الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما اتخاذ موطنٍ واحدٍ في المسجد دون غيره للصلاة فيه فمكروه، وذلك لِما رُوي عن عبد الرحمن بن شبل أنه قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُوَطِّن الرجل المكان يصلي فيه كما يوطِّن البعير» رواه ابن أبي شيبة. ورواه أحمد وابن ماجة بلفظ «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى في الصلاة عن ثلاث: نَقْر الغراب، وافتراش السَّبُع، وأن يوطِّن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير» . قوله نَقْر الغراب: هو كناية عن تخفيف السجود والإسراع فيه. ومعنى قوله فرشة السبُع في رواية ابن ماجة وافتراش السبُع في رواية أحمد: هو أن يبسُطَ المصلي ذراعيه على الأرض في السجود ولا يرفعهما كفعل الكلب والذئب. ومعنى أن يوطِّن الرجل المقام الواحد: هو أن يتخذ من المسجد مكاناً معيناً يصلي فيه دون غيره، كما يفعل البعير، لا يبرك إلا في مبركٍ واحد لا يغيِّره.
ومما يدل على أن النهي للكراهة دون التحريم هو ما رُوي عن سلمة بن الأكوع «أنه كان يأتي إلى سُبحة الضحى، فيعمد إلى الاسطوانة دون المصحف فيصلي قريباً منها، فأقول له ـ الراوي عنه ـ: أَلَا تصلي ها هنا؟ وأشير إلى بعض نواحي المسجد، فيقول: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرَّى هذا المقام» رواه ابن ماجة. فكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحرى مكاناً يصلي فيه يصرف النهي عن التوطين إلى الكراهة.
حُرمةُ اتخاذ القبور مساجد
قلنا في بحث [المواضع التي لا تجوز الصلاة فيها] إن المقبرة لا تجوز فيها الصلاة، ونريد هنا أن نفصِّل القول في هذا الموضوع الخطير الذي تجاوز فيه كثير من المسلمين كل حدٍّ، فبَنَوْا مساجد على القبور، وصاروا يتوسَّلون إلى الله بأصحابها في أدعيتهم، ويقيمون حولها الطقوس الوثنية فنقول:
هنالك فارق بين من يصلي في مقبرة، وبين مَن يصلي في مكان فيه قبر أو عدة قبور من أجل هذا القبر أو القبور ظناً منه أن الصلاة هناك أفضل وأعظم بركة وأَدعَى للقبول والاستجابة، ذلك أن الصلاة في المقبرة حرام - ونعني بالمقبرة الأرض المخصصة لدفن الموتى، وأما الأرض التي دفن فيها ميت أو اثنان وبقيت مستعملة في غير شأن الدفن من زراعة وبناء وعمران فهي ليست مقبرة، وبالتالي فإن الصلاة تصح فيها ولا تحرم، فالمكان المخصص لدفن الموتى ودُفن فيه أموات بالفعل هو المقبرة بغض النظر عن كثرة القبور فيها أو قلَّتِها - نعم إن الصلاة في المقبرة حرام، بغض النظر عن كون المصلي يصلي فوق القبر أو في بقعة من المقبرة لا قبور فيها ما دامت مقبرة وتحمل اسم المقبرة.
أما الصلاة على القبر لذات القبر رجاء نوال بركته أو اتخاذه مسجداً فالحرمة أعظم والذنب أكبر، فعن جُندُب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمسٍ وهو يقول «
…
إنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتَّخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها وعبد الله بن عباس رضي الله عنه قالا «لما نزلت برسول الله صلى الله عليه وسلم، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتمَّ كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنةُ الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يُحذِّر مثل ما صنعوا» رواه مسلم. ورواه أحمد بمعناه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه مسلم والبخاري. وفي رواية أخرى لمسلم والبخاري من طريق أبي هريرة «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه ابن حِبَّان وأحمد والنسائي. وعن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، اشتدَّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه مالك بسند سقط منه اسم الصحابي، وسقوط اسم الصحابي لا يضرُّ لأنهم كلَّهم عدول. وعن عبد الله - بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن مِن شرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أحياء، ومَن يتخذ القبور مساجد» رواه ابن خُزَيمة وأحمد وابن حِبَّان. فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، أي أماكن للصلاة، وذم من يفعل ذلك، وقال [لعنة الله] ، [قاتل الله][لعن الله] ، [اشتد غضبُ الله] ، [إن من شرار الناس] ، وهذه أبلغ صيغٍ ممكنة في النهي