الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون التيمُّم من الجنابة والحيض والنفاس كما يكون من الحَدَث الأصغر، والتيمُّم من الجنابة والحيض والنفاس ينقضه ما ينقض الغسل سواء بسواء، والتيمُّم من الحَدَث الأصغر ينقضه ما ينقض الوضوء سواء بسواء باستثناء وجدان الماء، فهو ناقض لكليهما، ثم زوال العذر المبيح للتيمُّم، فإذا تيمم من الجنابة ثم أحدث حَدَثاً أصغر كأن بال أو تغوَّط انتقض تيمُّمه عن الحَدَث الأصغر، ولم ينتقض تيمُّمه عن الجنابة، وذلك أن ناقض الحَدَث الأصغر ينقض الوضوء لا الغُسل، وبالتالي ينقض ما يقابله، والجماع مثلاً ينقض الطهارة من الحَدَث الأكبر، ولا يصح أن يقال إن البول ينقض التيمُّم القائم مقام الغُسل من الجنابة، كما يقول المالكية الذين قالوا إن البول مثلاً ينقض التيمُّم من الجنابة ومن الحَدَث الأصغر معاً، أي يعود جُنُباً.
ولست أريد أن أرد على رأي المالكيين هذا بأكثر من أن أقول إن التيمُّم من الجنابة يقوم مؤقتاً مقام الغُسل من الجنابة ويأخذ أحكامه، والمعلوم أن البول مثلاً ينقض الوضوء ولا ينقض الغُسل، فوجب القول بذلك أيضاً بخصوص التيمُّم من الحدثين الأكبر والأصغر.
متى يُشرع التيمُّم
؟
يُشرع التيمم في حالتين اثنتين: حالة فقد الماء، وحالة وجود العذر المانع من استعمال الماء مع وجوده. ونفصِّل القول في هاتين الحالتين:
أولاً: حالة فقد الماء وهي الأصل. وهذه الحالة كما تكون في السفر تكون في الحضر وإن كان الأصل فيها أن تكون في السَّفر، لأنه قَلَّما يُفقد الماء في حالة الحضر، ولذا إذا أريد ذِكْرُ فَقْدِ الماء ذُكِرَ بدلَه السفرُ للتغليب، وإذا أريد ذِكر وجود الماء ذُكر بدله الحضر للتغليب كذلك، وهذا يعني أنه إذا ذُكِر السَّفر كسببٍ مبيحٍ للتيمُّم فإن ذلك لا يعني أن السفر بذاته سبب مبيح، وإنما السبب هو فقد الماء فيه، وإذا ذُكر الحضر كسببٍ مانع من التيمُّم فإن ذلك لا يعني أن الحضر في ذاته مانع، وإنما المانع هو وجود الماء فيه. هكذا ينبغي أن تفهم النصوص الشرعية من آيات وأحاديث، وهكذا ينبغي أن تفهم أقوال الأئمة والفقهاء. والأدلة على أن فقد الماء سببٌ مبيحٌ للتيمُّم هي:
1-
قوله تعالى {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَو على سَفَرٍ أو جَاء أَحَدٌ مِنْكُمْ مِن الغَائِطِ أَو لامَسْتُم النِّساءَ فلم تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيْداً طَيِّباً} الآية 6 من سورة المائدة.
2-
عن عمران بن حصين قال «كنا في سفَر مع النبي صلى الله عليه وسلم
…
فصلى بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجلٍ معتزل لم يُصلِّ مع القوم قال: ما منعك يا فلان أن تصلى مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك
…
» رواه البخاري وأحمد. وقد مرَّ.
3-
عن أبي ذر قال «إني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذَودٍ من إبلٍ وغنمٍ فكنت أكون فيها، فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتُصيبني الجنابة، فوقع في نفسي أني قد هلكت، فقعدت على بعير منها، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وقلت: يا رسول الله هلكت، قال: وما أهلكك؟ فحدثته فضحك
…
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من القوم فسترني، فاغتسلت ثم أتيته، فقال: إن الصعيد الطيب طَهورٌ ما لم تجد الماء ولو إلى عشر حجج، فإذا وجدت الماء فأَمِسَّ بشرتك» رواه أحمد وأبو داود والدارقطني والنَّسائي. والرجل المجهول في سند أحمد هو عمرو بن بجدان كما جاء في رواية النَّسائي والدارقطني.
قوله في حديث عمران «أصابتني جنابة ولا ماء» يدل على أن فقد الماء هو سبب قوله «عليك بالصعيد» وقولُه تعالى {فلم تَجِدُوا ماءً} هو ذكرٌ لسبب قوله تعالى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيْداً طَيِّباً} . وقولُه في حديث أبي ذر «فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة» سببٌ لقوله «إن الصعيد الطيب طَهور ما لم تجد الماء» بل إن الجواب نفسه يحمل السبب أيضاً، فقد جعلت هذه النصوص فَقْدَ الماء سبباً للتيمُّم كما هو ظاهر، وهذا لا يختلف فيه اثنان من المسلمين.
وتشمل حالة فَقْدِ الماء عدم وجوده في المكان فعلاً، أو وجوده في مكانٍ ناءٍ لا يُوصَل إليه إلا بفَوْت الصلاة، أو حصول مشقة في الوصول إليه لبعده، أو فَوْت الرفقة فيما لو طلبه، أو وجود زحام مانع من الحصول عليه خلال الوقت، أو وجود عدوٍّ من إنسان أو حيوان يحول بينه وبين الحصول عليه، أو وجوده في بئر لا يوصل إلى مائها إلا بدلو وحبل ولا دلو ولا حبل لديه، أو أن يكون سجيناً محجوزاً عن الماء القريب منه، أو وجود قلَّة منه لا تكفي لغير شربه وتحضير طعامه أو طعام رفقائه في سفره أو شُرب دوابه، ويدخل في هذه الحالة ما إذا كان الماء موجوداً ولكن لا يحصل عليه إلا بثمن أكثر من ثمن المثل، فهذه كلها تدخل تحت حالة فقد الماء المبيحة للتيمُّم.
ثانياً: وجود العذر المانع من استعمال الماء. وهذه الحالة تشمل:
أ- المريض الذي يتضرر من استعمال الماء بزيادة العلَّة أو تأخُّر الشفاء.
ب- الجريح الذي يخشى من تأخر التئام جُرحه أو زيادة العلَّة، أو حصول أَلمٍ بليغ من ملامسة الماء لجراحه.
ج- من كان في ليلة شديدة البرد ولا يجد سوى ماء شديد البرودة، وليست عنده نار لتسخينه، بحيث لو اغتسل منه ناله ضرر في بدنه، أو خشي على نفسه الهلاك.
والأدلة على ذلك ما يلي:
1-
قوله تعالى {وإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى
…
} .
2-
عن جابر قال «خرجنا في سفَر، فأصاب رجلاً منا حجرٌ فشجَّه في رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمُّم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شِفاء العِيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمَّم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود والبيهقي. وصححه ابن السكن.
3-
عن عمرو بن العاص قال «احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقتُ إنْ اغتسلتُ أن أهلك فتيمَّمت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جُنُب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول ـ ولا تقتلوا أنفسَكم إن الله كان بكم رحيماً ـ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً» رواه أبو داود والدارقطني وابن حِبَّان والحاكم. ورواه البخاري تعليقاً.
الآية الكريمة في البند الأول دليل على العذر الأول. والحديث رقم 2 دليل على العذر الثاني. والحديث رقم 3 دليل على العذر الثالث. ويستفاد من هذه النصوص أيضاً ما يلي:
1-
إن العذر الثالث يختص بالتيمُّم بدل الغُسل، وليس بدل الوضوء، لأن الوضوء بالماء البارد لا يُتصور فيه أن يلحق الضرر في البدن أو يهلك النفس.
2-
إن الجرح لا يكفيه أن يُتيمَّم له فحسب، بل لا بد من أن يضم إلى التيمُّم عَصْب الجرح والمسحَ عليه، ثم غسل سائر جسده في الغسل من الجنابة ونحوها، أو المسح عليه والإتيان بسائر أفعال الوضوء، ودليله النص الثاني. أما إن كان الغسل يُلحق ضرراً بالجرح كمن أُجريت له عمليةُ شقِّ بطنٍ أو صدر فإن التيمُّم يكفيه لإزالة الجنابة، ودليله النص الثالث.
مسألة
إذا زال العذر المانع من استعمال الماء بطل التيمُّم فوراً، ووجب أن يغتسل بالماء، أو يتوضأ بالماء على حسب حاله.
مسألة
التراب والرمل وسواهما مما يُتَيمَّم به يجوز التَّيمُّم به مرَّات ومرَّات، ولا يُفقده استعماله في التيمُّم طُهوريته وصلاحه للتيمُّم ثانية وثالثة، ولم يرِد أيُّ دليل يمنع من استعماله أكثر من مرة، فيبقى على طُهوريته.
مسألة