المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السجود وهيئته والذكر فيه - الجامع لأحكام الصلاة - محمود عويضة - جـ ٢

[محمود عبد اللطيف عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث عشرالتَّيمُّم

- ‌تعريف التيمُّم

- ‌مشروعية التيمُّم

- ‌كيفية التيمُّم

- ‌هل يشترطُ لصحة التيمُّمِ دخولُ الوقت

- ‌وجدانُ الماء بعد فقده

- ‌مسألة

- ‌متى يُشرع التيمُّم

- ‌صلاة فاقد الطَّهُورين

- ‌الجزُء الثَّانيأحْكَام الصَّلاة

- ‌الفصل الأولالصلاةُ: حكمُها ومواقيتُها

- ‌فرضُ الصلاة

- ‌فضلُ الصلاة

- ‌حكمُ الصلاة المكتوبة

- ‌الصلوات المكتوبة ومواقيتها

- ‌1ــ وقت صلاة الظهر:

- ‌2ــ وقت صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى:

- ‌3ــ وقت صلاة المغرب:

- ‌4ــ وقتُ صلاة العشاء:

- ‌5 ــ وقت صلاة الفجر:

- ‌إذا أخَّر الإمام الصلوات عن مواقيتها

- ‌إِدراكُ ركعة من الصلاة في وقتها

- ‌مواقيت الصلاة في الدائرة القطبية

- ‌فضل صلاتي الصبح والعصر

- ‌قضاء الصلاة الفائتة

- ‌النومُ قبل صلاة العشاء والسَّمَرُ بعدها

- ‌الفصل الثانيالمساجدُ وأماكن الصلاة

- ‌فضلُ المساجد

- ‌الذهاب إلى المسجد

- ‌أدب المسجد

- ‌أفضل المساجد

- ‌الصلاةُ على غير الأرض

- ‌الصلاة على الكرسي

- ‌المواضع التي لا تجوز الصلاة فيها

- ‌المواضعُ التي تُكره فيها الصلاة

- ‌حُرمةُ اتخاذ القبور مساجد

- ‌تحويلُ معابد الكفار ومقابرهم إلى مساجد

- ‌الفصل الثالثالأذان: حكمُها وألفاظُه

- ‌فرضُ الأذان وألفاظُه

- ‌فضلُ الأذان

- ‌حكمُ الأذان

- ‌أحوال المؤذن

- ‌ما يقال عند التأذين وعقب الفراغ منه

- ‌مغادرةُ المسجد عقب الأذان

- ‌الأذانُ في عصرنا الحديث

- ‌الإقامةُ: حكمُها وألفاظها

- ‌الفصلُ الرابعأحوالُ المصلي

- ‌الطهارةُ للصلاة

- ‌سَترُ العَورة

- ‌الثوبُ في الصلاة

- ‌الصلاةُ بالأحذية

- ‌الصلاةُ على الدَّابَّة وكل مركوب

- ‌حكمُ النجاسة في الصلاة

- ‌الفصلُ الخامسالقِبْلةُ والسُّتْرة

- ‌استقبال القِبلة في الصلاة

- ‌التَّوجُّهُ إلى جهة الكعبة وليس إلى عينها

- ‌السُّترةُ للمصلي

- ‌سُترةُ الإِمام

- ‌دفعُ المارّ عند اتخاذ السُّترة

- ‌ما يقطعُ الصلاةَ بمروره

- ‌الصلاةُ إلى نائم أو بهيمة

- ‌الفصلُ السادسصفةُ الصلاة

- ‌حكمُ تكبيرة الإحرام

- ‌رفعُ اليدين في الصلاة

- ‌إقامةُ الصفوف أو تسويتُها

- ‌اصطفافُ النّساء خلف الرّجال

- ‌وضعُ اليدين في الصلاة

- ‌النظرُ في الصلاة

- ‌الجهرُ في الصلاة الجهرية

- ‌دعاءُ الاستفتاح

- ‌التّعوُّذُ في الصلاة

- ‌البسملةُ في الصلاة

- ‌قراءةُ الفاتحة في الصلاة

- ‌صلاةُ مَن لا يُحسن قراءة الفاتحة

- ‌التأمينُ في الصلاة

- ‌قراءة القرآن في الصلوات الخمس

- ‌التكبيرُ في الصلاة

- ‌الركوعُ وهيئته والذّكر فيه

- ‌الرفعُ من الركوع والذّكر فيه

- ‌السجودُ وهيئته والذّكر فيه

- ‌الجلسةُ بين السجدتين

- ‌جلسةُ الاستراحة

- ‌التشهُّدُ وهيئةُ الجلوس له

- ‌الصلاةُ على رسول الله في الصلاة

- ‌الدعاءُ والتَعوُّذ في آخر الصلاة

- ‌التسليمُ في الصلاة

- ‌كيفيةُ سجود السَّهو

- ‌العملُ عند حصول الشك في عدد الركعات

- ‌1ــ القُنُوتُ في الصلاة

- ‌2ــ الخشوعُ في الصلاة

- ‌العمل القليل في الصلاة

- ‌1) المشي لحاجةٍ تَعْرِضُ للمصلي:

- ‌2) الإِشارةُ باليدين وتحريكهما:

- ‌3) قتلُ الحية والعقرب:

- ‌4) حمل الطفل:

- ‌5) الالتفات:

- ‌8) التبسُّم:

- ‌9) البُصاق والتَّنَخُّم:

- ‌10) إصلاح الثوب:

- ‌11) حملُ المصحف:

- ‌12) الفصل بين المتخاصمين:

- ‌الأفعالُ والحالات المنهيُّ عنها في الصلاة

- ‌أ. الأفعال المكروهة في الصلاة

- ‌ب. الحالات التي تُكره فيها الصلاة

- ‌ج. الأفعال المُحرَّمة في الصلاة

- ‌الفصل الثامنما يُفعل ويُقال عقب الصلاة

- ‌أولاًـ ما يُفعَل عَقِبَ الصلاةُ

- ‌أ. الجلوسُ فترةً عَقِبَ الصلاة

- ‌ب. الانصرافُ عن اليمين والشمال

- ‌ج. الفصلُ بين الصلاة المكتوبة وصلاة التَّطوُّع

- ‌ثانياً ــ ما يُقالُ عَقِبَ الصلاة من أذكار

- ‌أـ الاستغفار

- ‌ب ــ الاستعاذةُ

- ‌ج ــ التسبيحُ والتحميدُ والتكبيرُ والتهليلُ

- ‌د ــ تلاوةُ آيات من القرآن

- ‌هـ ــ الدُّعاءُ

- ‌الفصل التاسعصلوات مفروضة عدا الصلوات الخمس

- ‌1. صلاة العيدينحكمها ووقتها

- ‌صفة صلاة العيدين

- ‌التكبير في العيدين

- ‌سُنَنُ العيدين الأخرى

- ‌ حكم الصلاة على شهيد المعركة مع الكفار

- ‌الصلاة على الأموات المسلمين

- ‌الصلاة على الغائب

- ‌فضلُ الصلاة على الجنازة واتباعها

- ‌الصلاة على الميت في المسجد

- ‌موقفُ الإمام من الرجل ومن المرأة

- ‌استحبابُ كثرةِ المصلين وكثرةِ الصفوف

- ‌صفةُ صلاة الجنازة

- ‌الدعاء للميت

- ‌لا بدَّ لصلاة الجنازة من طهارة كاملة

- ‌3. صلاةُ الجُمُعَة

- ‌على من تجب الجمعة

- ‌وقت صلاة الجمعة

- ‌النداء لصلاة الجمعة

- ‌العدد الذي تجب فيه الجمعة

- ‌إدراك ركعة من الجمعة لا بد منه لإدراك الجمعة

- ‌التبكير في الحضور

- ‌سُنن الجمعة

- ‌خطبة الجمعة

- ‌القراءة في صلاة الجمعة

- ‌السُّنّة الراتبة لصلاة الجمعة

- ‌فضل يوم الجمعة

- ‌الفصل العاشرصلاة أهل الأعذار

- ‌1) صلاة الخوف

- ‌الصلاة إيماءً وعلى المركوب وفي غير جهة القِبلة

- ‌2) صلاة المسافر

- ‌مسافة القصر

- ‌المسافر يستمر في القصر

- ‌3) صلاة المريض

- ‌الجمعُ بين الصلاتين

- ‌كيفية الجمع بين الصلاتين

الفصل: ‌السجود وهيئته والذكر فيه

وهذه الصيغة الثالثة تشمل الصيغة الثانية الواردة في حديث مسلم المارِّ. فتبقى عندنا صيغتان: الصيغة الطويلة هذه، والصيغة الأولى [ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه] فمن أحب الاقتصار على الصيغة الأولى فله ذلك، ومن أحب الأخذ بالصيغة الطويلة فله ذلك، ومن أحب أن يجمع بينهما فله ذلك. فيقول إذا رفع من الركوع [سمع الله لمن حمده] ويقول إذا اعتدل قائماً [اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملءَ السموات وملءَ الأرض وملءَ ما بينهما، وملءَ ما شئت من شئ بعد، أهلَ الثناء والمجدِ أحقُّ ما قال العبدُ وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد] فينال الخير كله. ومعنى ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ: أن صاحب الحظ والغنى لا ينفعه حظه وغناه من أمرك يا رب وقضائك فيه.

‌السجودُ وهيئته والذّكر فيه

ذكرنا في الفصل الأول أن الصلاة أحب الأعمال إلى الله سبحانه، وذكرنا أن الصلاة لغةً معناها الدعاء، فالصلاة إذن قد استمدَّت فضلها من الدعاء، أو أن الدعاء هو أبرز ما فيها، ولا غرو في ذلك فإن الدعاء هو العبادة، فإذا أدركنا أن السجود هو موطن الدعاء بشكل رئيسي أدركنا فضل السجود في الصلاة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» رواه مسلم والنَّسائي وأبو داود وابن حِبَّان. وروى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «

ألا وإني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمنٌ أن يُستجاب لكم» رواه مسلم. ورواه أحمد وابن خُزيمة وأبو داود وابن حِبَّان باختلاف في الألفاظ. فالمسلم في سجوده قريب من ربه، مستجابٌ دعاؤه.

ص: 250

وقد عبَّر الله عز وجل عن طاعة المخلوقات له وعبادتها إياه بالسجود فقال {وللهِ يَسْجُدُ مَا في السَّموَاتِ ومَا في الأَرْضِ مِنْ داَبَّةٍ والملائِكَةُ وهُمْ لا يَسْتَكْبِرُوْنَ} الآية 49 من سورة النحل. وقال سبحانه {أَلمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السَّمَواتِ ومَنْ في الأَرْضِ والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُوْمُ والجِبَالُ والشَّجَرُ والدَّوَابُّ وكَثِيْرٌ مِنَ النَّاس وكَثِيْرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ ومَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} الآية 18 من سورة الحج.

ومن فضل السجود أن الله سبحانه قد كرَّم مواضع السجود في جسم المسلم بأن حماها من عذاب النار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «

إذا أراد الله رحمةَ مَن أراد من أهل النار أمرَ الله الملائكة أن يُخرِجوا مَن كان يعبد الله، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرَّم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النارُ إلا أثر السجود

» رواه البخاري. وهو حديث طويل، ووقع عند النَّسائي من طريق عطاء بن يزيد «

إن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود» .

ومن فضل السجود أن الله عز وجل قد اختار أعضاء السجود من أجساد المسلمين لتكون السيما التي تميزهم عمن سواهم من الخلائق يوم القيامة، وجعل البياض والنور يشع من جباههم، وإلى هذا أشار الله سبحانه بقوله {مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ والذِيْنَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعَاً سُجَّداً يَبْتَغُوْنَ فَضْلاً مِنَ اللهِ ورِضْوَاناً سِيْمَاهُمْ في وُجُوْهِهِمْ مِنَ أَثَرِ السُّجُوْدِ

} الآية 29 من سورة الفتح.

ص: 251

ومن فضل السجود ما جاء في هذا الحديث الذي رواه مسلم من طريق معدان بن أبي طلحة اليَعْمُري قال «لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يُدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة فقال: سألتُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحطَّ عنك بها خطيئة، قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ما قال ثوبان» ودلالته واضحة.

أما هيئة السجود فتكون بأن يجعل المسلم قدميه وركبتيه وكفَّيه وجبهته على الأرض بالصفة المعلومة، فيكون قد سجد على سبعة أعضاء لا يجوز السجود إلا عليها مجتمعة، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال «أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكفُّ شعراً ولا ثوباً: الجبهة واليدين والركبتين والرِّجلين» رواه البخاري ومسلم. ووقع في روايةٍ أخرى لمسلم من طريق العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف: وجهُه وكفَّاه وركبتاه وقدماه» . ووقع عند الترمذي وأبي داود وابن حِبَّان وابن خُزَيمة وابن ماجة من طريق العباس رضي الله عنه بلفظ «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب

» . ووقع عند أحمد من طريق العباس رضي الله عنه بلفظ «إذا سجد الرجل سجد معه سبعة آراب

» . قوله الآراب: أي الأعضاء. فهذه الأعضاء السبعة هي أعضاء السجود، لا بد منها في عملية السجود.

ص: 252

ويُندب وضعُ القدمين في حالة انتصابٍ مستقبلاً بأطراف الأصابع القِبلة، ويباعد قليلاً بين الركبتين، ويبسط كفَّيه على الأرض ضامَّاً أصابعه، ويسجد على الأنف إضافةً إلى الجبهة، ويضعهما بين كفَّيه إلى الأمام قليلاً، ويُفرِّج بين فخذيه غير حامل بطنه على شئ منهما، ويُنحِّي يديه عن جنبيه، ويرفع مرفقيه وساعديه عن الأرض، ويرفع مقعدته، ويقال له في هذه الحالة مُخَوِّياً - يعني أنَّ ما بين يديه ورجليه يكون خاوياً - ويدع ثيابه تسقط على موضع سجوده، كما يدع شعره إنْ كان مسترسلاً يسقط على موضع سجوده لا يكفُّهما في السجود. وقد مرَّ حديث البخاري ومسلم من طريق ابن عباس رضي الله عنه وفيه «

ولا يكفُّ شعراً ولا ثوباً

» . فهذه هي مندوبات السجود.

ويحاذر الرجل أن يبسط ساعديه على الأرض لأن هذا منهيٌّ عنه شرعاً، ولا يحمل بطنه على فخذيه تأسِّياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتمدَّد في سجوده، ولا يسجد على جبهته فحسب دون أنفه، ولا يخالف ما سبق من المندوبات، فإن هو لم يفعل فلا إثم عليه، وسجوده مجْزئ ومقبول. وفي كل ما سلف وردت الأحاديث الصحيحة والحسنة:

أ- عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا سجدتَ فضَعْ كفيك، وارفع مرفقيك» رواه مسلم وأحمد. ورواه ابن حِبَّان بلفظ «إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك وانتصب» .

ب- عن عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَةَ رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلَّى فرَّج بين يديه حتى يبدوَ بياضُ إبطيه» رواه مسلم والبخاري. ورواه ابن حِبَّان بلفظ «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرَّج بين يديه حتى يبدوَ بياضُ إبطيه» .

ص: 253

ج - عن علقمة بن وائل عن أبيه رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرَّج أصابعه وإذا سجد ضمَّ أصابعه» رواه ابن حِبَّان والطبراني. ورواه ابن خُزَيمة والحاكم بلفظ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد ضمَّ أصابعه» ولم يذكرا الركوع.

د - عن أبي حميد رضي الله عنه ووصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال «وإذا سجد فرَّج بين فخذيه غير حاملٍ بطنَه على شئ من فخذيه» رواه أبو داود.

هـ - عن أبي حُمَيد رضي الله عنه قال «أنا كنت أحفظَكُم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبَّر جعل يديه حِذاء منكبيه، وإذا ركع أَمكَنَ يديه من ركبتيه ثم هَصَرَ ظهرَه، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفْترِشٍ ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القِبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدَّم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته» رواه البخاري.

و عن شعبة قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال «إن مولاك إذا سجد وضع جبهته وذراعيه وصدرَه بالأرض، فقال له ابن عباس: ما يحملك على ما تصنع؟ قال: التواضع، قال: هكذا رِبضةُ الكلب، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد رُؤي بياضُ إبطيه» رواه أحمد.

ز - عن وائل بن حُجْر رضي الله عنه قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على أنفه مع جبهته» رواه أحمد.

ح - عن وائل بن حُجْر رضي الله عنه «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يسجد بين كفَّيه - وفي رواية - ويداه قريبتان من أُذنيه» رواه أحمد ومسلم.

ط - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُؤي على جبهته وعلى أرنبته أثرُ طينٍ من صلاةٍ صلاها بالناس» رواه أبو داود.

ص: 254

ي - عن البراء رضي الله عنه أنه وصف السجود قال «فبسط كفيه ورفع عَجِيزَتَه وخوَّى وقال: هكذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد. قوله العجيزة: أي المقعدة.

ك - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى جَخَّى» رواه ابن خُزَيمة. قوله جخَّى: أي لم يتمدد في ركوعه ولا في سجوده.

ل - عن ابن عباس رضي الله عنه قال «تدبَّرْتُ صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته مُخوِّياً، فرأيت بياض إبطيه» رواه أحمد. قوله مُخَوِّياً: أي مُجَافِياً بطنه عن الأرض، ومجافياً عضُديه عن جنبيه.

م - عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يُجنِّحُ في سجوده حتى يُرى وضحُ إبطيه» رواه مسلم وأحمد.

ن - عن ميمونة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى يديه، فلو أن بَهْمةً أرادت أن تمرَّ بين يديه لمرَّت» رواه أبو داود. ورواه ابن خُزَيمة باختلاف يسير في الألفاظ. وفي روايةٍ لمسلم من طريق ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد خَوَّى بيديه يعني جَنَّح حتى يُرى وَضَحُ إبطيه مِن ورائه، وإذا قعد اطمأنَّ على فخذه اليسرى» . قوله وضحُ إبطيه: أي بياضُ إبطيه. وقوله خوَّى وجنَّح: أي جافى وباعد.

س - عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تبسط ذراعيك إذا صليت كبسط السَّبُع، وادَّعِمْ على راحتيك وجافِ عن ضَبْعَيك، فانك إذا فعلتَ ذلك سجد كلُّ عضو منك» رواه ابن حِبَّان. قوله الضَّبعان: أي ما تحت الإبطين.

ع - روى جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا سجد أحدكم فلْيعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش السبُع» رواه ابن خُزَيمة. ورواه الترمذي وابن ماجة بلفظ «افتراش الكلب» .

ص: 255

ف - عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدُكم ذراعيه انبساط الكلب» رواه البخاري ومسلم. ورواه أبو داود وابن حِبَّان بلفظ «اعتدلوا في السجود، ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراشَ الكلب» .

هذه هي هيئة السجود الواجبة ومندوباتها، ومنها أن يجافي المسلم يديه عن جنبيه، ويرفع مرفقيه وساعديه عن الأرض، إلا أنه إن سجد سجوداً طويلاً فثقُل عليه الوضع وأصابه الإعياء والمشقة رُخِّص له في وضع مرفقيه على ركبتيه لما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال «شكا أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم إليه مشقَّةَ السجود عليهم إذا تفرَّجوا، قال: استعينوا بالرُّكَب» رواه أحمد. ورواه ابن حِبَّان والترمذي وأبو داود باختلاف في الألفاظ. قوله إذا تَفَرَّجوا: أي إذا تعبوا. والاستعانة بالركب تكون بأن يضع المصلِّي مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وتعب منه.

والطمأنينة في السجود فرض لا بد منه وأقلها أن تسكنَ حركةُ الساجد وهو في حالة السجود لما روى أبو هريرة رضي الله عنه وذكر حديث المسئ صلاته وجاء فيه - أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته «

ثم اسجد حتى تطمئنَّ ساجداً

» رواه البخاري وأحمد. ولما روى رفاعة في الحديث الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي صلى وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة «ثم إذا أنت سجدت فأَثْبِتْ وجهك ويديك حتى يطمئن كلُّ عظم منك إلى موضعه» رواه ابن خُزَيمة.

ص: 256

أما القدر المتوسط للاطمئنان في السجود فهو ما يكفي لقول الذِّكر المأثور، وسنذكره بعد قليل، وهو يقارب قدر الاطمئنان في الركوع، أو قدر الاطمئنان في القيام عقب الركوع، أو قدر الاطمئنان في الجلسة بين السجدتين، لما رُوي أن البراء رضي الله عنه قال «كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وإذا رفع رأسه من الركوع وبين السجدتين قريباً من السواء» رواه البخاري. ورواه مسلم وأحمد قريباً من هذا. وقد مرَّ في بحث [الرفع من الركوع والذِّكر فيه] ولما روى ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال «إني لا آلو أن أصلِّيَ بكم كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال ثابت: كان أنس يصنع شيئاً لم أركم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل قد نسي، وبين السجدتين حتى يقول القائل قد نسي» رواه البخاري. ورواه مسلم قريباً منه.

والسجود فرض وركن لا تصح الصلاة بدونه، فمن صلى ولم يسجد السجود المعروف فلا صلاة له، فقد خاطب الله سبحانه الناس بالصلاة، فقال عز وجل {يا أَيُّها الذِيْنَ آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا واعْبُدُوا ربَّكُمْ وافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ} الآية 77 من سورة الحج. وقد مرَّت في بحث [الركوع وهيئته والذِّكر فيه] وقلنا هناك (ولا يختار سبحانه الركوع والسجود من سائر أفعال الصلاة ليدل عليها بهما إلا لكونهما ركنين من أركانها لا تكون صلاةٌ بدونهما) وعن زيد بن وهب قال «رأى حذيفةُ رجلاً لا يُتم الركوع والسجود قال: ما صلَّيتَ، ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم» رواه البخاري. ورواه أحمد باختلاف في الألفاظ. وقد مرَّ في بحث [الركوع وهيئته والذِّكر فيه] .

ص: 257

ويندب وضع الركبتين على الأرض قبل اليدين عند الخرور للسجود، ورفع اليدين قبل الركبتين عند النهوض، لما رُوي أن وائل بن حُجْر رضي الله عنه قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» رواه الترمذي. ورواه ابن حِبَّان وابن ماجة قريباً منه. وروى أبو داود عن وائل رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم - فذكر حديث الصلاة - قال: فلما سجد وقعتا رُكبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفَّاه» . هكذا وردت الرواية بلفظـ «وقعتا رُكبتاه» بفاعلين لفعلٍ واحد وهي لغة غير مشهورة. وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا سجد أحدكم فلْيبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك كبروك الفحل» رواه ابن أبي شيبة والطحاوي. فهذا الحديث فيه الأمر بالبدء بالركبتين قبل اليدين، وفيه الأمرُ بمخالفة الفحل في بروكه.

ص: 258

وأما ما رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل، ولْيضع يديه ثم ركبتيه» . بتقديم وضع اليدين على الركبتين، فالجواب عليه أن هذا الحديث بهذا اللفظ يخالف أولُه آخرَه، فأولُه يأمرُ بمُخَالَفةِ الجمل في بُروكه، في حين أن آخره يأمر بوضع اليدين قبل الركبتين وهذا تناقض، ذلك أن الجمل عندما يبرك يبدأ بيديه أولاً، ثم يبرك على رجليه بعد ذلك، وهذا معلوم وظاهر، فكيف نُؤمر في هذا الحديث بالبدء باليدين ثم نؤمر بمخالفة الجمل؟ ثم إن حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة والطحاوي يأمر أيضاً بمخالَفةِ الفحل في بروكه، ولكنه يأمر بالبدء بالركبتين، فهذان الحديثان اتفقا على الأمر بمخالَفةِ الجمل في بروكه، واختلفا على الترتيب لليدين والركبتين. والواقع المُدرَك المحسوس لبروك الجمل يدل على صحة ما جاء به حديث ابن أبي شيبة والطحاوي، وعلى خطأ ما جاء في حديث أحمد وأبي داود والنَّسائي، هذه واحدة.

ص: 259

وأما الثانية فهي أن النَّسائي وأبا داود رويا من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يعمدُ أحدُكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل» . فلم يأت على ذكر اليدين والركبتين، فأتساءل: هل هذا الحديث هو غير الحديث السابق أم هما حديث واحد؟ ولماذا لم تُذكر اليدان والركبتان في هذه الرواية؟ إن الثابت من هذه الأحاديث الثلاثة هو الأمر بمخالَفةِ الجمل في بروكه، وأما ترتيب اليدين والركبتين فاختلفت الأحاديث بشأنه، فيُعمل بالثابت، وهو الأمر بمخالَفةِ الجمل في بروكه، وحيث أن الجمل يبرك بادئاً بيديه فإن المسلم مأمور بالبدء بالركبتين لتتم المخالَفةُ، وهذا موافق لحديث وائل ابن حجر المار، فيُعمل به ويُترك ما يخالفه. قال ابن قيّم الجوزيّة في كتابه ـ زاد المعاد -: إن حديث أبي هريرة مما انقلب على بعض الرواةِ متْنُهُ، وأصله: ولْيَضَعْ رُكْبَتيْهِ قبل يديْهِ. وهو قول وجيهٌ وصائب.

ونأتي إلى الذكر والدعاء في السجود فنقول إنه قد وردت له عدة صيغ أشهرها وأَوْلاها [سبحان ربي الأعلى] ثلاثاً، فيُسن الأخذُ بها وتقديمها على الصيغ الأخرى، ولا مانع من قول هذه الصيغ الأخرى عقب قول [سبحان ربي الأعلى] ثلاثاً، إذ الجمع بين صيغتين أو أكثر هنا جائز، وقد ذكرنا في بحث [الركوع وهيئته والذِّكر فيه] ثلاثة أحاديث في قول [سبحان ربي الأعلى] في السجود فلا نعيد. وهذه الصيغة ورد الأمر بها ولم يَرِد الأمرُ بقول غيرها، وغيرُها إنما وردت من أفعاله عليه الصلاة والسلام فقط، وأوامره صلى الله عليه وسلم مقدَّمةٌ على أفعاله.

ونذكر الآن جملة من الصيغ الواردة:

أ-[سبُّوحٌ قُدُّوسٌ ربُّ الملائكة والروح] .

ب-[سبحان ذي الجَبَروتِ والمَلَكُوتِ والكِبرياءِ والعَظَمة] .

ج-[اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك] .

ص: 260

د-[اللهم اغفرلي ذنبي كُلَّهُ دِقَّهُ وجِلَّهُ وأوَّلَهُ وآخِرَهُ وعلانيَّتَهُ وسِرَّه] .

هـ-[اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، واجعلْ لي نوراً، وأعْظِمْ لي نوراً] .

و [اللهم لك سجدتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، سجد وجهي للذي خلقه فصوَّره فأحسن صُوَرَه، فشقَّ سمعَه وبصَره، فتبارك الله أحسن الخالقين] .

وهناك أدعية أخرى وردت كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدعو بها في سجوده، فمن شاء الوقوف عليها فلْيطلُبْها في كتب الحديث.

أما الأدلة على هذه الصيغ الست، فإن الصيغتين الاُوليين (أ، ب) قد ورد دليلُ كلٍّ منهما في بحث [الركوع وهيئته والذِّكر فيه] فلا نعيدهما خشية الإطالة، فليرجع إليهما هناك. ونذكر الآن أدلة الصيغ الأخرى حسب الترتيب المذكور:

1-

عن عائشة رضي الله عنها قالت «فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في الفراش، فجعلت أطلبه بيدي، فوقعت يدي على باطن قدميه وهما منتصبتان، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سَخَطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصى ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» رواه ابن خُزَيمة وابن حِبَّان والنَّسائي.

2-

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده «اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه دِقَّه وجِلَّه وأولَه وآخِرَه وعلانيته وسِرَّه» رواه أبو داود وابن حِبَّان وابن خُزَيمة.

ص: 261

3-

عن ابن عباس رضي الله عنه قال «بتُّ في بيت خالتي ميمونة فبَقَيْتُ كيف يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر جملة من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم خرج إلى الصلاة فصلَّى، فجعل يقول في صلاته أو في سجوده: اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شِمالي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، واجعل لي نوراً، أو قال: واجعلني نوراً» رواه مسلم. وفي رواية له من طريق ابن عباس رضي الله عنه جاء «وقال أَعْظِمْ لي نوراً» ولم يذكر: «واجعلني نوراً» ففيها زيادة هي [أَعظِمْ لي نوراً] والزيادة مقبولة. وجاء في رواية أخرى لمسلم من طريق ابن عباس رضي الله عنه «اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً

» ففيها زيادة [وفي لساني نوراً] فتُقبل.

وأُلفت النظر إلى أن الترتيب في هذا الدعاء ليس بلازم، فروايات مسلم لم تلتزم ترتيباً واحداً، ثم إن النَّسائي جاءت روايته هكذا «ثم قام يصلي وكان يقول في سجوده: اللهم اجعل في قلبي نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من تحتي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، واجعل أمامي نوراً، واجعل خلفي نوراً، وأَعْظِم لي نوراً، ثم نام حتى نفخ، فأتاه بلال فأيقظه للصلاة» . قوله بَقَيْتُ: أي رمقتُ ونظرتُ.

4-

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «

إذا سجد قال: اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه فصوَّره فأحسن صُوَره، فشق سمعَه وبصرَه، فتبارك الله أحسنُ الخالقين

» رواه أحمد. والترتيب في هذا الدعاء أيضاً ليس بلازم، فقد رواه النَّسائي بغير الترتيب في رواية أحمد، وهو هكذا «اللهم لك سجدت ولك أسلمت وبك آمنت، سجد وجهي للذي خلقه وصَوَّره فاحسن صورَتَه، وشق سمعه وبصره، تبارك الله احسن الخالقين» .

ص: 262

هذه جملة من التسبيحات والأدعية المأثورة.أما قدر تردادها في السجود الواحد فإن أدنى التمام أن تُقال ثلاث مرات، فإن قيلت مرةً واحدة أو مرتين أجزأت مع نقص الفضل، ولا حدَّ لأكثره خاصة بالنسبة للمنفرد، وأما الإمام فيسبح بمقدار ما لا يُثقل ويشق على المأمومين، فإن سبَّح سبع تسبيحات فحسن، وذلك حتى يتمكن المأمومون من التسبيح ثلاثاً على مهل دون استعجال، لا سيما وأن منهم البطئ في النطق ومنهم المريض، فالرفق مطلوب، ولا يزيد على العشر تسبيحات فيشق على الضعفاء منهم، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا ما قام أحدُكم للناس فليخفِّف الصلاة، فإن فيهم الكبير وفيهم الضعيف، وإذا قام وحده فَلْيُطِل صلاته ما شاء» رواه مسلم. وقد مرَّ حديث أنس بن مالك عند أحمد في بحث [الركوع وهيئته والذِّكر فيه] وفيه «

فحَزَرْنا في الركوع عشر تسبيحات، وفي السجود عشر تسبيحات» .

ولا يُقرأ القرآن في السجود كما لا يُقرأُ في الركوع، لورود النهي عن ذلك، وقد سبقت أحاديث في هذا: اثنان رواهما مالك ومسلم من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والثالث رواه أحمد من طريق ابن عباس رضي الله عنه فلا نعيد، وليرجع إليهما في بحث [الركوع وهيئته والذِّكْر فيه] .

ص: 263

ونأتي إلى مسألة كشف الجبهة واليدين في السجود فنقول: إن الأصل في السجود أن يسجد المسلم وهو كاشفٌ يديه وجبهته، فهذا ما كان عليه حال الرسول صلى الله عليه وسلم وحال صحابته رضوان الله عليهم، فإذا خالف أحدهم الأصل نبَّهه صلى الله عليه وسلم فعاد إليه، من ذلك ما رُوي عن عياض بن عبد الله أنه قال «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يسجد على كور العمامة، فأومأ بيده ارفعْ عمامتك» رواه ابن أبي شيبة. وروى صالح بن خيوان السبائي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسجد إلى جنبه وقد اعتمَّ على جبهته، فحَسَرَ عن جبهته» رواه أبو داود. إلا أنه إن جاء حرٌّ شديد أو برد شديد بحيث كان السجود على الأرض يشق على الناس، فقد أجاز الشرع الحنيف عندئذٍ تغطية الجبهة واليدين، أو إلقاء شئ من الثياب على موضع السجود دفعاً للمشقة وتوسعةً على الناس، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال «كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتِّقاءَ الحرِّ» رواه البخاري والنَّسائي. ورواه أبو داود وأحمد بلفظ «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحرِّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمَكِّن وجهَه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» . ورواه ابن ماجة وفيه «

فإذا لم يقدر أحدنا

» وإذن فإن وجود حائل بين الجبهة واليدين وبين الأرض مرهون بعدم الاستطاعة، أو بعدم القدرة أو بشدَّة الحرِّ، وكذلك هو مرهون بشدة البرد، كمن يصلي في ليلة زمهرير في العراء، أو كمن يسجد على الثلج، لما روى ابن عباس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد متوشِّحاً به يتقي بفُضُوله حرَّ الأرض وبردها» رواه أحمد. قوله يتَّقي بفضوله: أي يحمي نفسه من الحر والبرد بما فضل وزاد من ثوبه الذي يلبسه.

ص: 264