الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما يجوز تحويل مقابر الكفار إلى مساجد بعد نبشها وتنظيفها من رُفاتهم، فقد روى أنس رضي الله عنه في قصة بناء الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده عند قدومه إلى المدينة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يا بني النجار ثامِنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين، وفيه خِرَبٌ، وفيه نخل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنُبشت ثم بالخِرَب فسُوِّيت، وبالنخل فقُطع، فصفُّوا النخل قِبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون
…
» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنَّسائي.
ولا يكون هذا التحويل لمعابد الكفار جبراً عنهم وتعدياً على حقوق أهل الذمة في العبادة، فإن هذا لا يجوز شرعاً، وإنما يجوز ذلك بعدما يُسلم الكفار، أو يهجروا المعبد، أو يكونوا قد بنوا معبدهم خلاف أحكام أهل الذمة، ففي هذه الحالات يقوم المسلمون بتحويل هذا المعبد إلى مسجد، أو إلى أية دائرة من دوائر الدولة.
الفصل الثالث
الأذان: حكمُها وألفاظُه
فرضُ الأذان وألفاظُه
فُرِض الأذان في السنة الأولى للهجرة في المدينة المنورة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال «كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيَّنون الصلوات وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتَّخِذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قَرناً مثل قَرن اليهود، فقال عمر: أَوَلا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فنادِ بالصلاة» رواه مسلم والبخاري وأحمد والنَّسائي والترمذي. وقد رأى صيغةَ الأذان صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فأقرَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بلالاً ينادي بها بالصلاة، فعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه قال «لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس لِيُضرَبَ به للناس في الجمع للصلاة - وفي رواية وهو كاره لموافقته النصارى - طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: ما تصنع به؟ قال فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خير من ذلك؟ قال فقلت له: بلى، قال تقول:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أنَّ محمداً رسول الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله
حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة
حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله
ثم استأخر غير بعيد، ثم قال: تقول إذا أُقيمت الصلاة:
الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أنَّ محمداً رسول الله
حيَّ على الصلاة
حيَّ على الفلاح
قد قامت الصلاةُ، قد قامت الصلاةُ
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله
فلما أصبحتُ أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لَرُؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فأَلقِ عليه ما رأيت فَلْيُؤذِّن به فإنه أندى صوتاً منك، قال فقمت مع بلال، فجعلت أُلقيه عليه ويُؤذِّن به، قال فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيتُ مثل الذي أُرِي، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلله الحمد» . وعنه من طريق ثان بنحوه - وزاد «ثم أمر بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، قال، فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاةُ خيرٌ من النوم، قال سعيد بن المسيِّب: فأُدخلتْ هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر» رواه أحمد وابن ماجة وابن خُزَيمة وابن حِبَّان. وأخرج الطريق الثانية أحمد والحاكم.
حديث عبد الله بن زيد هذا يذكر كلمات الأذان - وهو ما كان بلال يؤذِّن به - خمس عشرة، ويذكر كلمات الإقامة إحدى عشرة، وهذا هو ما نذهب إليه ونقول به فبلال رضي الله عنه كان مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، وإذن فإن أذان بلال هو المعتبر والأخذ به متعيِّن.
إلا أن عدداً من الأئمة والفقهاء لم يأخذوا بهذا الأذان، وإنما أخذوا بأذان أبي محذورة، بدعوى أن أبا محذورة تعلَّم الأذان عند فتح مكة في السنة السابعة للهجرة، في حين أن أذان عبد الله بن زيد قد شُرع عند بدء الهجرة، فيكون أذان أبي محذورة متأخراً على أذان عبد الله بن زيد، فوجب عندهم الأخذ به - أعني أذان أبي محذورة.
والناظر في الأحاديث يجد أن الروايات عن أبي محذورة لم تتفق على صيغة واحدة كما هو الحال في الروايات عن عبد الله بن زيد، فنجد روايةً تأتي بتسع عشرة كلمة، وأخرى تأتي بسبع عشرة. فعن أبي محذورة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، الأذان:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله
حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة
حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله
والإقامة:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله
حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة
حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله»
رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي والترمذي والدارمي. وقد أخذ الإمام الشافعي بهذه الصيغة للأذان، أي بصيغة التسع عشرة كلمة. وعن أبي محذورة «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علَّمه هذا الأذان.
الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله
ثم يعود فيقول:
أشهد أن لا إله إلا الله ــ مرتين
أشهد أن محمداً رسول الله ــ مرتين
حيَّ على الصلاة ــ مرتين
حيَّ على الفلاح ــ مرتين
زاد إسحق:
الله أكبر ــ الله أكبر
لا إله إلا الله»
رواه مسلم والنَّسائي. وقد أخذ الإمام مالك بهذه الصيغة للأذان، أي بصيغة السبع عشرة كلمة.
وإذن فإن الروايات المروية عن أبي محذورة لم تتفق على صيغة واحدة، في حين أن الروايات المروية عن عبد الله بن زيد قد جاءت بصيغة واحدة، هي صيغة خمس عشرة كلمة للأذان، وهذا مرجِّح معتبر.
ثم إن الناظر المدقق في روايات أبي محذورة يجد أنه يمكن الجمع بينها وبين رواية عبد الله ابن زيد لتصبح الصيغة المشتركة بينها جميعاً خمس عشرة كلمة، وذلك بالقول إن التكرار الوارد في روايات أبي محذورة - أعني تكرار الشهادتين - ليس القصد منه أن يكون ثابتاً مكرَّراً في الأذان كما فهم الكثيرون، وإنما حصل هذا التكرار من أجل التعليم، فالرسول عليه الصلاة والسلام عندما لقَّن أبا محذورة كلمات الأذان، ونطق أبو محذورة بالشهادتين، نطقهما بصوت منخفضٍ مغايرٍ لصوته عند النطق بالتكبير، فأمره بالإعادة وأن يرفع صوته، فظنَّ أن تكرار النطق بالشهادتين مقصودٌ لذاته وليس ذلك كذلك، وإنما هو من فعل معلِّم مع تلميذه عندما يؤدي التلميذُ المطلوبَ منه بشكل خاطئ، فيقوم المعلم بتصحيحه بالأمر بالإعادة، وبهذا الفهم نقوم بالجمع بين روايات أبي محذورة وعبد الله بن زيد بخصوص كلمات الأذان.
استمعوا إلى أبي محذورة وهو يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم «علَّمه هذا الأذان» ، «علَّمه الأذان» ووقع في رواية عند النَّسائي «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اذهب فأذِّن عند البيت الحرام، قلت: كيف يا رسول الله؟ فعلَّمني كما تؤذِّنون الآن بها» . ثم إن النَّسائي أورد رواية أخرى ذكر فيها كيف التقى أبو محذورة برسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ ببعض طريق حنين، إلى أن قال «
…
فألقى عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه، قال قل:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله
ثم قال: ارجع فامْدُد صوتك، ثم قال قل:
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله
حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة
حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله،
ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صُرةً فيها شئ من فضة
…
» . ووقع في رواية لأبي داود «ثم ارجع فمُدَّ من صوتك» وفي رواية لأحمد «ارجع فامْدُدْ من صوتك» وفي رواية لابن ماجة «ارفع من صوتك» . فقوله (ارجع) واضح فيه التعليم، وأنه أراد من أبي محذورة أن يتدارك الخطأ في الأداء بالعودة إلى الأداء الصحيح، وهو رفع الصوت ومدُّهُ عند التأذين، وإذن فإن القصد من التكرار هو تصويب الخطأ في الأداء، وليس زيادة كلماتٍ بتكرارها بالأذان، وبهذا الفهم يصبح أذان أبي محذورة كأذان عبد الله بن زيد تماماً خمسَ عشرةَ كلمةً، والجمع بين الأحاديث واجب ما دام ممكناً، وهنا أمكننا أن نجمع بين الروايات المنقولة عن أبي محذورة وعن عبد الله بن زيد. وقد ذهب الأحناف إلى هذا الفهم.
وإذا أُذِّن لصلاة الصبح زيدت كلمة [الصلاةُ خيرٌ من النوم] مرَّتين عقب كلمة [حيَّ على الفلاح] لما جاء في حديث عبد الله بن زيد، ولما روى أبو محذورة رضي الله عنه قال «قلت: يا رسول الله علِّمني سُنَّة الأذان، قال
…
فإن كان صلاةُ الصبح قلتَ: الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم» رواه أبو داود وأحمد وابن حِبَّان والبيهقي وابن خُزيمة. ولما روى أبو محذورة رضي الله عنه قال «كنت أُؤَذِّن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح، فإذا قلتُ: حيَّ على الفلاح قلتُ: الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم، الأذان الأول» رواه أحمد والنَّسائي والبيهقي. ولما رُوي عن أنس أنه قال «من السُّنَّة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حيَّ على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم» رواه ابن خُزيمة والدارقطني.