الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
يُندَب التَّنفُّل بالصلاة قبل الجمعة، وليس للتنفُّلِ قبل الجمعة مقدار معين، فلْيُصلِّ ما شاء من ركعات، وهذه الركعات ليست سُنةً للجمعة، لأن الجمعة لا سنةَ لها قبليةً، إلا أن يدخل المسجد والإمام على المنبر فيقتصر على ركعتي تحية المسجد فحسب، فعن نافع «أن ابن عمر كان يغدو إلى المسجد يوم الجمعة، فيصلي ركعات يطيل فيهن القيام، فإذا انصرف الإمام رجع إلى بيته فصلى ركعتين وقال: هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد وأبو داود. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام» رواه مسلم.
خطبة الجمعة
خطبةُ الجمعة فرضٌ إلقاؤها وفرضٌ سماعها والاستماع إليها، فهي داخلة في المعنى المقصود من ذكر الله الوارد في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوْا إذَا نُوْدِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللهِ وذَرُوْا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تعْلَمُوْنَ} الآية 9 من سورة الجمعة. وهي قسمان يفصل بينهما جلوس قصير، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال «إن النبي صلى الله عليه وسلم -كان يخطب يوم الجمعة خطبتين يفصل بينهما بجلسة» رواه البزار وأحمد وأبو يعلى، ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وعن ابن عمر رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يقعد ثم يقوم كما تفعلون الآن» رواه البخاري ومسلم. وروى أحمد والطبراني عن ابن عباس مثله. وروى مسلم والنَّسائي أيضاً عن جابر عن سمرة مثله. ويُسنُّ أن تتضمن الخطبة ما يلي:
أ- ذِكْر الشهادتين، لما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل خطبة ليس فيها تشهُّدٌ فهي كاليد الجَذْماء» رواه ابن حِبَّان وأحمد. قوله الجذماء: أي القصيرة.
ب- شيئاً من القرآن الكريم، لما رُوي عن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه قال «كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويُذكِّر الناس» رواه مسلم. وعن أُم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت «
…
وما أخذتُ ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأُها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس» رواه مسلم وأحمد والنَّسائي وأبو داود.
ج- الوقوف حين الخطبة، ولا بأس بالاتِّكاء على قوس أو عصا، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة
…
» رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه قال «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في الجمعة إلا قائماً، فمَن حدَّثك أنه جلس فكذِّبه فإنه لم يفعل، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ثم يقعد ثم يقوم فيخطب، كان يخطب خطبتين يقعد بينهما في الجمعة» رواه أحمد وأبو داود. وعن أبي سعيد رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قائماً على رجليه» رواه أحمد.
د- إلقاؤُها بصوت قوي غاضب، لما رُوي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذِرُ جيشٍ، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول: بُعثتُ أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين أصابعه» رواه مسلم.
هـ - أن تكون الخطبة قصيرة موجزة، وذلك من فقه الإمام الخطيب، لما رُوي عن عمار ابن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إنَّ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئِنَّةٌ من فقهِه، فأطيلوا الصلاة وأَقصروا الخطبة، فإنَّ من البيان لسِحْراً» رواه أحمد ومسلم. قوله مَئِنَّة: أي علامةٌ ودلالة. ولما رُوي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال «كنت أُصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً» رواه مسلم والنَّسائي والترمذي وابن ماجة والدارمي.
و بدء الخطبة بحمد الله والثناء عليه، فعن جابر رضي الله عنه قال «خطَبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهل له، ثم قال: أمَّا بعدُ، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وإنَّ أفضلَ الهَدْي هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها وكلَّ بدعة ضلالة، ثم يرفع صوته وتحمَرُّ وجنتاه، ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة كأنه مُنْذِرُ جيشٍ، قال: ثم يقول: أتتكم الساعة» رواه أحمد وابن ماجة.
ز - إذا دعا الخطيب رفع سبَّابَته فقط، ولم يرفع يده كلها كما يفعل الخطباء في زماننا هذا، لما رُوي عن حصين بن عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إذا دعا يقول هكذا، ورفع السَّبَّابَة وحدها» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسائي. ولما رُوي عن عمارة بن رُوَيْبة رضي الله عنه قال «خطب بِشْر بن مروان وهو رافع يديه يدعو، فقال عمارة: قبَّح الله هاتين اليدين، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وما يقول إلا هكذا، يشير بإصبعه» رواه ابن خُزَيمة ومسلم وأحمد وأبو داود والنَّسائي.
وهذا مثالٌ لافتتاحية خطبة [إنَّ الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، من يطع الله ورسوله فقد رَشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتَّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويَغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً، أما بعد
…
] . وتجدون أجزاء هذه الافتتاحية مبثوثة فيما رواه الشافعي في مسنده من طريق ابن عباس، وفيما رواه أبو داود من طريق ابن مسعود، وفيما رواه غيرهما.
وإذا خطب الإمام سكت الناس وحرم عليهم الكلام، إلا أن يكلِّم أحدُهم الإمام فلا بأس. والكلام في أثناء الخطبة لغوٌ، واللغو يحرم صاحبه ثوابَ صلاةِ الجمعة، فإنَّ من تكلم لغا ومن لغا فلا جمعة له، وتُحتَسَبُ له صلاة ظهر. وإذا سلم أحدهم على جاره ردَّ الآخر السلام في نفسه دون إخراج صوتٍ، وأثِمَ مَن سلَّم. وهذا الإنصات مشروع لمن حضر الخطبة: الداني القريب والنائي البعيد. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت» رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنَّسائي. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «
…
ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً» رواه أبو داود. وقد مرَّ بتمامه في البند 2 من بحث [سنن الجمعة] . وعن علي رضي الله عنه قال «
…
ومَن قال يوم الجمعة لصاحبه (صه) فقد لغا ومن لغا فليس له في جمعته تلك شئ، ثم يقول في آخر ذلك: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك» رواه أبو داود. وعن أنس رضي الله عنه قال «بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكُراع وهلك الشاءُ، فادع الله أن يسقينا، فمد يديه ودعا» رواه البخاري. قوله الكُراع: أي الخيل. وقوله فمد يديه ودعا: مدّ اليدين هنا إنما حصل في دعاء الاستسقاء، وهو هنا حالة عرَضية، وهو لا يتعارض مع قولنا إن خطيب الجمعة يرفع سبَّابته ولا يرفع يده كلها، ففي دعاء الاستسقاء يُشرع مد اليدين حتى يظهر بياض الإبطين، فعن أنس بن مالك قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء، وأنه يرفع حتى يُرى بياض إبطيه» رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنَّسائي. وسيأتي في بحث الاستسقاء.