الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا اشتد الخوف واستبدَّ بالناس الذعرُ من الأعداء، ولم يعد يسهل عليهم إقامة صلاة الخوف بأية كيفية من الكيفيات المشروعة ذات القيام والقعود والركوع والسجود، جاز لهم إتيانُ الصلاة إيماءً بحيث يكون السجود أخفض من الركوع، وجازت لهم الصلاة وهم ماشون، وهم راكبون، كما جازت لهم دون أن يستقبلوا القِبلة، فيؤدون الصلاة إيماءً وكيفما اتفق، يصليها هكذا الهاربُ من عدوه، راكباً السيارة أو الطائرة أو الدابة أو السفينة، كما يصليها إيماءً الملتصقُ بحجر أو صخرة أو جدار في حالة اختباء من العدو. فهذه الحالات وأمثالها لا يحتاج فيها المصلي إلى أكثر من القراءة والذكر والإيماء فحسب، ولْيُصلِّ إلى أي اتجاه، ولا عليه عند ذلك، وصلاته صحيحة مقبولة. وقد مرت النصوص الثلاثة الدالَّةُ على ذلك المرويةُ عن حذيفة وعبد الله بن أنيس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين.
2) صلاة المسافر
الأصل في صلاة المسافر القصر، أي ركعتان للظهر وللعصر وللعشاء، وتبقى صلاتا الصبح والمغرب على حالهما دون تغيير، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت «كان أول ما افتُرِض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةُ ركعتان ركعتان إلا المغرب فإنها كانت ثلاثاً، ثم أتمَّ الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً في الحضر، وأقرَّ الصلاة على فرضها الأول في السفر» رواه أحمد وابن حِبَّان وابن خُزَيمة والبيهقي. وعن عمر رضي الله عنه قال «صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، تمامٌ غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد خاب من افترى» رواه ابن خُزَيمة وأحمد والنَّسائي وابن ماجة والبيهقي. وقد مرَّ في بحث [صفة صلاة العيدين] فصل [صلوات مفروضة عدا الصلوات الخمس] .
والصلاةُ قصراً ينال صاحبها ثواب الصلاة الرباعية، لذا فلا داعي لأدائها في السفر أربع ركعات، لا سيما وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم - وهم أحرص الناس على الثواب - كانوا يقصرون دوماً في السفر، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال «
…
إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله
…
» رواه مسلم والبخاري وأحمد.
والقصر في السفر رخصة لا فرق بين السفر الآمن والسفر المَخُوف، فعن يعلى بن أمية قال «قلت لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جُناح أن تَقْصُروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، فقد أمِن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» رواه مسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجة. وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنَى آمَنَ ما كان الناس وأكثره ركعتين» رواه مسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجة. وفي رواية أخرى لمسلم من طريق حارثة رضي الله عنه بلفظ «صليتُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى ركعتين في حجة الوداع» .
وما دامت الصلاة المقصورة رخصة فإن ترك الصلاة المقصورة والإتيان بالصلاة الرباعية جائز لا حُرمةَ فيه، فقوله تعالى {فلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوْا مِن الصَّلاةِ} جزء من الآية 101 من سورة النساء. وقوله عليه الصلاة والسلام «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» ، يدل كلاهما على أن القصر رخصة وليس عزيمة. وأيضاً قد رُويت أحاديثُ كثيرة تذكر أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلوا صلاة رباعية في بعض أسفارهم أذكر منها ما يلي:
أ- عن عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة رضي الله عنها «أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله بأبي أنت وأُمي قصرتُ وأتممتُ وأفطرتُ وصمتُ قال: أحسنتِ يا عائشة، وما عاب عليَّ» رواه النَّسائي والبيهقي.
ب - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها «أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليتِ ركعتين فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشقُّ عليَّ» رواه البيهقي بسند صحيح، ورواه عبد الرزاق بلفظ «أنها كانت تُتِمُّ في السفر» .
ج - عن ابن عمر رضي الله عنه قال «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعدُ أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين» رواه مسلم، ورواه البخاري بلفظ قريب.