الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال عدد من الفقهاء منهم ابن قُدامة: إن كانت على بدن المسلم نجاسة وعجز عن غسلها لعدم الماء أو خوف الضرر باستعماله تيمَّم لها وصلى، واستدلوا بالحديث: الصعيد الطيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين. وهذا استدلال فاسد لا يصح، لأن التيمُّم هو عبادة تقوم مقام الغُسل والوضوء، فيقتصر على ما ورد لأجله. أما قولهم هو داخل في عموم الأخبار، فهو قول لا يفيد شيئاً، لأن هذا القول هو من العموم بحيث يستطيع المسلم أن يضع تحته ما يشاء من الفرضيات والتأويلات.
صلاة فاقد الطَّهُورين
المقصود بالطَّهورين الماء والصعيد، وقد جاءت النصوص بوجوب الوضوء بالماء، فإن لم يوجد الماء أو منع مانع من استعماله فبالتيمُّم بالصعيد. ونحن نبحث الآن حالة ثالثة هي حالة فَقْدِ الماء وفَقْدِ الصعيد معاً. وكمثالٍ على هذه الحالة أنْ يُوجَد سجينٌ في حاشرة لا ماء عنده ولا صعيد، ولا جدار لحاشرته يصلح للتيمُّم، وأراد هذا السجين الصلاة، فماذا يفعل؟ هل يصلي دون طهور أم لا يصلي؟ وهل إذا صلى ثم بعد حين وجد أحد الطَّهورين، تجب عليه إعادة الصلاة؟ هذه هي المسألة. وقد اختلف الأئمة الأربعة فيها على النحو التالي:
الأحناف قالوا: يصلي صلاة صُورية، أي يقوم المصلي بحركات الصلاة من وقوف وركوع وسجود وجلوس دون قراءة أو تسبيح أو تشهُّد، ودون نيَّة، وتبقى الصلاة في ذمته، يقضيها متى وجد الماء أو الصعيد، وشاركهم في وجوب القضاء الثوري والأوزاعي. والمالكيون قالوا: تسقط عنه الصلاة، فلا يصلي ولا يقضي إذا وجد الماء أو الصعيد. والشافعيون قالوا: إن كان جُنُباً يصلي الصلاة، ولكن يقتصر على قراءة الفاتحة فقط، ويعيدها إذا وجد الماء أو التراب، وإن كان مُحْدِثاً حَدَثاً أصغر يصلي صلاة تامة معتادة، ويعيدها متى وجد الماء أو التراب. والحنابلة قالوا يصلي ولا يعيد إذا وجد الماء أو التراب، ولكن يقتصر في صلاته على الفروض، وشاركهم في عدم وجوب الإعادة المُزَني وسَحنون وابن المنذر والشوكاني.
والرأي الذي يترجح لدينا هو رأي الحنابلة ومَن شاركهم، فالسجين الذي لا ماء عنده ولا صعيد، والمريض الذي لا يقوى على مغادرة فراشه لوضوء أو تيمُّم، ولا أحدَ عنده يستعين به على إحضار الماء أو الصعيد، يصليان صلاة تامة صحيحة معتادة، ويكونان قد أدَّيا واجبهما، ولا يلزمهما قضاء الصلاة أو إعادتها بعد خروج الوقت، ويمكنهما أن يصليا دون طهارة ما شاءا من النوافل أيضاً.
والدليل على ذلك ما روت عائشة رضي الله عنها «أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلُّوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذلك إليه، فنزلت آية التيمُّم» رواه مسلم والبخاري وأحمد وأبو داود والنَّسائي. ودلالة هذا الحديث أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلوا دون وضوء، وطبعاً دون تيمُّم، لأن التيمُّم لم يكن قد شُرع بعد، فلم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم فكان ذلك إقراراً منه لفعلهم.
والآن وبعد أن شُرع التيمُّم لا يكون أحد يشبههم في فعلهم إلا مَن صلى دون وضوء ودون تيمُّم لعدم وجود الماء والصعيد، أي إلا من كان فاقد الطَّهورين معاً، وحينئذ يكون قد صلى دون طهارة مثلهم، وبمعنى آخر فإن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لصلاة الأوَّلين هو إقرار ينسحب على من صلى وهو فاقد الطَّهورين.
وإلى هذا الاستدلال ذهب العديد من الفقهاء، فابن حجر يقول (الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطَّهورين، ووجهه أنهم صلُّوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم) والشوكاني يقول (ليس في الحديث أنهم فقدوا التراب، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ولكن عدم الماء في ذلك الوقت كعدم الماء والتراب لأنه لا مُطهِّر سواه) .
فالفاقد للطَّهورين يصلي دون طهارة، وهذا الدليل يردُّ رأي أبي حنيفة ورأي مالك. أما بخصوص رأي مالك فواضح، وأما بخصوص رأي أبي حنفية فهو أن الإتيان بحركات الصلاة دون نية ودون قراءة ليس صلاة، بمعنى أن من يفعل ذلك لا يكون صلَّى، فرأيه في النتيجة هو رأي مالك، والحديث ردٌّ عليهما.
يبقى سؤال: هل يعيد من صلى دون طهارة أم لا يعيد؟ يدلُّ هذا الحديث على أن الإعادة غير واجبة، وإلا لبيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يبيِّن ذلك فقد دل على عدم وجوب الإعادة، لأن الحاجة اقتضت منه أن يُبيِّن وجوب الإعادة لو كانت واجبة، فلما سكت دل ذلك على عدم الوجوب، وبذلك يُرَدُّ رأي أبي حنيفة والشافعي في وجوب الإعادة.
الفهرس
الموضوع ..................... الصفحة
مقدمة
…
6
تمهيد
…
8
الفصل الأول
أحكام المياه
…
9
الماء الطَّهور
…
10
الماء النجس
…
12
الماء المستعمل
…
18
تطبيقات على الماء
…
30
سُوْر الحيوان
…
32
الفصل الثاني
أعيان النجاسات
…
42
النجاسات من الإنسان
…
43
أ. البول
…
43
ب. الغائط
…
44
ج. المذي
…
44
د. الودي
…
44
النجاسات من الحيوان
…
44
1-
الكلب
…
44
2-
الخنزير
…
45
3-
الميتة
…
45
النجاسة المشتركة بين الإنسان والحيوان – الدم المسفوح
…
45
النجاسة من غير الإِنسان والحيوان – الخمر
…
76
شُبُهات: أولاً- بول ما يُؤكل لحمه وما لا يُؤكل
…
46
ثانياً- الميتة وأجزاؤها من حيث النجاسة
…
55
ثالثاً- نجاسة الدم
…
62
رابعاً- ما يُظنُّ أنه نجس
…
63
الفصل الثالث
أحكام النجاسة
…
68
تمهيد
…
68
حكم الانتفاع بالنجس
…
69
هل يجب العدد في إزالة النجاسة؟
…
72
المواطن الثلاثة التي ورد فيها عدد
…
72
ما يُستعمل في إِزالة النجس
…
75
تطهير المتنجِّس
…
78
الاستحالة
…
79
الفصل الرابع
أحكام وآداب قضاء الحاجة
…
83
أحكام وآداب قضاء الحاجة في الخلاء
…
83
أحكام وآداب قضاء الحاجة في البيوت والعمران
…
87
الفصل الخامس
سُنن الفطرة
…
89
السواك
…
89
قصُّ الشارب
…
91
إعفاء اللحية
…
93
نتف الإبط
…
99
قصُّ الأظفار
…
100
غسل البراجم
…
100
حلق العانة
…
101
الختان
…
101
الفصل السادس
السنن الملحقة بالفطرة
…
105
أحكام الشَّعَر
…
105
1) إكرام الشَّعَر
…
105
2) نتف الشَّعَر الأبيض
…
107
3) صبغ الشَّعَر الأبيض
…
107
4) وصل الشَّعَر
…
109
5) نفش الشَّعَر
…
111
6) فرق الشَّعَر
…
111
7) حكم الاكتحال والتَّطيُّب
…
111
الفصل السابع
الأغسال المستحبَّة بالنصوص
…
115
غُسل يوم الجمعة
…
116
غُسل الإِحرام ودخول مكة
…
120
غُسل من أُغمي عليه
…
120
غُسل من غسَّل ميتاً
…
121
الفصل الثامن
الغُسل
…
123
صفة الغُسل
…
123
الغُسل المُجزْيء
…
124
الغُسل الأكمل
…
125
تفصيلات تتعلق بالغُسل
…
125
الفصل التاسع
موجبات الغُسل
…
132
أولاً: الجنابة
…
132
أحكام الجنب
…
134
ثانياً: إسلام الكافر
…
145
ثالثاً: الموت
…
147
رابعاً: الحيض
…
149
أحكام الحائض
…
150
الأمور الثلاثة التي تختلف فيها الحائض عن الجُنُب
…
152
دم الحيض ومدَّته
…
157
المستحاضة وأحكامها
…
160