الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واليدان تُرفعان مدَّاً مع تفريق الأصابع، ويحاذي بهما المنكبين أو شحمتي الأُذنين، وتُرفعان مع تكبيرة الإحرام، ومع التكبيرات الثلاث الأخرى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال «ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بهنَّ قد تركهنَّ الناس، كان يرفع يديه مدَّاً إذا دخل في الصلاة، ويكبر كلما ركع ورفع، والسكوت قبل القراءة يدعو ويسأل الله من فضله» رواه أحمد. وقد مرَّ حديث علي وفيه «ورفع يديه حذو منكبيه» . وروى عبد الله بن وائل عن أبيه «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى تكاد إبهاماه تحاذي شحمة أُذنيه» رواه النَّسائي. وروى أبو هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينشر أصابعه في الصلاة نَشْراً» رواه الحاكم وابن حِبَّان. وحديث عليٍّ المار دليلٌ على الرفع في المواطن الأربعة.
إقامةُ الصفوف أو تسويتُها
إن إقامة الصفوف أو تسويتها فرض في صلاة الجماعة، فلا تحلُّ صلاة الجماعة والصفوف معوجَّة أو مقطوعة من هنا وهناك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سَوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة» رواه البخاري. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سَوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» رواه مسلم وابن حِبَّان وابن ماجة والبيهقي. فقوله (إن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة، وإن تسوية الصف من تمام الصلاة) دليلٌ على الوجوب، لأن إقامة الصلاة وتمام الصلاة واجبان، والمسؤولية في التسوية مشتركة بين الإمام والمأمومين، فإذا أقيمت الصفوف واستوت تقدم الإمام الصف الأول ووقف قُبالة وسطه، ثم كبر للصلاة، ولا يكبر حتى تُقام الصلاة وتتم التسوية، فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم
…
» رواه مسلم. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوِّم الصفوف كما تُقوَّم القِداح، فأبصر رجلاً خارجاً صدرُه من الصَّف، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لتُقيمُنَّ صفوفكم أو ليخالفُن اللهُ بين وجوهكم» رواه النَّسائي ومسلم وابن ماجة وأحمد.
وعلى الإمام أن يطمئن إلى استواء الصفوف ثم بعد ذلك يكبِّر للصلاة، ولا يكبِّر حتى تستوي الصفوف فعلاً، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوِّي صفوفنا إذا قمنا للصلاة، فإذا استوينا كبَّر» رواه أبو داود.
وإنَّ من فضل هذه الأمة أن جعل الله صلاتها مماثلة لاصطفاف الملائكة أمام ربهم، أي صفوفاً بعد صفوفٍ متراصة مستقيمة، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمْس؟ أُسكُنوا في الصلاة، قال: ثم خرج علينا فرآنا حَلَقاً فقال: ما لي أراكم عِزِين؟ قال: ثم خرج علينا فقال: ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يُتمُّون الصفوف الأُول ويتراصُّون في الصف» رواه مسلم. وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أقيموا الصفوف فإنما تصفُّون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسُدُّوا الخلل، ولِينوا في أيدي إخوانكم، ولا تَذَروا فُرُجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله تبارك وتعالى، ومن قطع صفاً قطعه الله» رواه أحمد. قوله «ولا تذروا فُرُجات للشيطان» فسَّره ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «رُصُّوا صفوفَكم وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلال الصفوف كأنها الحَذَف» رواه أحمد وأبو داود وابن حِبَّان والبيهقي. والحذف - بفتحتين - غنم صغيرة الأحجام سوداء جرداء ليس لها أذناب توجد في بلاد اليمن.
أما ما يقوله الإمام عند إشرافه على تسوية الصفوف، فقد ورد في ذلك عدة صيغ، وهذه الصيغ ليست مقصودة لذاتها بقدر ما يُقصد منها تحقيق التسوية بالفعل، فيمكن أن يُؤتى بها، ويمكن أن يؤتى بقسم منها، ويمكن أن يُؤتى بغيرها، فالأمر موسَّع على الإمام، ويكفيه أن يقول مثلاً: استووا وتراصُّوا ولا تختلفوا، ويمكن أن يقول: استووا واعتدلوا، ويمكن أن يقول: استووا وحاذوا بين المناكب وسُدُّوا الخلل، فالقصد التسوية وليس صيغة الكلام الذي يقال.
وعند الاصطفاف ينبغي على المسلمين المبادرة إلى تكوين الصف الأوَّل، فإذا أتموه كوَّنوا خلفه صفَّاً ثانياً، ثم صفَّاً ثالثاً إلى أن تكتمل صفوفهم. وليحرص مَن أراد مزيد فضلٍ وثوابٍ على التقدم إلى الصف الأول، فالصف الأول أفضل الصفوف، يليه الصف الثاني في الفضل، وعلى العكس من ذلك الصف الأخير، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا
…
» رواه مسلم. وروى مسلم أيضاً اللفظ «لو تعلمون - أو يعلمون - ما في الصف المقدَّم لكانت قُرعة» . وروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، فإن كان نقصٌ فلْيكن في الصف المؤخَّر» رواه أحمد. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأولى» رواه أحمد. وفي رواية أخرى لأحمد من طريق النعمان بن بشير رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام «إن الله عز وجل وملائكته يصلُّون على الصف الأول أو الصفوف الأولى» .
فالصف الأول له الفضل الأكبر، يؤكد ذلك ما رواه العِرباض بن سارية رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدَّم ثلاثاً وللثاني مرَّة» رواه أحمد وابن ماجة والنَّسائي وابن حِبَّان والدارمي. وما رُوي عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله وملائكته يصلُّون على الصف الأول، قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني، قال: إن الله وملائكته يصلُّون على الصف الأول، قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني، قال: وعلى الثاني
…
» رواه أحمد. فالصف الأول يذهب بالفضل الأكبر يليه الثاني، ولم أجد للصفوف الأخرى فضلاً منصوصاً عليه سوى ما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في كتابه المعجم الأوسط من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال «استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصف الأول ثلاث مرات، وللصف الثاني مرتين، وللثالث مرة» فذكر الصف الثالث وجعل له فضل استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم له مرة واحدة، إلا أن هذا الحديث ضعيف جداً، ففي سنده المقدام بن داود وأيوب ابن عقبة ضعيفان، ويحيى بن أبي كثير متهم بالكذب، فلا يصلح هذا الحديث للاحتجاج مطلقاً.
وأعود وأُكرر ثانية ليحرصْ مَن أراد مزيد فضل وثواب على التقدم إلى الصف الأول، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يُشغل أصحابُه الصفَّ الأول، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال «رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخُّراً فقال: تقدموا فأْتَمُّوا بي ولْيأْتمَّ بكم مَن بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخِّرهم الله عز وجل يوم القيامة» رواه أحمد.