الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد مرَّ قبل قليل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند مسلم وغيره وفيه «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدْرِ كَمْ صلى، ثلاثاً أم أربعاً
…
ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسَلِّم
…
» . فهذا دليل السجود لحصول الشك في عدد ركعات الصلاة، كما مرَّ قبل قليل حديث عبد الله بن بُحَيْنة رضي الله عنه عند مسلم وفيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتمَّ صلاته سجد سجدتين
…
» . فهذا دليل سجود السهو عند ترك واجب في الصلاة كالجلوس للتشهُّد الأوسط، وعن عبد الله رضي الله عنه قال «صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً، فقالوا: أَزِيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه وسجد سجدتين» رواه البخاري ومسلم. ورواه أحمد وزاد في رواية «وسلَّم» . وفي رواية ثالثة لأحمد «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أو العصر خمساً، ثم سجد سجدتي السهو، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاتان السجدتان لمن ظن منكم أنه زاد أو نقص» . وعن عمران بن حصين رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل (وفي رواية عند مسلم فدخل الحجرة) فقام إليه رجل يقال له الخِرْباق، وكان في يده طول فقال: يا رسول الله، فخرج إليه فذكر له صنيعه، فجاء فقال: أَصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلى الركعة التي ترك ثم سلَّم، ثم سجد سجدتين ثم سلم» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنَّسائي وابن ماجة. فهذه أدلة على مشروعية سجود السهو عند الزيادة وعند النقصان.
كيفيةُ سجود السَّهو
سجود السَّهو سجدتان اثنتان متتاليتان عاديتان، فيهما ذِكرٌ كحالهما في الصلاة وبينهما جلوس، ولهما تكبير عند الخفض وعند الرفع كالحال في الصلاة، يعقبهما جلوس يسير، ثم تسليم عن اليمين وعن الشمال دون تشهُّدٍ، ويُؤتى بهما قبل التسليم من الصلاة فهذا هو الأصل، ويجوز أن يُؤتى بهما بعد التسليم. وفي كل ذلك وردت النصوص، نأخذ منها ما يلي:
1-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إنَّ أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلَبَس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدُكم فلْيسجد سجدتين وهو جالس» رواه مسلم وأحمد والنَّسائي والترمذي.
2-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العَشِيِّ إما الظهر وإما العصر، فسلَّم في ركعتين، ثم أتى جذعاً في قِبْلة المسجد فاستند إليها مُغْضَباً، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلما، وخرج سُرْعانُ الناس: قُصِرت الصلاةُ، فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقُصرت الصلاة أم نسيتَ؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يميناً وشمالاً فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصلِّ إلا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم كبَّر ثم سجد، ثم كبَّر فرفع، ثم كبَّر وسجد، ثم كبَّر ورفع، قال: وأُخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلَّم» رواه مسلم والبخاري وأحمد والنَّسائي والترمذي. ورواه أبو داود بلفظ «
…
فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلَّم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبَّر ثم كبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبَّر
…
» .
3-
عن عبد الله بن بُحَيْنة رضي الله عنه قال «صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمَه كبَّر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، ثم سلَّم» رواه مسلم والبخاري وأحمد وأبو داود والنَّسائي.
4-
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدْرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فلْيطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلِّم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربعٍ كانتا ترغيماً للشيطان» رواه مسلم وأحمد والبيهقي وابن حِبَّان. وقد مرَّ قبل قليل.
الحديث الرابع جاء الأمر فيه بالسجود قبل التسليم، والحديث الثالث جاء فيه الفعل منه صلى الله عليه وسلم كذلك، وهذان الحديثان يدلَاّن على أن سجود السهو إنما يكون قبل التسليم، هذه واحدة. أما الثانية فهي أن سجود السهو هو في حقيقته جزءٌ من الصلاة وتتمَّةٌ لها، وليس هو صلاة منفردة مستقلة بذاتها، فهو من ضمن الصلاة وليس خارجاً عنها، وما دام أنه من الصلاة وجزء منها فإنَّ الأصل إذن أن يقع قبل التسليم، مثله مثل سائر أجزاء الصلاة، ولهذا قلنا إن الأصل في سجود السهو هو أن يكون قبل التسليم. والذي دعانا إلى هذا القول والوقوف عنده هو أن الرأي الآخر القائل بأن سجود السهو يكون بعد التسليم لديه أدلته القوية الصحيحة، وهو رأي وجيه معتبَر بلا شك، ولولاه لذهبنا إلى القول إنه الرأي الصواب وحده دون سواه، ولهذا اكتفينا بالقول إن الأصل في سجود السهو أن يكون قبل التسليم، ويجوز أن يكون بعده. أما أدلة من ذهبوا إلى القول بأن سجود السهو إنما يكون بعد التسليم فهي:
أ- عن عبد الله رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام أو الكلام» رواه مسلم.
ب- عن عبد الله رضي الله عنه قال «صلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص - فلما سلَّم قيل له: يا رسول الله أَحَدَث في الصلاة شئ؟ قال وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه واستقبل القِبلة، وسجد سجدتين ثم سلَّم، فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شئ لنبَّأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلُكم أنسى كما تنْسَون، فإذا نسيت فذكِّروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فلْيتحرى الصواب فلْيُتِمَّ عليه، ثم ليسلِّم ثم يسجد سجدتين» رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنَّسائي وابن ماجة. ورواه مسلم بلفظ «
…
وإذا شك أحدكم في صلاته فلْيتحرَّ الصواب، فلْيُتِمَّ عليه ثم ليسجد سجدتين» ، بحذف [ثم ليسلم] الواردة في رواية البخاري.
ج - الحديث رقم 2 أعلاه، وفيه «فصلى ركعتين، وسلَّم ثم كبَّر
…
» .
فأدلة هؤلاء موازية ومعادلة للأدلة على الرأي الذي رجَّحْتُه، ولولا أن سجود السهو جزء من الصلاة ومتمِّمٌ لها في حقيقته لقلت بالتخيير بين الرأي هذا والرأي ذاك، ولهذا قلت إن الأصل هو أن يكون السجود قبل التسليم، ويجوز أن يكون بعده، بمعنى أن الأفضل الإتيان بالسجود قبل التسليم.
وقد ذهب الفقهاء مذاهب شتى في هذا الموضوع، فمِن قائلٍ إن سجود السهو يجب أن يكون قبل التسليم فقط، إلى قائل إنه يجب أن يكون بعد التسليم فقط، إلى قائل إنه يكون قبل التسليم عند حصول نقص في الصلاة، ويكون بعد التسليم عند حصول زيادة، إلى قائل إنَّ كل حديث من الأحاديث يستعمل فيما جاء فيه، إلى غير ذلك من الآراء والأقوال، والقليل القليل من هؤلاء من قال بالتخيير بين السجود قبل التسليم وبين السجود بعده، مع أن المتمعن في النصوص يجد نفسه يأخذ بهذا الرأي الأخير.