الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويسن له أن يدنو من سُترته فلا يُقصيها عنه أكثر من حاجته إلى السجود، لأن العبرة باتخاذ السُّترة هي التمكن من الصلاة في الموضع المحدد، فلا حاجة به لجعل الموضع واسعاً بحيث يتعدى مقدار الحاجة، فعن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا صلى أحدكم إلى سُترة فلْيَدْنُ منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته» رواه النَّسائي وابن حِبَّان. ورواه الحاكم وابن خُزَيمة بلفظ «إذا صلى أحدكم فلْيُصلِّ إلى سُترة وليدنُ منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته» . والشيطان هنا كلُّ من يمرُّ بين يدي المصلي من إنسان أو حيوان في موضع صلاته، وسيأتي مزيد بيان بعد قليل.
والاعتدال في المسافة أن لا يزيد بُعدُ السُّترة عن موضع قدميه عن ثلاثة أذرع أو مترين اثنين، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال «
…
ثم صلى - أي النبي صلى الله عليه وسلم - وجعل بينه وبين الجدار نحواً من ثلاثة أذرع» رواه النَّسائي. ورواه أحمد بلفظ «ثم صلَّى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع» . ولو أنه جعل المسافة إلى النصف من ذلك لأصاب السنَّة أيضاً، فعن سهل بن سعد الساعدي قال «كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجِدار ممرُّ الشاة» رواه مسلم والبخاري وابن حِبَّان. فقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الجدار سُترة له، وابتعد عنه مسافة ما تحتاجها الشاة للمرور، وهذه المسافة لا تتعدى المتر الواحد.
سُترةُ الإِمام
إذا صلى جماعةٌ صلاة جماعة واتخذ الإمام سُترة له كانت سُترةً لجميع المؤتمين به لا يلزمهم سواها، فإن حافظ الإمام على موضع صلاته فلم يسمح لإنسان ولا لحيوان أن يمر بينه وبين سُترته فقد كفى الجماعة الفعل، وليس عليهم أن يفعلوا شيئاً بعدئذٍ، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال «هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثَنِيَّةِ أَذاخِر، فحضرت الصلاة - يعني فصلى إلى جدار - فاتخذه قِبلة ونحن خلفه، فجاءت بهيمة تمرُّ بين يديه، فما زال يُدارِئُها حتى لصق بطنه بالجدار ومرَّت مِن ورائه، أو كما قال مسدِّد» رواه أبو داود. وعن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فمرت شاة بين يديه، فساعاها إلى القِبلة حتى ألزق بطنه بالقِبلة» رواه ابن خُزَيمة وابن حِبَّان والحاكم بسند صحيح. وثنيَّة أذاخِر: موضع بين مكة والمدينة. وقوله يُدارئُها: أي يدافعها ويحول بينها وبين المرور. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال «جئت أنا والفضل ونحن على أتَانٍ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بعرفة، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا عنها وتركناها ترتع ودخلنا في الصف، فلم يقُل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً» رواه أحمد والبخاري. والأتان: هي أُنثى الحمير.
دلَّ الحديث الأول والحديث الثاني على أن دفع الإمام للمارِّ بين يديه واجب عليه عند اتخاذ السُّترة، ودل الحديث الثالث على أنه لا يضير المأمومين مرورُ الإنسان أو الحيوان بين أيديهم، وأنَّ دفع المارَّةِ من أمامهم ليس واجباً عليهم، ففي هذا الحديث «فمررنا على بعض الصف» ما يدل على ما ذهبنا إليه.