الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الجمعة إلى الجمعة كفارةُ ما بينهما ما لم تُغْشَ الكبائر» رواه ابن ماجة.
8-
عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «رَواحُ الجمعة واجب على كل محتلم» رواه النَّسائي.
9-
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال «كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكِّر الناس» رواه مسلم. فهذه النصوص بمجموعها تدلُّ على الأحكام الواردة، ووجه الاستدلال بها ظاهر، وسيأتي مزيدٌ من الأدلة والتوضيحات على بعض هذه الأحكام في الأبحاث اللاحقة بإذن الله سبحانه.
على من تجب الجمعة
تجب صلاة الجمعة على أهل الأمصار، أي على سكان المدن والقرى والتجمعات السكنية، ولا تجب على الخارجين عنها البعيدين عن سماع الأذان، ويمكن تقدير مسافة البعد عن المِصر بثلاثة أميال، أي بحوالي خمسة كيلومترات تقريباً، فمن ابتعد عن حدود المدينة أو القرية هذه المسافة فإنه لا جُمعة عليه، لأنه لا يسمع الأذان في العادة، والمقصود بالأذان هنا الأذان دون مكبِّرات الصوت أو المُذاع من الإذاعات، وإنما الأذان بالصوت البشري العادي، فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنما الجمعة على من سمع النداء» رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد لا بأس به. وروى عمرو بن شعيب «أن عبد الله بن عمرو بن العاص يكون بالوهط فلا يشهد الجمعة مع الناس بالطائف، وإنما بينه وبين الطائف أربعة أميال أو ثلاثة» رواه عبد الرزاق. وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال «لا جُمُعة ولا تشريق إلا في مصرٍ جامعٍ» رواه ابن المنذر وابن أبي شيبة. وقال ابن قدامة (
…
كانت قبائل العرب حول المدينة فلم يقيموا جمعة، ولا أمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك لم يَخْفَ
…
) .
وتجب الجمعة على كل مسلم: إلا المريض والصبي والمرأة والعبد والمسافر، والمعذور لعذرٍ كالمطر والوحل والبرد الشديد والخوف على النفس أو المال أو الأهل، وكذلك المحبوس. ومن صلى صلاة العيد في يوم جمعة أجزأته عن صلاة الجمعة، ويجوز له أن يصلِّي الصلاتين. وهذا الحكم الأخير ينسحب على المأموم، أما الإمام فأنه يُسنُّ له أن يصلي الجمعة إِضافة لصلاة العيد، وذلك ليشهدها معه من تخلفوا عن صلاة العيد ومن أرادوا أداءها ممن صلوا صلاة العيد.
ويجوز للمقيم في المصر أن يسافر في يوم الجمعة قبل حلول وقت صلاة الجمعة، أما في وقت الصلاة فلا يحل له السفر، لأن صلاة الجمعة تكون قد وجبت عليه فلا يحل له تركها، فعن طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الجمعة حقٌ واجبٌ على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض» رواه أبو داود مرسلاً ووصله الحاكم. فقد رواه عنده طارق بن شهاب عن أبي موسى رضي الله عنه، فالحديث صحيح. وروى عبد الرزاق في مصنفه عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس على المسافر جمعة» . وهو مرسَل صحابي، ومراسيل الصحابة صالحة للاحتجاج، لأن جميع الصحابة عدول. ومثله الحديث المرسَل الذي رواه ابن أبي شيبة وأبو داود عن ابن أبي ذئب قال «رأيت ابن شهاب - الزُّهري - يريد أن يسافر يوم الجمعة ضَحْوَةً، فقلت له: تسافر يوم الجمعة؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر يوم الجمعة» . وروى الشافعي في مسنده «أن عمر بن الخطاب أبصر رجلاً على هيئة السفر، فسمعه يقول: لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجتُ، فقال عمر: أُخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر» . وهذا الأثر وإن كان قولاً لعمر إلا أنه يبعد أن يقوله عمر من عند نفسه، وعلى أية حال فإن قول الصحابي حكم شرعي يصح أخذه والعمل به. وعن أبي مليح بن أسامة عن أبيه قال «أصاب الناس في يوم جمعة، يعني مطراً، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة اليوم أو الجمعة اليوم في الرِّحال» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي والبيهقي. قوله في الرِّحال: أي في البيوت والمساكن. وقد جاءت روايات تذكر البيوت نصاً، فعن عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين قال «قال ابن عباس لمؤذِّنه في يوم مطير: إذا قلتَ أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حيَّ على الصلاة، قل صلوا في بيوتكم، فكأنَّ الناس استنكروا، قال: فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أُحرجكم فتمشون في
الطين والدَّحْض» رواه البخاري ومسلم وأبو داود. قوله الدَّحْض: أي الزلق. فهذا القول والفعل من ابن عباس يدلان على أن المطر والطين من أعذار ترك الجمعة، ويدل قوله «وإني كرهت أن أُحْرِجكم» على العلة لترك الجمعة عند المطر والطين، وهي المشقة وحصول الحرج.
ومن الأعذار أيضاً الريح الشديدة والبرد الشديد لما رواه نافع عن ابن عمر قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة ذات الريح: صلوا في رحالكم» رواه ابن ماجة ومالك. ولا يقال إن هذا الحديث جاء نصاً في الليل فهو قيد، وهو أيضاً في صلاة الجماعة وليس في صلاة الجمعة، لا يقال ذلك، لأن الاستدلال هنا هو في اعتبار البرد والريح والمطر أعذاراً، وما دامت هذه الثلاثة أعذاراً، فإنها تنسحب على صلاة الجمعة لأن العذر عذر، ولا تفريق في النصوص بين عذر الجماعة وعذر الجمعة، ومما يشهد لهذا الفهم ما رواه ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر» رواه ابن ماجة. فهنا جاء النداء عاماً، وجاء العذر عاماً، فقصر الأعذار على ترك الجماعة دون الجمعة غير صحيح.
والخوف عذر، والخوف يكون على النفس من عدو أو حيوان كاسر أو سيل جارف أو
…
، ويكون على المال، ويكون على الأهل، فأي خوف وُجد من هذه الأصناف اندرج تحت عذر الخوف المبيح لترك الجمعة، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سمع المنادي فلم يمنعه من اتِّباعه عذر، قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض، لم تُقبل منه الصلاة التي صلى» رواه أبو داود. والحبس عذر، لأنه يحول دون تمكُّن المحبوس من أن يشهد الجمعة، والأمر ظاهر.