الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغنيٌّ عن البيان أن المرور من خلف السُّترة لا شئ فيه للمارِّ ولا للمصلي، ولا يُتَّخَذُ حيالَه أيُّ تصرف، وإلا لانتفت الحاجة إلى اتخاذ السُّترة، فعن أبي جُحيفة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء، وبين يديه عَنَزةٌ الظهرَ ركعتين والعصرَ ركعتين يمرُّ بين يديه المرأة والحمار» رواه البخاري. والعَنَزة: هي عصا في طرفها حديدة تُنْصَب كسُترةٍ.
وقد أشكل على عدد من الفقهاء حديث أبي جُحيفة هذا، وظنوا أن مرور المرأة والحمار إنما كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين سُترته، أي هم ظنوا أن المرور قد حصل من أمام السترة وليس من ورائها، مما جعلهم يستدلون بهذا الحديث على أن مرور المرأة والحمار من أمام المصلي لا يقطع الصلاة، والصحيح هو أن مرور المرأة والحمار في هذا الحديث حصل من وراء السترة وليس من أمامها، وأن قول الحديث «يمر بين يديه المرأة والحمار» لا يعني ما فهموه منه، لدلالة رواية أخرى من طريق أبي جُحيفة نفسه عند ابنِ حبان والنَّسائي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حُلَّةٍ حمراءَ فرُكزت عَنَزَةٌ، فصلى إليها يمرُّ من ورائها الكلب والمرأة والحمار» . ولرواية من طريقه أيضاً عند مسلم وأبي داود «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عَنَزَةٌ، وكان يمرُّ من ورائها المرأة والحمار» . فقد صرحت هاتان الروايتان بأن المرور كان يحصل من وراء السُّترة وليس من أمامها.
دفعُ المارّ عند اتخاذ السُّترة
إن لم يكن للمصلي سُترة فلا يجب عليه دفع المارِّ بين يديه، وكذلك لا يجب عليه دفع المار إنْ هو اتَّخذ سُترة فمرَّ من ورائها، لما رُوي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا وَضع أحدُكم بين يديه مثل مُؤخَّرةِ الرَّحْل فليصلِّ، ولا يبالِ مَن مرَّ وراء ذلك» رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن حِبَّان. قوله مؤخَّرة الرحل: أي العود الذي يكون في آخر الرَّحْل أي السرج يستند إليه الراكب. أما إنْ هو اتخذ السُّترة ومرَّ أحدٌ دونها فإنَّ الواجب عليه دفعُه ولو أدى إلى قتاله، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا كان أحدكم يصلي فلا يَدَعُ أحداً يمرُّ بين يديه ولْيَدْرأه ما استطاع، فإن أبى فلْيقاتله فإنما هو شيطان» رواه مسلم. ورواه البخاري بلفظ «إذا صلى أحدكم إلى شئ يستره من الناس، فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فلْيدفَعْه، فإن أبى فلْيقاتلْه فإنما هو شيطان» فقد قيَّد الحديثُ الثاني دفعَ المار باتخاذ السُّترة.
وفي المقابل فإن مرور المار من أمام السُّترة حرام على المارِّ سواء كان ذلك في صلاة الفريضة أو صلاة النافلة، في صلاة الجماعة أو صلاة المنفرد، فعن أبي جُهَيم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو يعلم المارُّ بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أنْ يقف أربعين خيرٌ له مِن أنْ يمرَّ بين يديه، قال أبو النضر: لا أدري قال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة» رواه البخاري ومسلم. وفي هذا دلالة قوية على حُرمة المرور، ودلالة على مطلق الصلاة دون تقييد، وعن يزيد بن نمران قال «لقيت رجلاً مُقْعَداً بتبوك فسألته فقال: مررتُ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أتانٍ أو حمارٍ فقال: قطع علينا صلاتنا قطع الله أثره، فأُقعِد» رواه أحمد. ورواه أبو داود من طريق سعيد بن غزوان عن أبيه باختلاف في اللفظ. فلولا أن مرور الرجل هذا - وهو على حماره - بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو يصلي هو فعلٌ محرَّم لما دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء الشديد الذي سبَّب له الشلل.