الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورب قائل يقول إن وجوب الطهارة للصلاة مسلَّم به ولكن ذلك لا يعني أن الطهارة شرطٌ لصحة الصلاة، كالأمر بالتَّوجُّه نحو القِبلة، فإنه وإن كان من واجبات الصلاة إلا أنه لا يوجد دليلٌ يدل على أنه شرط لصحة الصلاة فهذا كذاك. فنقول لهؤلاء: نعم إن مجرد الوجوب لا يعني أنه شرط، فالواجب إن لم يُقَمْ به فإن صاحبه يأثم وتبقى الصلاة صحيحة، في حين أن شرط صحة الصلاة إن لم يُقَمْ به فإن الصلاة تكون باطلة غير مقبولة، ونقول إن الطهارة شرط صحة وليست واجبة فحسب، وذلك لأن الشرع اعتبر الصلاة بدون الطهارة غير مقبولة، وهذا يعني أن الطهارة شرطُ صحةٍ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يقبل الله صلاةَ مَن أحدث حتى يتوضأ» رواه البخاري وأحمد. ورواه مسلم بلفظ «لا تُقبل صلاةُ أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» . فهذا نصٌّ يفيد أن الوضوء شرط لصحة الصلاة وقبولها، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تُقبل صلاةٌ بغير طهور، ولا صدقةٌ مِن غُلُول» رواه مسلم والبخاري والترمذي والدارمي وأحمد. وهذا نص يفيد أن الطُهُّور - عموم الطُهُّور - شرطٌ لصحة الصلاة وقبولها، يدخل فيه الوضوء ورفع الحدث الأكبر، أي الغسل من الجنابة. فالتطهُّر بالوضوء والتطهُّر بالغسل من الجنابة كلاهما شرط لصحة الصلاة، وكما قلت في أول البحث، فإن هذا الأمر معلوم من الدين بالضرورة.
سَترُ العَورة
سَتر العورة شرط لصحة الصلاة وقبولها، فالله عز وجل لا يقبل من مسلم صلاة يصليها وهو كاشف عورته، يستوي في ذلك الذكور والإناث، سواء كانت الصلاة أمام الناس أو في خلوة، فينبغي للمصلي أن يستر عورته في الصلاة، قال تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوْا زِيْنَتكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
…
} الآية 31 من سورة الأعراف. وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنه سبب نزول هذه الآية فقال «كانت المرأة إذا طافت بالبيت تُخرج صدرَها وما هناك فأنزل الله تعالى خُذوا زينتَكم عند كل مسجد» رواه البيهقي. فالزينة المطلوبة في هذه الآية هي اللباس وستر العورة، وروى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا صلَّى أحدُكم فَلْيَتَّزِرْ ولْيَرتدِ» رواه ابن حِبَّان وأحمد والبيهقي والطحاوي. وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار» رواه ابن ماجة وأحمد وأبو داود وابن حِبَّان. وروى محمد بن سيرين «أن عائشة رضي الله عنها نزلت على صفية أُم طلحة الطلحات، فرأت بنات لها يصلين بغير خِمْرةٍ قد حِضْن، قال فقالت عائشة: لا تُصَلِّيَنَّ جاريةٌ منهن إلا في خمار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليَّ وكانت في حجري جارية، فألقى عليَّ حَقْوه فقال: شُقِّيه بين هذه وبين الفتاة التي في حجر أُم سلمة، فإني لا أراها إلا قد حاضت أو لا أراهما إلا قد حاضتا» رواه أحمد. قوله يُصلين بغير خِمرة: أي يُصلين بغير أغطية الرؤوس. والحَقْو: هو موضع الإزار وهو هنا الإزار نفسه. وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله من امرأةٍ صلاةً حتى تُواري زينتها، ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر» رواه الطبراني. وعن أُم سلمة رضي الله عنها «أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخِمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع
سابغاً يُغطي ظهور قدميها» رواه أبو داود والحاكم.
بيَّنت هذه النصوص أن على المرأة عند الصلاة أن تستر جميع بدنها من رأسها حتى قدميها بدلالة (الخمار) في حديث ابن ماجة وحديث أحمد، و (حتى تختمر) في حديث الطبراني، وبدلالة (ظهور قدميها) في حديث أبي داود والحاكم. ولا يُستثنى مِن ستر بدنها سوى الوجه والكفين فحسب لقوله تعالى {وَلا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الآية 31 من سورة النور، فقوله تعالى {إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هو استثناء فسَّره ابن عباس وعائشة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم بالوجه والكفين.
ويشترط لستر العورة أن تكون الثياب سميكة تخفي لون البشرة تحتها فلا تُجزئ الثياب الرقيقة الشفافة، فعن أُسامة بن زيد رضي الله عنه قال «
…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك لم تلبس القُبْطِية؟ قلت: كسوتها امرأتي، فقال: مُرْها فلْتجعل تحتها غلالةً، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها» رواه أحمد. والقُبطية كساء رقيق يُنسب إلى أقباط مصر.
أما عورة الرجال فما بين السرة إلى الركبتين، وليست السُّرة ولا الركبتان من العورة، ولكن الأحوط ستر السرة، وذلك لأنها لصغرها لا يكاد المرء يستطيع وهو ينظر اليها أن يَصرف نظره عما تحتها فيقع في الحرام، فعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل من السرة من العورة» رواه الدارقطني. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وإذا زوَّج أحدُكم عبدَه أمتَه أو أجيرَه فلا تنظر الأمة إلى شئ من عورته، فإن ما تحت السُّرة إلى ركبته من العورة» رواه البيهقي.
أما الفخذان فهما من العورة لما روى محمد بن جحش قال «مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه على مَعْمَر وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا مَعْمَر غطِّ فخذيك فإن الفخذين عورة» رواه أحمد والحاكم. وعن جَرْهَد «أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصره وقد انكشف فخذُه في المسجد وعليه بُردة فقال: إن الفخد من العورة» رواه الحاكم وصححه. ورواه الترمذي وحسَّنه. وروى أحمد الحديث بألفاظ قريبة. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الفخذ عورة» رواه الترمذي والبيهقي. وذكره البخاري تعليقاً - أي بدون سند -.