الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول قد ضُرِبت له بنَمِرة: أي قد ضربت له الخيمة في مكان بجنب عرفات يسمى نَمِرة. وقوله في الحديث الأول بالقصواء: يعني بها ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله في الحديث الثالث فقلت له الصلاة فقال الصلاة أمامك: يعني أن أسامة بن زيد ذكَّر الرسول صلى الله عليه وسلم بحلول موعد صلاة المغرب، فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة قادمة، ولم يصلها في وقتها لأنه أراد تأخيرها ليصليها في وقت صلاة العشاء جمعاً.
كيفية الجمع بين الصلاتين
لا يحتاج جمع الصلاتين إلى نية مسبقة، فيصحُّ للمسلم وقد صلى الظهر دون نيَّةِ جمعِها مع العصر أن يقوم ويصلي العصر، جامعاً إياها مع الظهر، سواء كان ذلك على الفور أو على التراخي، وسواء فعل بينهما أفعالاً أو لم يفعل شيئاً، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال «دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، فنزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يُسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة، فقال: الصلاة أمامك، فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ، ثم أُقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كلُّ إنسان بعيره في منزله، ثم أُقيمت الصلاة فصلى ولم يصلِّ بينهما» رواه البخاري ومالك والنسائي. يدل هذا الحديث على أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين قد صلوا المغرب، ثم انطلقوا إلى رحالهم يتدبرون شؤونهم، فأناخوا جِمالهم في منازلهم، وإذا بهم يسمعون الإقامة لصلاة العشاء فانطلقوا يصلونها جماعةً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث يدل على عدم وجود نية الجمع عند الصحابة رضوان الله عليهم، وإلا لما انطلقوا إلى جِمالهم وبيوتهم، ثم إن هذا الحديث يدلُّ أيضاً على جواز الجمع بين الصلاتين على التراخي، كما يدل على جواز القيام بأفعالٍ عدة بين الصلاتين.
ويُشرع للجمع بين الصلاتين أذانٌ واحدٌ وإقامتان اثنتان، وإن أذَّن مرتين فلا بأس، ولا أرى ما يراه بعضهم من الإقامة مرة واحدة للصلاتين. أما دليل الأول فما جاء في الحديث المار قبل قليل في البحث السابق «ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر» . وما جاء في الحديث المار قبل قليل أيضاً في البحث السابق «فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين» . وأما الدليل على الأذانين فما رُوي عن عبد الرحمن بن زيد قال «حجَّ عبد الله رضي الله عنه، فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعَتَمَة أو قريباً من ذلك، فأمر رجلاً فأذن وأقام، ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر أُرى رجلاً فأذن وأقام، قال عمرو: لا أعلم الشك إلا من زهير، ثم صلى العشاء ركعتين، فلما طلع الفجر قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم، قال عبد الله: هما صلاتان تُحَوَّلان عن وقتهما: صلاة المغرب بعدما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين يبزغ الفجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله» رواه البخاري وأحمد والنَّسائي وابن خُزَيمة. والفعل وإن كان من صحابي هو عبد الله بن مسعود إلا أن الصحابة الذين معه قد وافقوه على ما فعل، وهذا إجماع منهم على جواز الأذانين، هذا إضافةً إلى أنَّ عبد الله بن مسعود قال إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
أما دليلهم على جواز الإقامة الواحدة للصلاتين فما رواه ابن عمر رضي الله عنه «أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجَمْعٍ بإقامةٍ واحدة» رواه النَّسائي والبخاري وأبو داود ومسلم. ورواه أحمد ولفظه «أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بجَمْعٍ، صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامةٍ واحدة» . قوله بجَمْعٍ: أي بالمزدلفة، وجَمْع اسم من أسمائها. فهذا الحديث وإن كان صحيحاً، إلا أنه يعارض أحاديث أخرى صحيحة أكثر منه تدل على الإقامتين في المزدلفة، وحيث أن الحادثة واحدة، فلا بد من ترجيح إحداهما، وأنا أُرجح الأحاديث التي تقول بالإقامتين، ثم إن ابن عمر نفسه قد رُوي عنه قوله «جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجَمْعٍ كل واحدة منهما بإقامة ولم يُسبِّح بينهما، ولا على إثر كل واحدة منهما» رواه البخاري والنَّسائي. فهذه الرواية تخالف الرواية الأولى وتدل على مشروعية الإقامتين.
وإذا أتم المصلي الصلاتين في وقت الأولى منهما ثم زال العذر، كأن صلى لمطرٍ ثم انقشعت السحب وصحا الجو، فصلاته صحيحة، وجمعُه صحيح ولا إعادة عليه، إذ ما دامت صلاته قد تمَّت والعذر موجود فالصلاة صحيحة مقبولة، ولا يضيرها أن يزول العذر بعد ذلك.
والسُّنَّة في الجمع لعذر السفر أن المسافر إن حان عليه وقت الظهر قبل أن يستأنف المسير أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، وقل مثل ذلك بالنسبة للمغرب والعشاء، أما إن هو استأنف المسير فحان وقت صلاة الظهر فالسُّنة أن يستمر في المسير إلى أن يحين وقت العصر فينزل، ويصلي الصلاتين جمع تأخير، وقل مثل ذلك بالنسبة للمغرب والعشاء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر، فزاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر جميعاً، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس جمع بينهما في أول وقت العصر، وكان يفعل ذلك في المغرب والعشاء» رواه الطبراني. ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حِبَّان والبيهقي من طريق معاذ بن جبل. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخِّر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق» رواه مسلم.