الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالعبرة في هذه الحالة وفي الحالة الثانية التي سبقتها هي أن يَرفع الأذانَ في البلد الواحد شخصٌ واحد بنفسه على الأقل، ثم لا يضير أهلَ البلد أن يستعملوا الأذان المسجَّل في المساجد الأخرى بعدئذٍ، أمَّا أن لا يَرفع الأذانَ في البلد الواحد أيُّ مُؤذِّن بنفسه فإنه لا يجوز، ويأثم جميع السكان.
ويحصل أن تقع قريتان في منطقة ضيقة لا يفصل بينهما سوى ميلين أو ثلاثة أميال مثلاً، بحيث لو أُذِّن في مسجد إحدى القريتين سمع أهلُ القرية الأخرى الأذان هذا، فإن الأذان هذا يُسقط الفرض عن أهل القرية الأولى، ولا يُسقطه عن أهل القرية الأخرى، إذ لا بد لأهل القرية الأخرى مِن أن يرفعوا هم أيضاً الأذان في قريتهم، أي لا بد لأهل كل قرية من القريتين من القيام بفرض التأذين، سواء وصل أذان إحداهما إلى الأخرى أو لم يصل.
الإقامةُ: حكمُها وألفاظها
الإقامة حكمها حكم الأذان فرضٌ على الكفاية على أهل الأمصار، ومندوبة لمن هم خارج حدود الأمصار من مسافرين ومزارعين ورعاة ومتنزهين، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ما من ثلاثةٍ في قريةٍ ولا في بدوٍ لا تُقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة» رواه الحاكم وأبو داود والنَّسائي والبيهقي. ورواه أحمد بلفظ «ما من ثلاثة في قرية فلا يُؤذَّنُ ولا تُقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان
…
» وفي رواية ثالثة لأحمد «ما من خمسة أبيات لا يُؤذَّن فيهم بالصلاة وتقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، وإن الذئب يأخذ الشَّاذَّة، فعليك بالمدائن
…
» فقد وردت الألفاظ التالية (في قرية ولا في بدو)(في قرية)(خمسة أبيات) وهذه الألفاظ كلها تدل على السكن في البلدان والسكن في البوادي، وهذا قيدٌ ينبغي المصير إليه. ثم إنه قد جاء في نصين من الثلاثة اشتراكُ الأذان والإقامة بالأمر، فوجب إعطاؤُهما حكماً واحداً لعدم وجود قرينة أو دليل بالتفريق بينهما في الحكم.
ويُسن الفصل بين الأذان والإقامة بجلسة، وعدم الموالاة بينهما، فمن أراد أن يُقيم سُنَّ له أن يمكث قليلاً بعد الفراغ من التأذين، فعن ابن أبي ليلى - من حديث طويل - قال «وحدثنا أصحابنا
…
فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إني لمَّا رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلاً كأنَّ عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذَّن، ثم قعد قعدة، ثم قام فقال مثلها، إلا أنه يقول قد قامت الصلاة
…
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أراك الله عز وجل خيراً
…
» رواه أبو داود. فقد جاء فيه (ثم قعد قعدةً) بين الأذان والإقامة.
وتُؤدَّى الإقامة بسرعة دون مدٍّ ولا ترتيل لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الوارد في بحث [أحوال المؤذن] وجاء فيه «ونحذف الإقامة» أي نسرع بها.
ومَن أراد أن يصلي الفائتة منفرداً أو في جماعة سُنَّ له أن يقيم فقط، ولم يُسنَّ له أن يؤذن لها حتى لا يُغرِّر بالناس وتختلط عليهم مواقيت الصلوات، إلا أن يكون في الفلاة فمسنون، وإذا تعددت الفوائت تعددت بتعددها الإقامات، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال «حُبسنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان بعد المغرب هُويَّاً وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فلما كُفينا القتال وذلك قوله {وكَفَى اللهُ المؤمِنِيْنَ القِتَالَ وكَانَ اللهُ قَوِيَّاً عَزِيْزَاً} أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام الظهر، فصلاها كما يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما يصليها في وقتها، ثم أقام المغرب فصلاها كما يصليها في وقتها» رواه أحمد والنَّسائي وابن خُزَيمة. وقد مرَّ في الفصل الأول.
أما ألفاظ الإقامة فقد اختلف الأئمة فيها، فمالك يأخذ بحديث أنس «أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان وأن يُوتِر الإقامة» رواه مسلم والبخاري. قائلاً إن كلمات الإقامة تُؤدَّى وِتراً ومنها قد قامت الصلاة، فتكون كلمات الإقامة عنده عشراً:
الله أكبر، الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله،
حيَّ على الصلاة،
حيَّ على الفلاح،
قد قامت الصلاة،
الله أكبر، الله أكبر،
لا إله إلا الله. وهذه عشر كلمات.
أما الأحناف ومعهم الإمام الثوري فيقولون إن ألفاظ الإقامة هي ألفاظ الأذان نفسها مع زيادة كلمة - قد قامت الصلاة - مرتين، فتكون كلمات الإقامة عندهم سبع عشرة كلمة:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله
حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة،
حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح،
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة،
الله أكبر، الله أكبر،
لا إله إلا الله. وهذه سبع عشرة كلمة.
وقد استدلوا على رأيهم هذا بما روى أبو داود عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال «أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأُحيل الصيام ثلاثة أحوال - وساق نصرٌ الحديث بطوله، واقتصَّ ابن المثنى منه قصة صلاتهم نحو بيت المقدس قط - قال: الحال الثالث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلَّى ـ يعني نحو بيت المقدس ـ ثلاثة عشر شهراً، فأنزل الله تعالى هذه الآية {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّك قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوْهَكُمْ شَطْرَهُ} فوجَّهه الله تعالى إلى الكعبة، وتم حديثه، وسمَّى نصر صاحب الرؤيا قال: فجاء عبد الله بن زيد رجل من الأنصار، وقال فيه: فاستقبل القبلة قال:
الله أكبر، الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،
حيَّ على الصلاة - مرتين –
حيَّ على الفلاح - مرتين –
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله،
ثم أمهل هُنيَّة، ثم قام فقال مثلها، إلا أنه قال: زاد بعدما قال: حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقِّنْها بلالاً، فأذَّن بها بلال
…
» . وبما روى ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال «حدَّثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رأيتُ في المنام كأن رجلاً قام وعليه بردان أخضران على جِذمة حائط، فأذن مَثْنى وأقام مَثْنى، وقعد قَعْدة، قال: فسمع ذلك بلال فقام فأذن مَثْنى مَثْنى، وأقام مثنى وقعد قعدة» . قوله جذمة حائط: أي بقية من حائط متهدِّم. وبما روى ابن ماجة عن أبي محذورة قال «علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، الأذان:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،
حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة،
حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح،
الله أكبر، الله أكبر،
لا إله إلا الله. والإقامة سبع عشرة كلمة:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،
حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة،
حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح،
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة،
الله أكبر، الله أكبر،
لا إله لا الله» .
وبما روى الترمذي عن أبي محذورة «أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة» .
فأقول: أما رأي المالكية فإن استنادهم إلى القول «وأن يوتر الإقامة» للقول بأن كلماتِ الإقامة عشرٌ، يُردُّ عليه من وجهين:
أ- إن الاكتفاء بهذا النص وإعمالَه دون نظرٍ في سائر النصوص التي ذكرت كلمات الإقامة يجعل الحكم الصادر بموجبه عُرْضة للخطأ، بل يجعله خطأ، ذلك أن المالكية الذين يعتمدون على هذا النص يأخذون بتثنية التكبير: الله أكبر، الله أكبر، وهذا معارِضٌ للنَّص، فلماذا يُعمِلون النص في كلمة (قد قامت الصلاة) ولا يُعمِلونه في كلمة (الله أكبر) ؟.
ب- نعم قد رُوي هذا الحديث بالنص الوارد، ولكن البخاري ومسلماً اللذين رويا هذا النص قد رويا الحديث نفسه بزيادة «إلا الإقامة» فعند البخاري عن أنس رضي الله عنه «أُمر بلال أن يشفع الأذان وأن يُوتر الإقامة إلا الإقامة» . وفي رواية أخرى له عن أنس «أُمر بلال أن يشفع الأذان وأن يُوتِر الإقامة، قال إسماعيل: فذكرتُ لأيوب فقال: إلا الإقامة» ووقع عند مسلم «زاد يحيى في حديثه عن أبن عُليَّة: فحدثت به أيوب فقال: إلا الإقامة» . وهكذا تكون كلمات الإقامة بإعمال هذه النصوص إحدى عشرة كلمة.
وأما رأي الأحناف فالرد عليه من وجوه:
أ- أما حديث أبي داود فإن كلمات الإقامة الواردة فيه عددها خمس عشرة كلمة، في حين أن حديث ابن ماجة جاءت كلمات الإقامة فيه سبع عشرة كلمة، فبأي العددين يأخذون؟ ثم إن حديث أبي داود هذا يقول فيه كمال الدين المعروف بابن الهمام الحنفي ما يلي (إن ابن أبي ليلى لم يدرك معاذاً وهو مع ذلك حجة عندنا) وهذا من عجيب القول؟!.
ب- إن صيغة الإقامة عند أبي محذورة وردت مَثْنى وليست وتراً، وهذا مُعارَض بالروايات الكثيرة الصحيحة القائلة إن الإقامة وتر، فعن أنس قال «أُمر بلال أن يشفع الأذان وأن يُوتِر الإقامة إلا الإقامة» رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر قال «إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين والإقامة مرة، غير أنه كان يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا ذلك توضأنا ثم خرجنا» رواه ابن خُزيمة وأحمد والنَّسائي وأبو داود وابن حِبَّان.
ج- حديث ابن أبي شيبة الذي يذكر أن بلالاً أقام مَثْنى مُعَارَضٌ بالأحاديث الكثيرة الكثيرة التي تذكر أن بلالاً كان يقيم وتراً، وأن الفعل هذا من بلال قد استمر طيلة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا فإنه ليس من المستطاع الأخذ بهذه الرواية وترك الروايات العديدة الصحيحة القائلة بغير ذلك. ويحضرني هنا قول ابن الأثير (قال الخطَّابي
…
ولم يَزل وُلْدُ أبي محذورة ـ وهم الذين يلُون الأذان بمكة ـ يُفْرِدون الإقامة ويحكونه عن جدهم) . فإن صح هذا القول فهو الفيصل في محل الخلاف.
إن الصيغة الصحيحة الراجحة للإقامة هي إحدى عشرة كلمة، فيُشرع اعتمادها والعمل بها، وهذه هي:
الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله،
حيَّ على الصلاة،
حيَّ على الفلاح،
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة
الله أكبر، الله أكبر،
لا إله إلا الله.
فعن أنس رضي الله عنه قال «أًمر بلال أن يشفع الأذان وأن يُوتِر الإقامة إلا الإقامة» رواه البخاري ومسلم. وبمقتضى هذا الأمر فإن كلمات الإقامة تكون إحدى عشرة، وجاء في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه الوارد في بحث [فرض الأذان وألفاظه] ما يلي «.. تقول إذا أقيمت الصلاة:
الله أكبر، الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله،
حيَّ على الصلاة،
حيَّ على الفلاح،
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة،