الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُلْكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأعطاه إياه، وسأله حكماً يُواطئ حكمَه فأعطاه إياه، وسأله مَن أتى هذا البيت يريد بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه أن يخرج منه كيوم ولدته أمُّه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأرجو أن يكون قد أعطاه الثالث» رواه ابن حِبَّان. وعن أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - يُحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «صلاةٌ في مسجد قُباء كعُمْرةٍ» رواه ابن ماجة. ورواه الترمذي بلفظ «الصلاة في مسجد قُبا كعُمْرةٍ» بدون الهمزة.
الصلاةُ على غير الأرض
تجوز الصلاة على أي شئ طاهر، تراباً كان أو صخراً أو ثلجاً أو خشباً أو بساطاً كان أو حصيراً أو ثياباً أو فراشاً دون فارق بينها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال «سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة؟ فقال: كيف أصلي في السفينة؟ فقال: صلِّ فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق» رواه البزار. والصلاة في السفينة هي صلاة على الخشب. وعن أبي سعيد رضي الله عنه «أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه
…
» رواه مسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيت أُمِّ حرامٍ على بساط» رواه أحمد والبيهقي. وعنه رضي الله عنه قال «كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» رواه البخاري ومسلم. وروت عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وهي بينه وبين القِبْلة، على فراشِ أهله اعتراض الجنائز» رواه البخاري. وروى البخاري أن ابن عمر رضي الله عنه صلى على الثلج.
الصلاة على الكرسي
منذ سني التسعينيات من القرن المنصرم انتشرت ظاهرة الصلاة على الكراسي في المساجد وفي البيوت، حتى لم تعد ترى مسجداً يخلو من أعدادٍ من الكراسي المعدَّة للصلاة، ولم تكن هذه الظاهرة تُلحظ قبل ذلك إلا نادراً، والسؤال هنا هو ما حكم الصلاة على الكرسي، وهل من دليل شرعي على جوازها؟ وللجواب على هذا السؤال أقول ما يلي: باستعراض النصوص ذات العلاقة بهذه المسألة نتبين أن الصلاة على الكرسي غير مشروعة في صلاة الفريضة أو المكتوبة، وجائزة ومشروعة فقط في صلاة التطوع أو النافلة، وللمريض الذي إذا جلس على الأرض لا يستطيع السجود على الأرض. وهذه هي الأدلة:
أ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» رواه البخاري ومسلم.
ب - عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبِّح وهو على راحلته، ويومئ إيماءً قِبَلَ أيَّ وجهٍ توجَّه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة» رواه البيهقي والبخاري ومسلم.
ج - عن سالم بن عبد الله عن أبيه - عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبِّح على الراحلة قِبلَ أيِّ وجهٍ توجَّه ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة» رواه مسلم والبخاري.
تدل هذه الأحاديث الثلاثة على وجود فارق في الصلاة بين المكتوبة والتطوع، هذا الفارق هو أن صلاة التطوع - وعُبِّر عنها بالتسبيح في الحديثين ب، ج - يصح تأديتها على ظهر الدابة، بينما يتوجب أداء الفريضة على الأرض، وطبعاً على هيآتها المعلومة، «فإذا أراد الفريضة نزل» «ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة» «غير أنه لا يصلي عليها - أي على الدابة - المكتوبة» وهذه نصوص بالغة الوضوح على أن صلاة الفريضة لا تؤدَّى إلا على الأرض، ولا يُشرع أداؤها على ظهر الدابة.
وحيث أن الجلوس على ظهر الدابة والجلوس على الكرسي شئ واحد وفعل واحد، لأن كلا الفعلين جلوس المرء على مقعدته وترك رجليه تتدليان إلى أسفل، فإن هذين الفعلين يشتركان في حكم شرعي واحد، وأن ما ينطبق على أحدهما ينطبق على الآخر، هذا الحكم الشرعي هو الجواز والإباحة في صلاة التطوع فحسب، فمن أراد أن يصلي تطوعاً ونافلةً جاز له ذلك وهو جالس على الكرسي، كما جاز له ذلك وهو جالس على ظهر دابة سواء بسواء، وتكون صلاته صحيحة متقبَّلة.
أما صلاة الفريضة أو المكتوبة فلم يُشرع أداؤها على ظهر الدابة، كما لم يشرع أداؤها على الكرسي، لأن الفعلين فعل واحد في واقعهما، ولم يُرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى الفريضة أبداً وهو على ظهر دابته، أو وهو جالس على كرسي، وإنما جاءت النصوص تذكر فقط أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على ظهر دابته صلاة التطوع فحسب. وليس ذلك فقط، وإنما تذكر هذه النصوص أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يصلي الفريضة وهو راكبٌ دابته نزل عنها وصلاها على الأرض، ولو كانت صلاة الفريضة تصح على ظهر الدابة لأدَّاها ولو مرة واحدة ليدل ذلك على الجواز، فلما لم يفعل ذلك مرة واحدة، والتزم في كل مرة بأداء المكتوبة على الأرض فإن ذلك دليل واضح على أن الصلاة المكتوبة تُؤدَّى على الأرض فحسب.
أما لماذا جعلنا الجلوس على ظهر الدابة كالجلوس على الكرسي وأعطيناهما حكماً واحداً غير ما مرَّ، فالجواب عليه ما رواه معاذ بن أنس، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اركبوا هذه الدواب سالمةً وابتدعوها سالمةً، ولا تتخذوها كراسي» رواه أحمد والدارمي والطبراني والحاكم وأبو يعلى. وفي رواية أخرى لأحمد بلفظ «إركبوها سالمة ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق
…
» فقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ركوب الدابة هو اتخاذها كرسياً، وأن الجلوس على ظهور الدواب هو جلوس على الكراسي، وبذلك يكون قد ثبت لنا واقعياً وشرعياً أن ركوب الدواب والجلوس على الكراسي فعل واحد، وبالتالي يكون قد ثبت لنا أن ما ينطبق على أحدهما ينطبق على الآخر دون أي فارق، وأن حكم أحدهما هو حكم الآخر تماماً.
والخلاصة هي أن الصلاة على الكرسي جائزة ومشروعة فقط في صلاة التطوع، وغير جائزة وغير مشروعة في صلاة الفريضة، وهذا الحكم عامٌّ ينطبق على السليم كما ينطبق على المريض، فكما أن السليم يصلي الفريضة على الأرض فإن المريض يتوجب عليه هو الآخر أن يصلي الفريضة على الأرض.
ونقف هنا وقفة عند صلاة المريض فنقول: إن الأصل في المريض أن يمكِّن جبهتَه من الأرض في سجوده، سواء كان يصلي واقفاً كالسليم أو جالساً إن كان لا يقوى على الوقوف، إلا أنْ لا يتمكن هذا المريض من السجود على الأرض فيومئ عندئذٍ إيماءً، وهذا الموضوع تجدونه مفصَّلاً في بحث [صلاة المريض] في [الفصل العاشر] فلا نعيد.