الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالساعة التي يُستجاب فيها الدعاء واقعة في آخر نهار يوم الجمعة، لأن هذه الساعة هي ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة. أما الحديث الذي رُوي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بلفظ «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة» رواه مسلم وأبو داود والبيهقي. فقد أعلَّه الدارقطني بالانقطاع بين مخرمة راوي الحديث وبين أبيه، ووافقه الحافظ ابن حجر قائلاً (وجود التصريح من مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كافٍ في دعوى الانقطاع) . وقال أحمد نقلاً عن حمَّاد بن خالد: مخرمة بن بكير رواه عن أبيه بكير بن عبد الله بن الأشجِّ وهو لم يسمع من أبيه. وأضاف: إن حمَّاد بن خالد سمعه من مخرمة نفسه. ثم إن الحافظ العراقي قد رمى هذا الحديث بالاضطراب، فالحديث وإن ورد في صحيح مسلم إلا أنه لا يُحتجُّ به.
وفي يوم الجمعة يُندب الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الصلاة عليه تعرض عليه في هذا اليوم فيُسَرُّ بها، فعن أوس بن أبي أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم وفيه قُبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ، فقالوا: يا رسول الله وكيف تُعرض عليك صلاتُنا وقد أَرِمْتَ؟ ـ يعني وقد بَلِيتَ ـ قال: إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله عليهم» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي وابن ماجة وابن حِبَّان.
الفصل العاشر
صلاة أهل الأعذار
[الخائف والمسافر والمريض]
1) صلاة الخوف
إذا خاف المسلمون عدوَّهم شُرع لهم أداء صلاتهم مقصورةً بأشكال وكيفيات عدة أوصلها بعض الأئمة إلى سبعة أشكال، وأوصلها بعضهم الآخر إلى سبعة عشر شكلاً، والدليل على مشروعية هذه الصلاة قولُه تعالى {وَإذَا ضَرَبْتُمْ في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوْا مِن الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الذِيْنَ كَفَرُوْا إنَّ الكَافِرِيْنَ كَانُوْا لَكُمْ عَدُوَّاً مُبِيْنَاً} الآية 101 من سورة النساء.
أما قصر صلاة الخوف فعامٌّ يشمل إنقاص عدد ركعات الصلاة، فتُصلَّى الرباعية ركعتين، كما تُصلى ركعةً واحدة، وكذلك الصلاة الثنائية صلاة الصبح، كما يشمل إنقاص حدودها وركوعها وسجودها وهيئاتها، فتُصلَّى إيماءً بلا ركوع ولا سجود ولا وقوف ولا توجُّهٍ نحو القِبلة، أي تُصلَّى كيفما اتفق، والحالة الأخيرة تكون عند اشتداد الخوف وعند الالتحام في القتال، وكل هذه الإنقاصات تدخل تحت قوله تعالى {أَنْ تَقْصُرُوْا مِن الصَّلاةِ} . فالقصر الوارد في الآية الكريمة يعني مطلق الإنقاص وليس هو القصر الوارد في السفر الخاص بإنقاص الركعات الأربع إلى ركعتين فحسب، والدليل على هذا الفهم آت من جهة القرآن ومن جهة الحديث.
أما القرآن الكريم فيقول بعد الآية المذكورة أعلاه {وَإذَا كُنْتَ فِيْهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُم الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوْا أَسْلِحَتَهُمْ فَإذَا سَجَدُوْا فَلْيَكُوْنُوْا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىْ لم يُصَلُّوْا فَلْيُصَلُّوْا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوْا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الذِيْنَ كَفَرُوْا لَوْ تَغْفُلُوْنَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيْلُوْنَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذَىً مِن مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىْ أَنْ تَضَعُوْا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوْا حِذْرَكُمْ إنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِيْنَ عَذَاباً مُهِيْنَاً. فَإذَا قَضَيْتُم الصَّلاةَ فاَذْكُرُوْا اللهَ قِيَامَاً وَقُعُوْدَاً وَعَلَىْ جُنُوْبِكُمْ فَإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيْمُوْا الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَىْ المُؤْمِنِيْنَ كِتَابَاً مَوْقُوْتَاً} الآيتان 102، 103 من سورة النساء. فقد قال سبحانه وتعالى {فَأَقَمْتَ لَهُم الصَّلاةَ} ، وذكر بعده شكلاً من أشكال قصر الصلاة، أي أنه سبحانه وصف صلاة الخائف المقصورة بأنها إقامةٌ للصلاة، بمعنى أن من صلى صلاة الخوف المقصورة إلى ركعتين اعتُبِرَ مقيماً للصلاة، ثم قال في الآية التي تليها {فَإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيْمُوْا الصَّلاةَ} مع بقاء حالة القصر، ما يعني أن الصلاة بغير الاطمئنان لا تُعتبر إقامة لها. وبمعنى آخر فإن أداء الصلاة عند الاطمئنان يوصف بأنه إقامةٌ لها، ومفهومه أن أداء الصلاة في غير حالة الاطمئنان لا يعتبر إقامةً لها، فإذا علمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أُمر أن يصلي صلاة الخوف المقصورة بالمؤمنين خوطِبَ بقوله تعالى {فَأَقَمْتَ لَهُم الصَّلاةَ} أدركنا أن صلاة الخوف المقصورة إلى ركعتين هي إقامةٌ للصلاة، فلم يبق
من دلالة قوله تعالى {فَإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيْمُوْا الصَّلاةَ} إلا أنَّ أداءَ الصلاة عند عدم الاطمئنان لا يطلق عليه لفظ إقامة الصلاة، فلم يبق إلا أن يكون أداؤها عند عدم الاطمئنان بإنقاص لا توصف الصلاة معه بأنها مُقامة، وهي إشارة إلى أداء هذه الصلاة بإنقاصٍ آخر غير إنقاصِ عدد الركعات إلى ثنتين، وهو الإيماء أو الاقتصار على ركعة واحدة فحسب.
وأما الحديث فقد ورد منه ما يلي:
أ- عن ابن عباس رضي الله عنه «أنَّ الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم على المقيم أربعاً، وعلى المسافر ركعتين، وعلى الخائف ركعة» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنَّسائي والبيهقي.
ب - عن ابن عباس رضي الله عنه قال «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذي قَرَد - أرضٍ من أرض بني سُليم - فصفَّ الناس خلفه صفَّين، صف موازي العدو وصف خلفه، فصلى بالصف الذي يليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصافِّ هؤلاء وهؤلاء إلى مصافِّ هؤلاء، فصلى بهم ركعة أخرى - زاد في رواية - فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ولكل طائفة ركعة» رواه أحمد والنَّسائي والبيهقي والحاكم وابن حِبَّان. وروى أحمد والنَّسائي والبيهقي والطحاوي عن جابر مثله. وروى أحمد وأبو داود والنَّسائي والبيهقي والحاكم عن حذيفة مثله.
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضَجْنانَ وعُسْفانَ، فقال المشركون: إن لهم صلاةً هي أحبُّ إليهم من آبائهم وأبنائهم وهي العصر، فأَجْمِعوا أمرَكم فميلوا عليهم ميلةً واحدة، وإن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يقسم أصحابه شطرين، فيصلي ببعضهم، وتقوم الطائفة الأخرى وراءهم ولْيأخذوا حِذْرَهم وأسلحتهم، ثم تأتي الأخرى فيصلون معه، ويأخذ هؤلاء حِذْرَهم وأسلحتهم، لتكون لهم ركعة ركعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان» رواه أحمد والنَّسائي والترمذي. وضَجْنان وعُسْفان هما موضعان بين مكة والمدينة. فهذه الأحاديث تدل على أن الصلاة عند الخوف تُخَفَّض أي تنقص إلى ركعة واحدة فقط، وأيضاً:
أ- روى البخاري ومالك وابن ماجة حديثاً طويلاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وجاء في آخره قول ابن عمر «فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين، فإذا كان خوفٌ هو أشد من ذلك صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم أو ركباناً، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها» . ورواه مسلم وجاء فيه «فإذا كان خوفٌ أكثر من ذلك فصلِّ راكباً أو قائماً تُومئ إيماءً» .
ب- عن عبد الله بن أنيس قال «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عُرَنة وعرفات، فقال: اذهب فاقتلْه، قال: فرأيته وحضرتْ صلاةُ العصر فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما إنْ أُؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أُصلي أومئ إيماءً نحوَه، فلما دنوت منه قال لي: مَن أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوتُه بسيفي حتى برد» رواه أبو داود. ورواه أحمد والبيهقي مطوَّلاً، وجاء في رواية أحمد «فصليت وأنا أمشي نحوه أُومئ برأسي الركوع والسجود» .
ج- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال لسعيد بن العاص وهو يشرح له كيفية صلاة الخوف «وتأمر أصحابك إنْ هاجهم هَيْجٌ من العدو فقد حلَّ لهم القتال والكلام» رواه أحمد وهذا طرف منه. ورواه أبو داود والنَّسائي والبيهقي والحاكم. فهذه النصوص الثلاثة وإن وردت على ألسنة صحابة فإنه يبعد أن تكون من عند أنفسهم، وكلها تفيد أن صلاة الخوف تكون إيماءً، أو يتخللها القتال والكلام، ما يعني أن الصلاة هنا غير مقامة على هيئتها المعروفة. فالقصر الوارد في قوله سبحانه {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوْا مِن الصَّلاةِ} عام في القصر إلى ركعتين، وفي القصر إلى ركعة، وفي القصر إلى الإيماء.
قلت في بدء البحث إنَّ لصلاة الخوف أشكالاً وكيفيات عدة، وأقول هنا إنَّ أبرز هذه الأشكال ما يلي:
1.
الصلاة ركعة واحدة:
يُصلي الإمام بطائفةٍ ركعةً واحدة، ثم يَثْبُتُ قائماً ويتركهم خلفه يسلِّمون وينصرفون، فتأتي الطائفة الثانية فيصطُّفون خلفه، فيصلي بهم ركعته الثانية وركعتَهم الوحيدة ويسلم ويسلمون، ولا تُؤدِّي أيٌّ من هاتين الطائفتين ركعةً أخرى، بل تصلي كل طائفة ركعة واحدة فحسب، بينما يصلي الإمام ركعتين اثنتين، والأدلة على هذا الشكل الأحاديث الثلاثة المارة قبل قليل: عن ابن عباس حديثان وعن أبي هريرة حديث واحد.
2.
الصلاة ركعتان اثنتان:
أ- يصلي الإمام بطائفة ركعةً واحدة ويَثْبُتُ قائماً، وينتظر حتى يُتِمُّوا لأنفسهم ركعتهم الثانية وينصرفوا، وتأتي الطائفة الثانية فيصطفُّون خلفه فيصلي بهم ركعته الثانية، ويصلون هم معه ركعتهم الأولى، ثم يثبت الإمام جالساً، وينتظرهم حتى يُتمُّوا لأنفسهم الركعة الثانية، ثم يسلم ويسلمون، والدليل على هذا الشكل ما رواه صالح بن خوَّات عمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرِّقاع صلى صلاة الخوف «أن طائفة صفَّت معه وطائفة وُجَاهَ العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، فصفُّوا وُجَاهَ العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتمُّوا لأنفسهم، ثم سلم بهم» رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك وأبو داود.
ب - أو يصلي الإمام بطائفة ركعتين اثنتين يُتِمُّونهما معه وينصرفون ويثبت، ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم الإمام ركعتين اثنتين يتمونهما معه ويسلم ويسلمون، والدليل على هذا الشكل ما رُوي عن جابر رضي الله عنه قال «أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرِّقاع قال
…
قال فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والطحاوي والبيهقي.