الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أدرك ركعة من أية صلاة مفروضة قبل خروج وقتها فقد أدرك الصَّلاة، ويُتمُّها في وقت الصلاة التي تليها، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» رواه مسلم. ورواه البخاري بلفظ «إذا أدرك أحدُكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فلْيُتمَّ صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فلْيُتمَّ صلاته» وليس هذا خاصاً بصلاتي الصبح والعصر فحسب، وإنما هو حكم عام في كل صلاة مكتوبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» رواه البخاري. ورواه أحمد بلفظ «.. فقد أدركها كلها» . ولا يعني هذا أنه يجوز للمسلم تأخير صلاته حتى يضيق وقتها إلى هذا الحد، فإنه إن فعل ذلك اعتُبر مُفَرِّطاً ولحقه إثم، ويكون قد تشبَّه في صلاته بالمنافقين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنَي الشيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله إلا قليلاً» رواه مسلم.
وتُدرك الركعة بإدراك ركوعها، فإنْ فاته الركوع فقد فاتته الركعة ووجب عليه عدم اعتدادها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سُجود فاسجدوا ولا تعدَّوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» رواه الحاكم وصححه. ورواه الدارقطني. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «مَن فاته الركوع فلا يعتد بالسجود» رواه عبد الرزاق.
مواقيت الصلاة في الدائرة القطبية
الدائرة القطبية هي دائرة وهمية تحيط بالقطب الشمالي تشكّل حدّاً فاصلاً بين البلدان التي يتشكل الليل والنهار فيها كل أربع وعشرين ساعة، وبين البلدان التي يمتد فيها النهار وحده أكثر من أربع وعشرين ساعة والليل وحده أكثر من أربع وعشرين ساعة تزاد كلما اتجهنا نحو الشمال حتى يغدو نهار القطب وحده ستة أشهر وليلة ستة أشهر كاملة. ومن البلدان الواقعة في الدائرة القطبية شمال فنلنده وشمال النرويج وشمال السويد في شبه الجزيرة الاسكندنافية وأصقاع سيبيريا الشمالية في روسيا، ومعظم جزيرة غرينلند والأرخبيل في شمالي كندا وغيرها، فهذه البلدان يزيد النهار فيها عن أربع وعشرين ساعة، والليل كذلك. والسؤال هو: كيف يؤدي المسلمون في تلك البلدان صلاتهم المفروضة، وكيف تُعرف مواقيت الصلاة هناك؟
والجواب على هذا السؤال هو أن الشرع قد عيّن وحدَّد مواقيت الصلاة المفروضة في النهار وفي الليل، وأوجب علينا الالتزام بهذه المواقيت والتقيد التام بها، قال تعالى: {
…
إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} من الآية 103 من سورة النساء، وقد مرّت الأدلة على هذه المواقيت ووجوب التقيد بها في البحث السابق، ولم يرد في الشرع أي استثناء ولا أي نسخ لهذه المواقيت، فتبقى ثابتة كما هي لا تُقدَّم ولا تُؤخَّر دون أي اعتبار لموقع البلد على خريطة الأرض، تبقى ثابتة كما هي، وتلتزم في البلدان الواقعة في النصف الشمالي والبلدان الواقعة في النصف الجنوبي على السواء.
وهذه المواقيت هي أسباب وجود الصلوات المفروضة، بمعنى أن هذه الصلوات لا تُوجد ولا تؤدى إلاّ إذا دخلت مواقيتها، وأن صلاة أُدِّيت في غير ميقاتها تعتبر باطلة غير مقبولة، وهذا هو ما سار عليه المسلمون وعملوا به لا يخالفهم فيه أحد منهم.
وبناء على ذلك نقول إن سكان هذه المناطق من المسلمين ينطبق عليهم ما ينطبق على سائر المسلمين من وجوب مراعاة هذه المواقيت دون أي اعتبار لقصر النهار والليل في بلد أو طولهما، فيصلي سكان تلك المناطق صلاة الغداة في ميقات صلاة الغداة وهو ما بين انشقاق الفجر الصادق وإلى أن تطلع الشمس، ثم ينتظرون ميقات صلاة الظهر، وهو ما بين استواء الشمس في قبة السماء إلى أن يصير ظلّ كل شئ مثله في الطول، ثم ينتظرون ميقات صلاة المغرب ويبدأ منذ غياب قرص الشمس إلى غياب الشفق الأحمر فيبدأ ميقات صلاة العشاء وهكذا، ولا ينبغي ملاحظة أية زيادة في طول الميقات أو قصره، لأن الزيادة هذه تحصل عندنا في الصيف، ويحصل النقص عندنا في الشتاء، ولا ضير في ذلك ولا إشكال.
إن الذي يحصل في تلك البلدان أن الشمس تطلع صباحاً، ثم تتوسط قبة السماء إلى الجنوب قليلاً، ثم إنها إذا أوشكت أن تغرب مالت نحو الشمال فوق الأفق وقامت بإكمال دورتها العادية حتى تعود إلى المشرق دون أن تتوارى في الأفق الغربي أو الشمالي أو الشرقي، ثم تعاود الكرة فتتوسط قبة السماء إلى الجنوب قليلاً، وهكذا تبقى ساطعة في السماء في القسم الجنوبي سطوعاً عادياً يظهر خلاله ميقات الظهر وميقات العصر، ثم بدلاً من أن تغرب فيحلّ ميقات المغرب وبعده ميقات العشاء تقوم بالانحراف نحو الأفق الشمالي فوقه قليلاً دون أن تتوارى إلى أن تكمل دورتها في أربع وعشرين ساعة لا تغيب فيها الشمس وتبقى ساطعة بدورة كاملة كل أربع وعشرين ساعة تتكرر مرتين أو ثلاثاً أو عشر مرات أو مائة مرة تبعاً لصعودنا نحو شمال الأرض في الدائرة القطبية.
وبملاحظة هذه الظاهرة نجد أننا نستطيع أن نصلي صلاة الغداة، في بداية هذه الدورات المتكررة مرة واحدة، ثم نقوم بأداء صلاة الظهر وصلاة العصر في ميقاتهما المعتادين في كل دورة، ولكننا لا نقوم بأداء صلاة المغرب ولا أداء صلاة العشاء لأن ميقاتهما لم يحلاّ، فالشمس تبقى ساطعة عدة دورات ولا تغيب ولا يحصل ليل، وهكذا بتوالي دورات الشمس سواء كانت كثيرة في الشمال أو أقل من ذلك كلما اتجهنا إلى الجنوب ضمن الدائرة القطبية نقوم بأداء صلاة الظهر وصلاة العصر فقط، ولا نصلي المغرب ولا العشاء لأن الليل لم يحلّ، وبالتالي لم يحل ميقاتهما. هذا هو الحكم في تلك البلاد، وهو الحكم نفسه في بلادنا من وجوب التقيد بالمواقيت، فإن حلّ الميقات قمنا بالصلاة، وإن تأخر الميقات أو تقدّم أخرنا الصلاة أو قدمناها تبعاً لذلك، وإن لم يحلّ الميقات خلال يوم أو يومين أو أسبوع أو شهر أو أكثر لصلوات الغداة والمغرب والعشاء فلا صلاة علينا واجبة عندئذٍ، ويمكن لسكان تلك البقاع أن يكثروا من صلاة التطوع لسعة الوقت عندهم، والله سبحانه يهبهم من الثواب ما يهب سكان تلك المناطق.
وقد يسأل أحدهم: لماذا لا نقدر لصلاتنا هناك قدر مواقيت البلدان المجاورة ذات النهار والليل العاديين، أي البالغين معاً أربعاً وعشرين ساعة مراعين حركة الشمس في الجهة الشمالية، فعندما تقترب الشمس من الأفق الغربي وتبدأ بالانحراف عنه قليلاً نصلي المغرب، وبعد ذلك نصلي العشاء، وعندما تقترب الشمس من مكان شروقها المعتاد في الأفق الشرقي نصلي الغداة وهكذا، استدلالاً بالحديث الصحيح الذي رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذاتَ غداة فخفَّض فيه ورفَّع حتى ظنناه في طائفة النخل
…
إلى أن قال عليه الصلاة والسلام
…
يا عباد الله فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله وما لَبْثُه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال؛ لا، اقدروا له قدره
…
» رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد من حديث طويل، فهنا يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدروا لتلك الأيام الطويلة في زمن خروج الدجال قدرها في الأزمنة العادية، فهو دليل صحيح على وجوب التقدير لسكان تلك المناطق، كما هو دليل على وجوب التقدير على من يدركون أيام الدجال؟
وللجواب على هذا السؤال الطويل نقول ما يلي:
1-
أن ما ورد في الأحاديث التي تذكر الدجال من خوارق ليس على حقيقته، وإنما هو تشبيه وتمثيل، ولا أدل على ذلك من ورودها في عدد من الأحاديث على سبيل المجاز، نذكر منها ما يلي:
أ- عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماءٌ أبيض والآخر رأي العين نار، تأجج فإما أدركنّ أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمّض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد» رواه مسلم.
ب- وعنه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الدجال يخرج وان معه ماءً وناراً، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحُرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذاب
…
» رواه مسلم.
جـ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أخبركم عن الدجال حديثاً ما حدّثه نبي قومه، إنه أعور وإنه يجئ معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار
…
» رواه مسلم.
فهذه الأحاديث يُفهم منها بشكل واضح تماماً أن الخوارق التي يأتي بها الدجال كالجنة والنار ليست على الحقيقة، وأنها لا تعدو كونها مجرد مجاز وتمثيل لا غير، وقل مثل ذلك بخصوص حديثنا «يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة
…
» فهذه الأيام ينبغي أن تفهم على المجاز وليس على الحقيقة، وتعني أن تلك الأيام ستكون عصيبة وبالغة الشدة على المسلمين وكأن اليوم الأول منها يضارع سنة كاملة من الشدائد والأهوال، وكأن اليوم الثاني منها يضارع شهراً كاملاً من الشدائد والأهوال، وهكذا يتوجب فهم هذا الحديث وغيره من أحاديث الدجال.
2-
بل إن عندنا حديثاً يخالف حديثنا هذا إن هو أُخذ على الحقيقة، هو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يتقارب الزمان وينقص العمل، ويُلقى الشحُّ، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتلُ القتل» رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث الذي يتحدث عن أيام آخر الزمان ومنها أيام الدجال طبعاً يذكر أن الأيام تمضي متقاربة مسرعة، أي كأنها أقصر من الأيام الاعتيادية وتقل بركة ذلك الزمان، وهذا المعنى إن أُخذ هو الآخر على الحقيقة فإنه يتصادم مع حديثنا «يوم كسنة
…
» فلا يبقى عندنا مندوحة سوى فهم هذه الأحاديث على أنها واردة على سبيل المجاز لا غير.
3-
أن الله سبحانه خلق الكون وسيّره بنواميس وقوانين ثابتة لا تتغير إلاّ أن تقع معجزة لنبي من الأنبياء، وما سوى ذلك فإنه لا يستطيع البشر ومنهم الدّجّال مهما أوتوا من قوى وجبروت أن يغيروا هذه القوانين. إن الله سبحانه قد خلق الشمس وفرض عليها نظاماً ثابتاً، وإنه سبحانه قد خلق الليل والنهار - تبعاً لحركتها الظاهرة، ولسوف يستمر حالها وحال الليل والنهار كما أرادها الله سبحانه إلى أن يرث الأرض وما عليها والسموات وما فيها، فلا الدجال ولا غير الدجال من البشر بمستطيعين أن يُحدثوا تغييراً في هذه النواميس والقوانين، ولن يستطيع الدجال ولا غير الدجال أن يعجِّلوا من سرعة الشمس الظاهرية أو يبطئوا منها، وبالتالي فإن الدجال يستحيل عليه إحداث تغيير في طول الأيام والليالي مهما كان التغيير يسيراً، فكيف وقد ورد في الحديث أن اليوم الأول كسنة!! إنه لأمر يستحيل على البشر فعله قطعاً. وهكذا لا يبقى لنا إلاّ أن نفسّر هذا الحديث على أنه وارد على سبيل المجاز والتمثيل فقط.
4-
إن التصديق حتى يكون عقيدة لا بد من أن يكون جازماً، وإن هذه العقيدة وهذا الطريق الجازم لن يقبل إلاّ إذا ورد في آية قطعية الدلالة أو حديث متواتر قطعي الدلالة.
فالقول إن اليوم الأول في زمن الدجال يبلغ سنة، واليوم الثاني يبلغ شهراً، واليوم الثالث يبلغ جمعة أي أسبوعاً لا نستطيع أن نعتقده ونصدّقه تصديقاً جازماً لأنه ورد في حديث غير متواتر، وهذا على إطلاقه وعمومه، فكيف وقد تصادم هذا التصديق مع نواميس الكون الثابتة، بل لقد تصادم مع حديث آخر مثله في الصحة كما ذكرنا ذلك قبل قليل. وبالتالي فإننا لا نستطيع الاستدلال به على تقدير تلك الأيام بأيامنا نحن.
5-
ونأتي الآن لسند هذا الحديث، ونستميح المسلمين عذراً لأننا لم نقبله رغم وروده في صحيح مسلم، فنجد مداره على الراوي الوليد بن مسلم القرشيّ الدمشقي فهذا الراوي قد انفرد برواية هذا الحديث عند مسلم وأبي داود والترمذي وأحمد، ولم أجده مروياً من غير طريق، وما انفرد بروايته راو واحد لا يستطاع الاطمئنان إليه لا سيما إن جاءنا بعقائد أو مرويات تتضمن خوارق ومعجزات.
وأيضاً فإنني لدى مراجعة كتب تراجم الحديث وجدت أن كثيرين من علماء الحديث قد وثّقوه وعدلوه، ونحن نعترف بذلك ونذكره، ولكنني وجدت في المقابل أقوالاً كثيرة مغايرة نُسبت لعلماء أفذاذ وأئمة أعلام في علم الحديث تجعلنا لا نقبل روايته هذه التي انفرد بها، ورواها مسلم وغيره، ونحن نعلم أن الجرح مقدَّم على التعديل، لا سيما بخصوص حديث تضمّن حصول خوارق ومعجزات لم تنسب لنبي ولا رسول!!
وهذه طائفة من أقوال هؤلاء العلماء:
قال أبو داود: (الوليد روى عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل منها عن نافع أربعة) وقال الذهبي: (إذا قال الوليد عن ابن جريج أو عن الأوزاعي فليس بمعتمد، لأنه يدلّس عن كذابين) . وقال أحمد بن حنبل (كان الوليد رفَّاعاً) أي يذكر الأحاديث دون إسنادٍ كلي أو جزئي. وقال أحمد أيضاً كما روى عنه المروزي (كان الوليد كثير الخطأ) .
وقال مهنا: سألت أحمد عن الوليد فقال (اختلطت عليه أحاديث ما سمع وما لم يسمع، وكانت له منكرات) . وقال الدارقطني (كان الوليد يرسل عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي) وقال علي بن المديني (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الوليد، ثم سمعت من الوليد، وما رأيت من الشاميين مثله، وقد أغرب بأحاديث صحيحة لم يشركه فيها أحد) . وقال ابن سعد (ثقة بعضهم يستنكر حديثه) . وقال أبو مسهر (كان الوليد يأخذ من ابن أبي السَّفَر حديث الأوزاعي، وكان ابن أبي السفر كذاباً) .