المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البسملة في الصلاة - الجامع لأحكام الصلاة - محمود عويضة - جـ ٢

[محمود عبد اللطيف عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث عشرالتَّيمُّم

- ‌تعريف التيمُّم

- ‌مشروعية التيمُّم

- ‌كيفية التيمُّم

- ‌هل يشترطُ لصحة التيمُّمِ دخولُ الوقت

- ‌وجدانُ الماء بعد فقده

- ‌مسألة

- ‌متى يُشرع التيمُّم

- ‌صلاة فاقد الطَّهُورين

- ‌الجزُء الثَّانيأحْكَام الصَّلاة

- ‌الفصل الأولالصلاةُ: حكمُها ومواقيتُها

- ‌فرضُ الصلاة

- ‌فضلُ الصلاة

- ‌حكمُ الصلاة المكتوبة

- ‌الصلوات المكتوبة ومواقيتها

- ‌1ــ وقت صلاة الظهر:

- ‌2ــ وقت صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى:

- ‌3ــ وقت صلاة المغرب:

- ‌4ــ وقتُ صلاة العشاء:

- ‌5 ــ وقت صلاة الفجر:

- ‌إذا أخَّر الإمام الصلوات عن مواقيتها

- ‌إِدراكُ ركعة من الصلاة في وقتها

- ‌مواقيت الصلاة في الدائرة القطبية

- ‌فضل صلاتي الصبح والعصر

- ‌قضاء الصلاة الفائتة

- ‌النومُ قبل صلاة العشاء والسَّمَرُ بعدها

- ‌الفصل الثانيالمساجدُ وأماكن الصلاة

- ‌فضلُ المساجد

- ‌الذهاب إلى المسجد

- ‌أدب المسجد

- ‌أفضل المساجد

- ‌الصلاةُ على غير الأرض

- ‌الصلاة على الكرسي

- ‌المواضع التي لا تجوز الصلاة فيها

- ‌المواضعُ التي تُكره فيها الصلاة

- ‌حُرمةُ اتخاذ القبور مساجد

- ‌تحويلُ معابد الكفار ومقابرهم إلى مساجد

- ‌الفصل الثالثالأذان: حكمُها وألفاظُه

- ‌فرضُ الأذان وألفاظُه

- ‌فضلُ الأذان

- ‌حكمُ الأذان

- ‌أحوال المؤذن

- ‌ما يقال عند التأذين وعقب الفراغ منه

- ‌مغادرةُ المسجد عقب الأذان

- ‌الأذانُ في عصرنا الحديث

- ‌الإقامةُ: حكمُها وألفاظها

- ‌الفصلُ الرابعأحوالُ المصلي

- ‌الطهارةُ للصلاة

- ‌سَترُ العَورة

- ‌الثوبُ في الصلاة

- ‌الصلاةُ بالأحذية

- ‌الصلاةُ على الدَّابَّة وكل مركوب

- ‌حكمُ النجاسة في الصلاة

- ‌الفصلُ الخامسالقِبْلةُ والسُّتْرة

- ‌استقبال القِبلة في الصلاة

- ‌التَّوجُّهُ إلى جهة الكعبة وليس إلى عينها

- ‌السُّترةُ للمصلي

- ‌سُترةُ الإِمام

- ‌دفعُ المارّ عند اتخاذ السُّترة

- ‌ما يقطعُ الصلاةَ بمروره

- ‌الصلاةُ إلى نائم أو بهيمة

- ‌الفصلُ السادسصفةُ الصلاة

- ‌حكمُ تكبيرة الإحرام

- ‌رفعُ اليدين في الصلاة

- ‌إقامةُ الصفوف أو تسويتُها

- ‌اصطفافُ النّساء خلف الرّجال

- ‌وضعُ اليدين في الصلاة

- ‌النظرُ في الصلاة

- ‌الجهرُ في الصلاة الجهرية

- ‌دعاءُ الاستفتاح

- ‌التّعوُّذُ في الصلاة

- ‌البسملةُ في الصلاة

- ‌قراءةُ الفاتحة في الصلاة

- ‌صلاةُ مَن لا يُحسن قراءة الفاتحة

- ‌التأمينُ في الصلاة

- ‌قراءة القرآن في الصلوات الخمس

- ‌التكبيرُ في الصلاة

- ‌الركوعُ وهيئته والذّكر فيه

- ‌الرفعُ من الركوع والذّكر فيه

- ‌السجودُ وهيئته والذّكر فيه

- ‌الجلسةُ بين السجدتين

- ‌جلسةُ الاستراحة

- ‌التشهُّدُ وهيئةُ الجلوس له

- ‌الصلاةُ على رسول الله في الصلاة

- ‌الدعاءُ والتَعوُّذ في آخر الصلاة

- ‌التسليمُ في الصلاة

- ‌كيفيةُ سجود السَّهو

- ‌العملُ عند حصول الشك في عدد الركعات

- ‌1ــ القُنُوتُ في الصلاة

- ‌2ــ الخشوعُ في الصلاة

- ‌العمل القليل في الصلاة

- ‌1) المشي لحاجةٍ تَعْرِضُ للمصلي:

- ‌2) الإِشارةُ باليدين وتحريكهما:

- ‌3) قتلُ الحية والعقرب:

- ‌4) حمل الطفل:

- ‌5) الالتفات:

- ‌8) التبسُّم:

- ‌9) البُصاق والتَّنَخُّم:

- ‌10) إصلاح الثوب:

- ‌11) حملُ المصحف:

- ‌12) الفصل بين المتخاصمين:

- ‌الأفعالُ والحالات المنهيُّ عنها في الصلاة

- ‌أ. الأفعال المكروهة في الصلاة

- ‌ب. الحالات التي تُكره فيها الصلاة

- ‌ج. الأفعال المُحرَّمة في الصلاة

- ‌الفصل الثامنما يُفعل ويُقال عقب الصلاة

- ‌أولاًـ ما يُفعَل عَقِبَ الصلاةُ

- ‌أ. الجلوسُ فترةً عَقِبَ الصلاة

- ‌ب. الانصرافُ عن اليمين والشمال

- ‌ج. الفصلُ بين الصلاة المكتوبة وصلاة التَّطوُّع

- ‌ثانياً ــ ما يُقالُ عَقِبَ الصلاة من أذكار

- ‌أـ الاستغفار

- ‌ب ــ الاستعاذةُ

- ‌ج ــ التسبيحُ والتحميدُ والتكبيرُ والتهليلُ

- ‌د ــ تلاوةُ آيات من القرآن

- ‌هـ ــ الدُّعاءُ

- ‌الفصل التاسعصلوات مفروضة عدا الصلوات الخمس

- ‌1. صلاة العيدينحكمها ووقتها

- ‌صفة صلاة العيدين

- ‌التكبير في العيدين

- ‌سُنَنُ العيدين الأخرى

- ‌ حكم الصلاة على شهيد المعركة مع الكفار

- ‌الصلاة على الأموات المسلمين

- ‌الصلاة على الغائب

- ‌فضلُ الصلاة على الجنازة واتباعها

- ‌الصلاة على الميت في المسجد

- ‌موقفُ الإمام من الرجل ومن المرأة

- ‌استحبابُ كثرةِ المصلين وكثرةِ الصفوف

- ‌صفةُ صلاة الجنازة

- ‌الدعاء للميت

- ‌لا بدَّ لصلاة الجنازة من طهارة كاملة

- ‌3. صلاةُ الجُمُعَة

- ‌على من تجب الجمعة

- ‌وقت صلاة الجمعة

- ‌النداء لصلاة الجمعة

- ‌العدد الذي تجب فيه الجمعة

- ‌إدراك ركعة من الجمعة لا بد منه لإدراك الجمعة

- ‌التبكير في الحضور

- ‌سُنن الجمعة

- ‌خطبة الجمعة

- ‌القراءة في صلاة الجمعة

- ‌السُّنّة الراتبة لصلاة الجمعة

- ‌فضل يوم الجمعة

- ‌الفصل العاشرصلاة أهل الأعذار

- ‌1) صلاة الخوف

- ‌الصلاة إيماءً وعلى المركوب وفي غير جهة القِبلة

- ‌2) صلاة المسافر

- ‌مسافة القصر

- ‌المسافر يستمر في القصر

- ‌3) صلاة المريض

- ‌الجمعُ بين الصلاتين

- ‌كيفية الجمع بين الصلاتين

الفصل: ‌البسملة في الصلاة

يُندب التعوُّذُ بالله عز وجل في الصلاة من الشيطان الرجيم عقبَ دعاء الاستفتاح وقبل قراءة الفاتحة، قال تعالى {فَإذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ باللهِ مِن الشَّيْطانِ الرَّجِيْمِ} الآية 98 من سورة النحل. ويتحقق الندب بأية صيغة من صيغ التعوُّذ كصيغة [أعوذ بالله من الشيطان الرجيم] وهي أشهر الصيغ، وكصيغة [أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم] وكصيغة [اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من هَمْزِهِ ونفخِه ونَفْثِهِ] .

ويكفي المصلي أن يتعوَّذ في الركعة الأولى فقط، لأن النصوص أمرت به في الركعة الأولى، ولم يأت ما يدل على تكراره في الركعات الأخرى، ثم إن الصلاة بمثابة جلسةِ قراءةِ قرآنٍ واحدة، فكما أن قارئ القرآن يكفيه تعوَّذ واحد في الجلسة الواحدة فكذلك يكفي المصلِّي تعوُّذ واحد في الصلاة الواحدة، فعن ابن جُبير بن مُطعم عن أبيه قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة قال

اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من هَمْزِه ونَفْخِه ونَفْثِه» رواه ابن ماجة. ومعنى همزه: الصَّرَع من مسِّ الشيطان. والنفخ: هو الكِبْر. والنَّفث: النفخ مع شئ من الريق وهو دون التَّفل، والسَّحَرةُ يستعملونه في سحرهم. وعن أبي سعيد قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فكبَّر قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزِه ونَفثهِ ونَفخهِ ثم يستفتح صلاته» رواه الدارمي.

‌البسملةُ في الصلاة

ص: 190

لست أريد هنا إثباتَ أو نفيَ أن [بسم الله الرحمن الرحيم] آيةٌ من سورة الفاتحة، أو آيةٌ من كل سُوَر القرآن المائة والثلاث عشرة سوى سورة براءة، فهذه المسألة داخلة في موضوع العقيدة، وأنا في هذا الكتاب أَقصر البحث على الأحكام الشرعية والمسائل العملية المتعلقة بالصلاة وأحكامها، كما أنني لست أريد هنا أن أُثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ السورة من القرآن في غير الصلاة افتتح قراءته بالبسملة، فهذه المسألة عامة، وإنما أريد حصر البحث بقراءة الفاتحة وسور القرآن في الصلاة فقط، فعنوان البحث هو [البسملة في الصلاة] فالبحث محصور به لا يتعداه إلى غيره.

ولقد سار جمهرة الفقهاء في بحث هذه المسألة بأن وضعوا هذه المسائل الثلاث على صعيد واحد في بحثهم، فخاضوا في المسألة الأولى، فلما استنبط فريقٌ منهم أن البسملة آية من سورة الفاتحة قالوا بوجوب الجهر بها في الصلاة الجهرية، ولما استنبط فريق آخر أن البسملة ليست آية من سورة الفاتحة قالوا بوجوب الإسرار بها، بل إنَّ مِن هؤلاء مَن غالى برأيه فقال بكراهة قراءة البسملة في الصلاة سراً وجهراً، ذلك أن هؤلاء وأولئك عندما نظروا في النصوص وجدوا نصوصاً تقول بالجهر بها، ونصوصاً تقول بالإسرار بها، فأخذ الفريق الأول النصوص القائلة بالجهر، ولكنهم لم يستطيعوا تأويل النصوص القائلة بالإسرار إلا بتعسُّف، بل إن منهم من ردَّها، وأخذ الفريق الآخر النصوص القائلة بالإسرار لأنها أقوى إسناداً، فرجَّحوها على النصوص القائلة بالجهر، ولا زالت هذه المسألة عالقة بين هؤلاء وأولئك دون حسم، والسبب في ذلك هو خلطهم المسائل الثلاث، رغم أن منها ما يتعلق بالاعتقاد، ومنها ما يتعلق بالأحكام، وشتان بين هذين الصعيدين.

ص: 191

وأنا هنا أريد بحث مسألة البسملة في الصلاة في صعيدها نائياً بها عما سواه من الصُّعُد، فأقول: إن النظر في النصوص المتعلقة بهذه المسألة يوصلنا إلى الرأي القائل بالإسرار بقراءة البسملة في الصلاة، ذلك أن هذا الرأي هو الراجح، وهو ما تدل عليه النصوص الصحيحة، وما يتعيَّن على المسلمين المصيرُ إليه والعملُ به، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه قال «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بـ الحمدُ لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخره» رواه مسلم. وروى رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ الحمدُ لله رب العالمين» رواه البخاري. وعنه رضي الله عنه قال «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكانوا لا يجهرون بـ بسم الله الرحمن الرحيم» رواه أحمد وابن حِبَّان على شرط مسلم.

ص: 192

فهذه أربع روايات صحيحة وردت في الإسرار بالبسملة في الصلاة من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه. وروت عائشة رضي الله عنها «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح القراءة بـ الحمدُ لله رب العالمين» رواه أحمد. ورواه مسلم وابن حِبَّان بلفظ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ الحمدُ لله رب العالمين

» . وعن ابن عبد الله بن مغفَّل قال «سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال لي: أَيْ بني مُحْدَثٌ، إياك والحَدَثَ، قال: ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغضَ إليه الحَدَث في الإسلام، يعني منه، وقال: وقد صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم اسمع أحداً منهم يقولها فلا تقُلْها، إذا أنت صليت فقل الحمدُ لله ربِّ العالمين» رواه الترمذي. وقال (حديث عبد الله بن مغفَّل حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين) . ورواه أحمد. وقد رماه الفريق الآخر بالضعف لأن في إسناده ابن عبد الله بن مُغفَّل، قالوا إنه مجهول، والجواب على هذه الشبهة أن ابن عبد الله اسمه يزيد ذكره الطبراني وأحمد، فانتفت الجهالة عن الراوي هذا. وروى البزَّار عن ابن عباسٍ «أنه سُئل عن الجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: كنا نقول هي قراءة الأَعراب» . فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة والحسنة تقول بالإسرار، فيتعين الأخذ بها، ولا يصح تجاهلها أو إهمالها، أو ردها وإبطالها.

ص: 193

وقد حاول ابن عبد البر رمْيَ حديث مسلم بالاضطراب ومن ثَمَّ بالضعف والرَّدِّ، فتعقَّبه الحافظ ابن حجر في فتح الباري مفنِّداً هذه التهمة قائلاً بعد ذلك (فاندفع بهذا تعليلُ من أعلَّه بالاضطراب كابن عبد البَر) ذلك أن الفريق الآخر القائل بالجهر لم يستطع التعامل مع هذه الأحاديث الصحيحة والحسنة بما يجب من الاعتبار فضلاً عن انهم استدلوا على قولهم بالجهر بأحاديث منها الضعيفة، ومنها ما يحتاج إلى تأويل، ولم يُورِدوا أيَّ حديث صحيح واضح الدلالة على ما يقولون، فقد استدلوا بما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بـ بسم الله الرحمن الرحيم» رواه الترمذي. وبما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أُنزلت عليَّ آنفاً سورةٌ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها

» رواه أبو داود. وبما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول «الحمد لله رب العالمين سبعُ آيات إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم، وهي سبع المثاني والقرآن العظيم، وهي أم القرآن وفاتحة الكتاب» رواه الطبراني. وبما روته أم سلمة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدَّها آية، والحمد لله رب العالمين آيتين، وإياك نستعين وجمع خمس أصابعه» رواه ابن خُزَيمة. وبما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم» رواه أبو داود. وبما رواه علي رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم في السورتين معاً» رواه الدارقطني. وبما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر في الصلاة بـ بسم الله الرحمن الرحيم» رواه الدارقطني. وبما رواه ابن عمر

ص: 194

رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة بدأ بـ بسم الله الرحمن الرحيم» رواه الطبراني.

وقد جمع الدارقطني الأحاديث القائلة بالجهر بالبسملة في الصلاة أو التي استدل بها من قال بذلك فزادت على العشرين حديثاً، واستدلوا أخيراً بما رواه نعيم المُجْمِر رضي الله عنه قال «صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، حتى إذا بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين، فقال الناس آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، وإذا سلَّم، قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهُكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه النَّسائي والحاكم والبيهقي. واستدلوا بأحاديث أخرى غيرها لا تخرج عن هذه الأحاديث من حيث الإسناد أو المتون ضربنا عنها صفحاً خشيةَ الإطالة، ولأنها لا تضيف إلى هذا البحث فائدة.

فنقول لهؤلاء: أما حديث ابن عباس عند الترمذي فقال الترمذي عنه (إسناده ليس بذاك) ورواه الدارقطني من عدة طرق كلها ضعيفة، فمثلاً في إسناد أحدها أبو الصَّلت الهَرَوي قال فيه العُقَيلي والدارقطني (رافضيٌّ خبيث) وفي إسناد آخر أبو خالد مجهول، وفي إسناد آخر عمر بن حفص ضعيف، قال ابن الجوزي عنه (أجمعوا على ترك حديثه) وأما حديث أنس عند أبي داود فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرأ البسملة في غير الصلاة، فيصلح هذا الحديث للاستدلال به على المسألة الثانية من المسائل الثلاث التي أشرنا إليها، ولا يصلح للاستدلال به على البسملة في الصلاة.

ص: 195

وأما حديث أبي هريرة عند الطبراني فإنه في مسألة العقيدة وليس في مسألتنا، ثم هو معارَض بحديث أصح إسناداً منه، فقد روى أبو هريرة نفسه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، ثلاثاً غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنَّا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قُسِمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم، قال الله تعالى أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين، قال مجَّدني عبدي، وقال مرة فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب علهم ولا الضالين، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» رواه مسلم. فهذا الحديث استدل به القائلون بأن البسملة ليست من سورة الفاتحة، إذ لو كانت البسملة آية من الفاتحة حسب فهمهم لذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض قِسمة آيات الفاتحة قسمين، فهذا الحديث الذي يرويه أبو هريرة يعارض الحديث الذي رواه الطبراني من طريق أبي هريرة نفسه، وهو أقوى منه إسناداً وأصح بلا شك، إضافةً كما قلتُ من قبلُ إلى أن كِلا الحديثين ليسا في موضوعنا [الجهر بالبسملة في الصلاة] .

ص: 196

وأما حديث أم سلمة عند ابن خُزَيمة فإنه يدل على أن البسملة آية من الفاتحة، فإذا قرأ المصلي الفاتحة قرأ البسملة دون أن يتطرق الحديث هذا إلى مسألة الجهر أو الإسرار عند القراءة فلا دلالة فيه على مسألتنا، وأما حديث ابن عباس عند أبي داود فيصلح للاستدلال به على المسألة الأولى دون مسألتنا، وأما حديث عليٍّ عند الدارقطني فقد رواه الدارقطني من عدة طرق بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة. فمثلاً في سند إحداها عيسى بن عبد الله قال عنه الدارقطني (متروك الحديث) وقال ابن حِبَّان (يروي عن آبائه أشياءَ موضوعة) وفي سند طريق ثانية أحمد المقري قال عنه الدارقطني (ليس بثقة) ، وفي سند طريق ثالثة لعلي وعمَّار معاً عمرو بن شمر وجابر الجُعفي ضعيفان، قال الحاكم (عمرو بن شمر كثير الموضوعات عن جابر وغيره

) وقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجُعفي. وأما حديث ابن عمر عند الطبراني ففيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري قال الهيثمي عنه (ضعيف جداً) وأما أحاديث الدارقطني التي زادت على العشرين فليس منها حديث واحد صحيح، وما حديثُ عليٍّ بطرقه المختلفة إلا نموذجٌ لها فلا تقوى مجتمعة على معارضة أحاديث الإسرار الصحيحة والحسنة، فجميع هذه الأحاديث التي تناولتها بالتعليق إما ضعيفة وضعيفة جداً، وهي الأكثرية، وإِما أنها جاءت في غير مسألتنا [الجهر بالبسملة في الصلاة] فهي قد جاءت في المسألة الأولى أو في المسألة الثانية، فلا تصلح مطلقاً لمعارضة أحاديث الإسرار بالبسملة في الصلاة.

وهكذا لم يبق من أحاديثهم ما يصلح للاستدلال به على مسألتنا إضافةً إلى صلاحه للاحتجاج سوى حديث نعيم المُجْمِر عند النَّسائي والحاكم والبيهقي، فهذا الحديث قال عنه ابن حجر (هو أصح حديث ورد في ذلك يعني في الجهر بالبسملة) وهو يتناول مسألتنا بشكل واضح، فلْنقف معاً عند هذا الحديث.

ص: 197

أولاً: لقد روى جماعة غير نعيم عن أبي هريرة رواية بدون ذكر البسملة، مما يجعلنا نشك في هذه الرواية.

وثانياً: إن الحديث يذكر فعلاً لصحابي هو أبو هريرة، وفعل الصحابي ليس دليلاً، وإنما هو حكم شرعي يجوز تقليده، فلا يصمد أمام النصوص، أي الأدلة التي جاءت أفعالاً للرسول صلى الله عليه وسلم يجب أخذها والعمل بها.

وثالثاً: أما قول أبي هريرة في آخر الحديث «إني لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم» مما يجعل بعضهم يعطيه صفة الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فغير مسلَّم به عندنا، إذ هناك فارق بين قول أبي هريرة (إني أشبهُكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم) وبين أن يقول مثلاً (إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلى كما صليت) فالعبارة الأولى محتملة الدلالة وليست قطعية، لأن التشابه بين صلاتين غير المماثلة بينهما، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال كما هي القاعدة الأصولية.

ورابعاً: إن هذا الحديث يذكر أن أبا هريرة قد قرأ البسملة وقرأ الفاتحة، وعطف قراءة الفاتحة على قراءة البسملة بـ ثمَّ، مما يدل على المغايرة بين البسملة والفاتحة، إذ لو كانت البسملة من الفاتحة لما عطف إحداهما على الأخرى، فالحديث حجَّة على القائلين بالجهر أكثر مما هو حجة لهم.

وخامساً: إن هذا الحديث يذكر أن أبا هريرة قد قرأ البسملة دون أن يبين لنا إن كانت القراءة جهراً أو مخافتة، ونحن لا نبحث عن أدلة على قراءة البسملة هنا، وإنما نبحث عن أدلة الجهر بها، فالقراءةُ لها شئ، والجهرُ بقراءتها شئ آخر، وهذا الحديث لم يتطرق إلى مسألة الجهر، فلا يصلح دليلاً على الجهر بالبسملة بحال من الأحوال. وهكذا يتضح تماماً أن هذا الحديث لا يقوى على الصمود أمام الأحاديث الصحيحة والحسنة القائلة بالإسرار بالبسملة في الصلاة.

ص: 198

إن قولي بالإسرار بالبسملة في الصلاة لا يعني أنني من أصحاب القول بأن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من سور القرآن، ذلك أنني كما قلت سابقاً قد فَصَلتُ بين المسألة والأخرى من المسائل الثلاث، فالقول بالجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية لا يجب أن يُحمل على أن ذلك يعني اعتبار البسملة من الفاتحة، والقول بالإسرار لا يعني أن البسملة ليست من الفاتحة، فالجهر والإسرار أمران مختلفان عن القول بأن البسملة آية من الفاتحة أو أنها ليست آية منها، ولا يصلح إثبات الجهر أو إثبات الإسرار على إلحاق البسملة بالفاتحة أو إخراجها منها.

وقد انقسم أصحاب القراءات قسمين: قسم يقول بإثبات البسملة كآية من الفاتحة ومن السور الأخرى باستثناء سورة براءة منهم: ابن كثير وقالون وعاصم والكسائي، وقسم يقول بحذفها عند قراءة القرآن حين وصْلِ السور منهم: أبو عمرو وحمزة ووَرْش وابن عامر. وانقسم الأئمة الأربعة أيضاً قسمين: القسم الأكثر يقول بالإسرار بالبسملة وهم: أبو حنيفة ومالك وأحمد، والقسم الأقل يقول بالجهر وهو الشافعي وحده. وانفرد أهل الظاهر وهم داود وجماعته بالقول إن البسملة آية تشكل بمفردها سورة مستقلة من القرآن ليست تابعة لأية سورة أخرى، وهو ظاهر الخطأ.

وانقسم الفقهاء حيال قراءة البسملة ثلاثة أقسام: قسم يقول بوجوب قراءتها لأنها من الفاتحة، وقسم يقول باستحباب قراءتها، وقسم ثالث يقول بكراهة قراءتها وأن ذلك بدعة، وهو ظاهر الخطأ. وأنا أقول بوجوب قراءتها، فالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يقرأونها في صلاتهم، ولم يُعرف أنهم تركوا قراءتها مطلقاً، وإنْ هم كانوا يقرأونها في السِّر، فالقراءة بها سراً لا يعني عدم الوجوب، بل لا بد من قراءة البسملة عند قراءة الفاتحة، وتكون القراءة سراً لا جهراً ندباً واستحباباً.

ص: 199

بقيت مسألةٌ في الإسرار هي: هل الإسرار يعني إخفاءً للصوت إخفاءً تاماً، أم أن الإسرار يعني خفض الصوت بحيث يتميز عن الجهر؟ إن جمهرة الفقهاء أخذوا بالمعنى الأول، وأن الإسرار يعني كتمان الصوت وإخفاءه إخفاء تاماً، مستدلين بما رواه أنس «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» رواه مسلم. فذكر «فلم أسمع أحداً منهم يقرأ» . وأن هذا هو مقابل الجهر استدلالاً بما رُوي عن أنس رضي الله عنه قال «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وكانوا لا يجهرون بـ بسم الله الرحمن الرحيم» رواه أحمد. فذكر «وكانوا لا يجهرون» فأخذوا من النَّصَّين أن إعلان الصوت يعني الجهر وأن كتمانه يعني الإسرار، فعندما مرَّت عليهم أحاديث تقول بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم البسملة في الصلاة مثل حديث أُم سلمة الذي رواه ابن خُزَيمة مثلاً «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدَّها آية

» . وقد مرَّ قبل قليل، اتخذوها أدلة على الجهر بالبسملة في الصلاة قائلين إن المصلِّين ما كانوا ليسمعوا قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم لولا أنه جهر بها. واستناداً إلى هذه الأحاديث قال الشافعي ومعه عدد من الفقهاء منهم إسماعيل بن حماد وأبو خالد الوالبي الكوفي بالجهر بالبسملة في الصلاة.

فنقول لهؤلاء وأولئك إن الإسرار هو ضد الجهر، فالجهر هو رفع الصوت، والجهر في الصلاة الجهرية يعني رفع الصوت بحيث يصل إلى المأمومين، فيسمع صوتَ الإمام في القراءة المصلُّون في جميع الصفوف أو في معظمها، لأن المطلوب من الإمام إسماعُ المصلين، فيجهر بالصلاة ليُسمعهم قراءته، والخطيب إذا خطب الناس رفع صوته بحيث يجعلهم يسمعون خطبته.

ص: 201

هذا هو الجهر، يقابله الخفض والإسرار، فعندما يصلي الإمام صلاة سرية كأن يصلي صلاة الظهر فإنه لا يرفع صوته بالقراءة ليُسمع المصلين وإنما يقرأ لنفسه، ولا يعني أنه يقرأ لنفسه أنه يُحظر عليه أن يُسمِع صوتَه المصطفِّين خلفه مباشرة، فلو سمع المصطفُّون خلف الإمام نبرات قراءة الإمام وتبينوا منها أنه يقرأ، بل وسمعوا قراءته الخفيضة فإن ذلك لا يتناقض مع الإسرار، ولا يعتبر هذا الفعل جهراً بالقراءة، والدليل على ما نقول ما رواه أبو قتادة رضي الله عنه، قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة ويُسمعنا الآية أحياناً» رواه البخاري. فهنا صلى الرسول صلى الله عليه وسلم الظهر وهي صلاة سرية، وصلى العصر وهي أيضاً صلاة سرية، ومع ذلك قال الحديث «يقرأ في الركعتين» وذكر أنه قرأ فاتحة الكتاب وسورة سورة، وما كان للراوي أن يعلم بقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم لولا أنه يسمعها، وأوضح من ذلك في الدلالة قوله «ويُسمعنا الآية أحياناً» فكيف يَسمع المصلون قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاتي الظهر والعصر السريتين؟ إنهم يسمعون القراءة سماعاً متقطعاً، فمرة يَسمعون وأخرى لا يسمعون بدلالة قوله «ويُسمعنا الآية أحياناً» وما كان ذلك ليكون لو كانت القراءة في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم كما يفهمون الإسرار.

ص: 202

ولا يكون ذلك أيضاً لو كانت قراءته عليه الصلاة والسلام جهرية، فالإسرار عندهم يعني عدم السماع، والجهر عندنا وعندهم يعني السماع التام، وهنا حصل سماع غير تام، أي حصل الإسرار بالمعنى الذي نذهب إليه. وعن البراء رضي الله عنه قال «كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات» رواه النسائي. أليس هذا النص دليلاً ظاهراً صريحاً على معنى الإسرار؟ إن الصلاة في الظهر وفي العصر صلاة سرية أي أن القراءة فيها تكون بالإسرار ومع ذلك جاء في الحديث الأول «ويُسمعنا الآية أحياناً» وجاء في الحديث الثاني «فنسمع منه الآية بعد الآيات» مما يدل دلالة بادية القوة والوضوح على أن الإسرار يعني خفض الصوت وليس كتمانه بالكليَّة، وأن الاستدلال بهذه النصوص على الجهر في الصلاة السرية استدلال خاطئ، وإلا لما قلنا إن الصلاة في الظهر وفي العصر صلاة سرية.

ص: 203

وأيضاً فقد رُوي عن أبي عبد الله الصُّنابحِيِّ أنه قال «قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصِّدِّيق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة وسورة من قصار المُفَصَّل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمسَّ ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن وبهذه الآية {ربَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} » رواه مالك. استمع إليه يقول «ثم قام في الثالثة

فسمعته قرأ بأُمِّ القرآن وبهذه الآية

» والركعة الثالثة في صلاة المغرب تكون القراءة فيها بالإسرار قطعاً، ولا يُتصور أن يصليها أبو بكر رضي الله عنه جهراً، ومع هذا الإسرار فإن الصُّنابحِي قد سمعه يقرأ عندما دنا منه، مما يؤكد بما لا يدع مجالاً لخطأ أن الإسرار يعني خفض الصوت وليس كتمانه في هذه الأحاديث. ثم إن قوله هنا «فسمعته قرأ» يدل على أن (القراءة) لا تعني بالضرورة (الجهر) كما فسروها عند الاستدلال بحديث أم سلمة وغيره، ولهذا فإن أي حديث يذكر قراءة البسملة في الصلاة لا يصلح مطلقاً للاستدلال به على الجهر بها، فمن أسرَّ بها قرأ ومن جهر بها قرأ، فالقراءة تكون جهراً وتكون إسراراً، فيسقط استدلالهم بالأحاديث الناطقة بقراءة البسملة على دعواهم بالجهر بها، قال تعالى {وإذْ أَسَرَّ النبيُ إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيْثَاً

} الآية 3 من سورة التحريم. فهذه الآية دلَّت على ما نذهب إليه من معنى الإسرار وهو خفض الصوت وليس كتمانه بالكلية، إذ عندما سمع مَن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة بالإسرار ونقل أنه سمع البسملة، أو نقل أنه سمع قراءة البسملة ظن بعضهم أن ذلك دالٌّ على الجهر بها فقالوا بالجهر بالبسملة في الصلاة، ولو أدركوا معنى الإسرار حقيقة لما قالوا ما قالوا، ولما اضطروا إلى معارضة الأحاديث الصحيحة والحسنة القائلة بالإسرار.

ص: 204