعراض نصل إلى عدم صلاح الأدلة والحجج السابقة على دعوى اشتراط دخول الوقت لصحة التيمُّم. وبسقوط هذا الاستدلال يثبت قول أبي حنيفة ومَن قال بقوله، حتى ولو لم يكن عندهم دليل على ما ذهبوا إليه، لأن قولهم يدخل في عموم الأدلة القاضية بأن التيمُّم طهارة، وأنها طهارة صالحة للصلاة وغيرها كصلاح الوضوء سواء بسواء، وأن نواقض الوضوء هي نواقض التيمُّم باستثناء وجدان الماء من بعد فقده للمتيمِّم، وما سواه فالنواقض هي والطهارة هي.
وقد جاءت الأحاديث الشريفة تصف التيمُّم بأنه طُهور، فعن أبي ذر قال «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر إن الصعيد طَهور لمن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأَمِسَّه بشرتَك» رواه الدارقطني. ورواه الترمذي وقال (هذا حديث حسن صحيح) . بل جاءت الأحاديث تصف التيمُّم بأنه وضوء.
1-
عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الصعيد الطيب وَضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسَّه جِلْدَك، فإن ذلك خير» رواه أبو داود وابن حِبَّان. ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
2-
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الصعيد وَضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فلْيتق الله وليُمسَّه بَشَرَه، فإن ذلك خير» رواه البزَّار وصححه ابن القطَّان. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.