الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال «سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام تسع عشرة يصلي ركعتين ركعتين
…
» رواه أحمد والبخاري وابن ماجة. وما رُوي عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال «أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة» رواه أحمد وأبو داود وابن حِبَّان والبيهقي. وأحاديث أخرى مثلها فإن هذه الأحاديث لا تفيد تحديداً زمنياً للقصر في السفر، وإنما تدل على أن هذه الأوقات المذكورة إنما وقعت كحوادث عين، وليست لها دلالة أخرى، فلا تفيد تقييد القصر بهذه الأوقات. وقد فهم ذلك عِدَّةٌ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يتقيدون بزمن محدَّد للقصر في السفر، فالبيهقي روى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال «أريح علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة، قال ابن عمر: وكنا نصلي ركعتين» . وأحمد روى عن ثمامة بن شراحيل قال «خرجت إلى ابن عمر فقلت: ما صلاة المسافر؟ فقال: ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً
…
إلى أن قال ثمامة قال - أي ابن عمر - يا أيها الرجل كنتُ بأذربيجان، لا أدري قال أربعة أشهر أو شهرين، فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين..» . يقصد بقوله رأيتهم يصلونها: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء في مصنف ابن أبي شيبة «أنَّ أبا جمرة، نصر بن عمران، قال لابن عباس إنا نطيل القيام بالغزو بخراسان، فكيف ترى؟ فقال: صلِّ ركعتين وإن أقمتَ عشر سنين» .
3) صلاة المريض
المرض بلاء من الله سبحانه لعباده يثيب عليه الصابرين وينتقم به من المعاندين، وإنَّ من فضل الله سبحانه على عباده الصابرين أنه يحتسب لهم جميع ما حرمهم المرض من القيام به مما كانوا يعملون في حال الصحة، ومِن ذلك الصلاة على هيئاتها، فمن حرمه المرض من القيام والركوع والسجود والقعود في الصلاة، فصار يصلي مضطجعاً مثلاً أو يصلي إيماءً، فإن له من الثواب ما كان سيحصل عليه لو هو صلى صلاته بهيئاتها المعروفة في حال الصحة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما أحدٌ من الناس يُصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه فقال: اكتبوا لعبدي كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وَثاقي» رواه أحمد والحاكم. والوَثاق هنا: هو المرض. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا مرض العبد أو سافر كُتب له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً» رواه أحمد والبخاري وأبو داود. وعلى هذا فإن من لا يستطيع أن يصلي قائماً، أو كان ينال من الصلاة قائماً مشقةً صلى قاعداً، فإن تعذَّر عليه السجود على الأرض أو شقَّ عليه جعله أخفض من الركوع دونما حاجة لأن يضع وسادة أو خشبة ليسجد عليها، بل يكفيه في هذه الحالة الإيماءُ وخفضُ السجود، فإن لم يستطيع الجلوس صلى مضطجعاً على جنبه الأيمن ووجهه تِلقاءَ القِبلة، فعن جابر رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً، فرآه يصلي على وسادة فرمى بها، فأخذ عوداً يصلي عليه، فرمى به وقال: إن أطقتَ الأرض وإلا فأَومئ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك» رواه البزَّار والبيهقي. وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من استطاع منكم أن يسجد فلْيسجد ومن لم يستطع فلا يرفع إلى جبهته شيئاً يسجد عليه، ولكن ركوعه وسجوده يومئ إيماءً» رواه الطبراني. وعن عمران بن حصين
رضي الله عنه قال «كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ» رواه البخاري وأبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجة. وإنما قلنا يصلي على جنبه الأيمن خاصةً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ التيمُّنَ في كل أُموره، فالصلاة على الجنب الأيمن أفضل، وإلا فإن الصلاة على الجنب الأيسر جائزة، وليس في النصوص ما يقيِّد الصلاة بالجنب الأيمن.
أما إن كان إمامُ الجماعة مريضاً واضطر للصلاة جالساً فإن جميع المصلين خلفه يصلون مثله جلوساً ولو كانوا غير مرضى، فهذه حالة خاصة شُرعت فيها صلاة المريض للأصحَّاء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصُرع عنه، فجُحِش شِقُّه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً
…
وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون» رواه البخاري ومالك والنَّسائي وأحمد والبيهقي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاكٍ فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: إنما جُعل الإمام ليُؤتمَّ به، فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً» رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة. وللمزيد يمكنكم مراجعة بحث [الإمام يصلي جالساً] في الفصل الأخير [الإمامة في الصلاة] .