الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك أن الأحاديث كلها صحيحة وليس فيها نسخ، ودلالاتها واضحة لا تحتمل التأويل، ولولا ما قلته من جُزْئية سجود السهو للصلاة مما جعلني أقول بأفضلية السجود قبل التسليم لأخذت بهذا الرأي، وعلى أية حال فالرأيان متقاربان.
ونأتي الآن إلى مسألة التشهد في سجود السهو. قال ناس بوجوب التشهُّد عقب سجدتي السهو، مستدلين بأحاديث أظهرها وأقواها سنداً ما رواه عمران بن حصين رضي الله عن «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلَّم» رواه أبو داود والترمذي والحاكم وابن حِبَّان. وما سوى هذا الحديث فأحاديث ضعيفة لا يُعتدُّ بها. وهذا الحديث وإن صححه ناس فقد ضعفه ناس آخرون منهم البيهقي وابن عبد البَرِّ وابن حجر، فلا أراه يصلح للاستدلال. وتبقى النصوص القائلة بسجود السهو خالية من ذكر التشهد. ثم إن سجود السهو في حقيقته هو جزء من الصلاة، والصلاة أية صلاة تختم بتشهُّدٍ واحد، فلا تحتاج هذه الصلاة إلى تشهدٍ ثانٍ، إلا أن تأتي النصوص الصحيحة بذلك، ولم ترد نصوص صحيحة بذلك.
وأخيراً أقول ما يلي: إذا نسي المصلي أن يجلس للتشهد، فأمكنه أن يأتي به قبل أن يقوم ويعتدل واقفاً فليفعل، أما إن قام واعتدل واقفاً فلا يصح له أن يعود للجلوس، بل يكمل صلاته ويسجد في نهايتها سجود السهو، وذلك لما رُوي عن عبد الرحمن بن شِماسة أنه قال «صلى بنا عقبة بن عامر، فقام وعليه جلوس، فقال الناس وراءه: سبحان الله فلم يجلس، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين وهو جالس فقال: أني سمعتكم تقولون: سبحان الله، كيما أجلس، وليس ذلك سنة، إنما السنة الذي صنعته» رواه ابن حِبَّان والحاكم والبيهقي.
العملُ عند حصول الشك في عدد الركعات
عند حصول الشك في أثناء الصلاة في عدد الركعات المُؤدَّاة منها، يجب على الشَّاكِّ أن يتحرى الصواب واليقين، فإن وصل إليهما بنى عليهما وأتمَّ صلاته ثم سجد سجدتي السهو، وإن هو لم يتوصل إلى الصواب واليقين وبقي الشك قائماً هل صلَّى ثنتين أم ثلاثاً، أو هل صلى ثلاثاً أم أربعاً أخذ بالأقل منهما، أي أخذ بالثنتين وطرح الثالثة، أو أخذ بالثلاث وطرح الرابعة، ثم بنى على ذلك وأتم صلاته، ثم سجد أيضاً سجدتي السهو، فقد مرَّ الحديث عند البخاري وغيره من طريق عبد الله رضي الله عنه وجاء فيه «
…
وإذا شك أحدكم في صلاته فلْيتحرى الصواب فلْيُتِمَّ عليه
…
» . كما مرَّ الحديث عند مسلم وغيره من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وجاء فيه «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يَدْرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فلْيطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين
…
» .
وهذا الشك وخفاء الصواب إنما هو من فعل الشيطان ووسوسته كما جاء في الحديث المارِّ قبل قليل عن أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم وغيره وجاء فيه «إن أحدكم إذا قام يصلي، جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى
…
» . فحتى يتخلص المسلم من هذا الشيطان أذكر لكم ما رُوي عن عثمان بن أبي العاص أنه قال «يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي، قال: ذاك شيطان يقال له خَنْزَب، فإذا أنت حسسته فتعوَّذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً، قال، ففعلتُ ذاك فأَذهبَ الله عز وجل عني» رواه أحمد.
الفصل السابع
القنوتُ والخشوع في الصلاة
تمهيدٌ