الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الشرع [التطهُّر بما نَعُم من أديم الأرض بكيفيةٍ مخصوصةٍ لعدم الماء أو لعذرٍ مانعٍ من استعماله] وهذا التعريف جامع مانع مختصر، وهو أصحُّ من تعاريف أتى بها عدد من الفقهاء من مثل: طهارة بالتراب يقوم مقام الطهارة بالماء عند العجز عن استعماله لعدمٍ أو مرض. ومثل: القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنيَّة استباحة الصلاة ونحوها. ومثل: إيصال التراب الطهور إلى الوجه واليدين بشرائطَ مخصوصةٍ. فهذه تعاريف غير دقيقة وغامضة. فالتعريف الأول لم يجمع الأسباب والأعذار المبيحة للتيمم. والتعريف الثاني لم يتطرق لهذه الأسباب والأعذار. والتعريف الثالث استعمل لفظة الشرائط وهي هنا غامضة لأنه أدخل تحتها الكيفية والأعذار وهما متغايران. إضافة إلى أن كلمة التراب في التعريف الأول والتعريف الثاني بحاجة إلى بيان، وكذلك القول في اليدين في التعريفين الثاني والثالث، وكان الأحق أن يقال (الكفين) بدل اليدين.
مشروعية التيمُّم
الكتاب الكريم والسنة الشريفة وإجماع الصحابة. والتيمُّم معلوم من الدين بالضرورة، بمعنى أن منكره كافر، والنصوص الشرعية الدالة على مشروعيته كثيرة نجتزيء منها ما يلي:
1-
عن عائشة رضي الله عنها «أنها استعارت من أسماء قلادةً فهلكت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتَوا النبي صلى الله عليه وسلم شكَوْا ذلك إليه، فنزلت آية التيمُّم» رواه مسلم والبخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجة.
2-
3-
قوله تعالى في الآية 43 من سورة النساء {
…
فلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيْدَاً طَيِّبَاً فامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيْكُمْ إنَّ اللهَ كانَ عَفُوَّاً غَفُورَاً} .
4-
عن أبي أُمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «جُعِلت الأرضُ كلها لي ولأُمتي مسجداً وطَهوراً، فأينما أدركتْ رجلاً من أمتي الصلاةُ فعنده مسجدُه وعنده طَهورُه
…
» رواه أحمد بسند رواته ثقات إلا سيَّاراً الأموي وهو صدوق. ورواه البيهقي.
5-
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أُعطيتُ خمساً لم يُعطَهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرةَ شهر، وجُعلت لي الأرضُ مسجداً وطَهوراً، فأيُّما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فلْيصلِّ، وأُحلَّت لي المغانم ولم تحلَّ لأحد قبلي، وأُعطيتُ الشفاعة، وكان النبي يُبعَث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس عامَّة» رواه البخاري وأحمد ومسلم والنَّسائي.
6-
عن عمران بن حصين قال «كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم
…
ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة، فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجلٍ معتزل لم يُصلِّ مع القوم قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك
…
» رواه البخاري وأحمد. ورواه النَّسائي وابن أبي شيبة مختصراً.
وجه الاستدلال بهذه النصوص ظاهر، وأُلفت النظر إلى أن الحديث الأول جاء فيه أن الله سبحانه أنزل آية التيمم. وإنني أثبتُّ آية المائدة وليس آية النساء على أنها هي المقصودة، وأنها هي آية التيمم.
وقد وقع بين المفسرين والفقهاء خلاف في هذه المسألة، فقال ناس إن آية النساء هي آية التيمُّم، وقال آخرون إن آية المائدة هي آية التيمُّم، وتردد آخرون بين الآيتين ولم يقطعوا برأي. والصحيح هو ما أثبته ابنُ حجر من أنها هي آيةُ المائدة، فهو بعد أن ساق حديث عائشة في البخاري عن التيمُّم قال (قال ابن العربي هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء، لأنَّا لا نعلم أيَّ الآيتين عنت عائشة. قال ابن بطال هي آية النساء أو أية المائدة، وقال القرطبي هي آية النساء، وكذلك قال الواحدي هي آية النساء، وقد خَفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث إذ صرح فيها بقوله: فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة، أخرجها البخاري في التفسير) .
وأزيد على قول ابن حجر ما رواه البخاري من طريق شقيق قال «كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى الأشعري فقال له أبو موسى: لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً أمَا كان يتيمَّم ويصلي؟ فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً
طيباً
…
» الحديث وهو طويل، رواه البخاري في باب التيمُّم تحت عنوان [التيمُّم ضربة] . فقد جاء في هذا الحديث أن الصحابة حين يذكرون التيمُّم يذكرون سورة المائدة، مما يدل على أنها دون سورة النساء هي سورة التيمُّم رغم أن النَّصَّين متشابهان.
وقد أجمع الصحابة على مشروعية التيمم، وأجمع من بعدهم العلماءُ لم يخالف فيه أحد من الخلف ولا من السلف، إلا أنه حصل خلاف في: هل التيمُّم يكون لرفع الحَدَث الأكبر والحَدَث الأصغر، أم لرفع الحَدَث الأصغر فقط؟ فذهب جمهور الصحابة وسائر المسلمين إلى مشروعية التيمُّم للصلاة من غير فرق بين الجنب وغيره، ولم يخالف في ذلك إلا ما رُوي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما من عدم جوازه للجُنُب، ذكر ذلك عنهما ابن أبي شيبة. إلا أن ابن أبي شيبة روى عن الضحاك أنه قال «رجع عبد الله عن قوله في التيمُّم» . وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رجع عن قوله هو الآخر.
وعلى أية حال فقد جاءت الأحاديث الصحيحة بجوازه فيتعين القول به وطرح ما سواه وقد مر الحديث السادس الصحيح الذي يفيد التيمُّم للجنب، وكذلك روى عمار بن ياسر قال «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبتُ، فلم أجد الماء فتمرَّغتُ في الصعيد كما تَمَرَّغُ الدابة، ثم أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه» رواه مسلم. ورواه البخاري بألفاظ قريبة منه. أما أنه مشروع لرفع الحَدَث الأصغر فلم يختلف فيه مسلمان اثنان، ويكفي أن أشير إلى أن الحديث الأول الذي روته عائشة رضي الله عنها يفيد ذلك إضافةً إلى آية التيمُّم.