الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُندب للمصلي إذا فرغ من صلاته المكتوبة وأراد الإتيان بسُنَن الصلاة في الظهر والمغرب والعشاء، أو التَّنفُّل بما شاء من نوافل أن لا يصلي هذه الصلوات المندوبة في مصلاه الذي أدى فيه الصلاة المكتوبة، بل يتقدَّم قليلاً أو يتأخَّر قليلاً، أو يبتعد يمنة أو يبتعد يَسرة، لما رُوي عن عبد الرحمن بن سابط أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا صلى أحدكم المكتوبة، فأراد أن يتطوع بشئ فلْيتقدَّم قليلاً أو يتأخر قليلاً، أو عن يمينه أو عن يساره» رواه عبد الرزاق. وإذا أراد أن يؤدِّي هذه الصلوات في مصلاه الذي صلى فيه صلاته المكتوبة فلْيخرج من مصلاه، ثم بعد خروجه منه يعود إليه، أو يتكلم مع غيره قبل أن يستأنف الصلاة، يفصل بذلك بين الصلاة المكتوبة وصلاة التطوع، فعن السائب بن يزيد قال «صليت مع معاوية الجمعة في المقصورة، فلما سلَّم قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إليَّ فقال: لا تَعُدْ لِما فعلتَ، إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، لا تُوصَل صلاةٌ بصلاةٍ حتى تخرج أو تتكلم» رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن خُزَيمة.
ثانياً ــ ما يُقالُ عَقِبَ الصلاة من أذكار
للذِّكْر عدة معانٍ، فقد يطلق على القرآن الكريم كما في قوله عز وجل {ذَلِكَ نَتْلُوْهُ عَلَيْكَ مِن الآيَاتِ والذِّكْرِ الحَكِيْمِ} الآية 58 من سورة آل عمران. وكما في قوله سبحانه وتعالى {إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ} الآية 9 من سورة الحِجْر. وقد يُطلق على كتب الأنبياء السابقين كقوله تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُوْرِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُوْنَ} الآية 105 من سورة الأنبياء. والذكر هنا يعني التوراة. وكقوله عز وجل {ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلا رِجَالاً نُوْحِيْ إلَيْهِمْ فَاسْأَلُوْا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُوْنَ} الآية 43 من سورة النحل. وقد يطلق على معنى الشرف والرفعة كما في قوله سبحانه {وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وسَوْفَ تُسْأَلُوْنَ} الآية 44 من سورة الزخرف. وقد يطلق ويراد منه الصلاة كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوْا إذَا نُوْدِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللهِ وذَرُوْا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ} الآية 9 من سورة الجمعة. وقد يطلق ويُراد منه الدين كما في قوله عز وجل {ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيْشَةً ضَنْكَاً
…
} الآية 124 من سورة طه.
أما أصلُ الذِّكر فمعناه الاستحضار، فذِكرُ الشئ استحضارُه، ويكون الاستحضار في الذهن، ويكون بالجريان على اللسان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله عز وجل: أنا عند ظنِّ عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ هم خيرٌ منهم
…
» رواه مسلم وأحمد. وهذا المعنى للذكر هو الشائع وهو الأكثر، وقد ورد في كتاب الله كثيراً، قال عز وجل {
…
إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَىْ عَن الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ ولَذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ} الآية 45 من سورة العنكبوت. وقال سبحانه {
…
وإذَا قَامُوْا إلى الصَّلاةِ قَامُوْا كُسَالَى يُرَاؤُوْنَ النَّاسَ ولا يَذْكُرُوْنَ الله إلا قَلِيْلاً} الآية 142 من سورة النساء. وقال تعالى {فإذَا قَضَيْتُم الصَّلاةَ فَاذْكُرُوْا اللهَ قِيَامَاً وقُعُوْدَاً وعَلَىْ جُنُوْبِكُمْ
…
} الآية 103 من سورة النساء. وكثيرٌ غيرها، وهذا المعنى الأخير للذِّكر - الاستحضار - والمعنى الأول له - القرآن الكريم - هما المقصودان من هذا البحث، وهما اللذان يُراد الإتيان بهما عقب الصلاة.
لقد حث كتاب الله على ذكر الله، وعلى الإكثار منه في الكثير من آياته، قال تعالى {فَإذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوْا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرَاً
…
} الآية 200 من سورة البقرة. وقال تعالى {
…
وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيْرَاً وَسَبِّحْ بِالعَشِيِّ والإبْكَارِ} الآية 41 من سورة آل عمران. وقال سبحانه {إلا الذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوْا اللهَ كَثِيْرَاً
…
} الآية 227 من سورة الشعراء. وقال سبحانه {كَيْ نَسَبِّحَكَ كَثِيْرَاً. وَنَذْكُرَكَ كَثِيْرَاً} الآيتان 33 و 34 من سورة طه. وقال عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةُ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوْ اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيْرَاً} الآية 21 من سورة الأحزاب. وقال عز وجل {.. والذَّاكِرِيْنَ اللهَ كَثِيْرَاً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وأَجْرَاً عَظِيْمَاً} الآية 35 من سورة الأحزاب. وقال جل جلاله {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوْا اذْكُرُوْا اللهَ ذِكْرَاً كَثِيْرَاً} الآية 41 من سورة الأحزاب. وقال جل جلاله {فَإذَا قُضِيَت الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوْا في الأَرْضِ وَابْتَغُوْا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوْا اللهَ كَثِيْرَاً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ} الآية 10 من سورة الجمعة.