الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبى حَمزَةَ مَيمونٍ، عن إبراهيمَ، عن الأسوَدِ، عن عبدِ اللَّهِ أنَّه أمَرَ بإِفرادِ الحَجِّ، قال: نُسُكانِ أُحِبُّ أنْ يَكونَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما شَعَثٌ وسَفَرٌ
(1)
.
بابُ ما يَدُلُّ على أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أحرَمَ إحرامًا مُطلَقًا يَنتَظِرُ القَضاءَ، ثُمَّ أُمِرَ بإِفرادِ الحَجِّ ومَضَى في الحَجِّ
8891 -
أخبرَنا أبو عبدِ اللَّهِ الحافظُ، حدثنا أبو محمدٍ جَعفَرُ بنُ هارونَ النَّحْوِيُّ ببَغدادَ، حدثنا إسحاقُ بنُ صَدَقَةَ، حدثنا خالِدُ بنُ مَخلَدٍ، حدثنا سُلَيمانُ بنُ بلالٍ، حَدَّثَنِى يَحيَى بنُ سعيدٍ، حَدَّثَتنِي عمرَةُ بنتُ عبدِ الرَّحمَنِ قالَت: سَمِعتُ عائشةَ تَقولُ: خَرَجْنا مَعَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمسٍ بَقِينَ مِن ذِى القَعدَةِ لا نُرَى إلَّا الحَجَّ، حَتَّى إذا دَنَونا مِن مَكَّةَ أمَرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَن لَم يَكُنْ مَعَه هَدىٌ إذا طافَ بالبَيتِ - يَعنِى وبَينَ الصَّفا والمَروَةِ - أن يَحِلَّ. قالَت عائشَةُ: فدُخِلَ عَلَينا يَومَ النَّحرِ بلَحمِ بَقَرٍ، فقُلتُ: ما هَذا؟ فقيلَ: ذَبَحَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن أزواجِهِ. قال: فذَكَرتُ هذا الحديثَ لِلقاسِمِ بنِ محمدٍ فقالَ: واللَّهِ أتَتكَ بالحَديثِ على وجهِهِ
(2)
. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن خالِدِ بنِ مَخلَدٍ، ورَواه مسلمٌ عن القَعنَبِىِّ عن سُلَيمانَ
(3)
. وكَذَلِكَ رَواه مالكٌ
(1)
المصنف في المعرفة (2730)، والشافعي 7/ 190 بنحوه. وأخرجه ابن أبي شيبة (14503) من طريق أبى حمزة به بنحوه. وقال الذهبي 4/ 1744: أبو حمزة لين.
(2)
أخرجه أحمد (25619)، والنسائي (2649)، وابن ماجه (2981) من طريق يحيى به مختصرًا ومطولًا.
(3)
البخاري (1720)، ومسلم (1211/ 125).
وابنُ عُيَينَةَ وعَبدُ الوَهّابِ الثَّقَفِيُّ عن يَحيَى بنِ سعيدٍ
(1)
.
8892 -
وأخبرَنا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحافظُ، حدثنا أبو العباسِ محمدُ بنُ يَعقوبَ، حدثنا العباسُ بنُ محمدٍ الدّورِيُّ، حدثنا مُحاضِرٌ، حدثنا الأعمَشُ، عن إبراهيمَ، عن الأسوَدِ، عن عائشةَ قالَت: خَرَجْنا مَعَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا نَذكُرُ حَجًّا ولا عُمرَةً، فلَمّا قَدِمْنا أمَرَنا أن نَحِلَّ، فلَمّا كان لَيلَةُ النَّفْرِ حاضَت صَفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "حَلقَى عَقرَى
(2)
، ما أُراها إلَّا حابِسَتَكُم". قال:"هَل كُنتِ طُفتِ يَومَ النَّحرِ؟ ". قالَت: نَعَم. قال: "فانفِرِى". قالَت: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي لَم أكُنْ أهلَلتُ. قال:"فاعتَمِرِى مِنَ التَّنعيمِ". قال: فخَرَجَ مَعَها أخوها. قال: فلَقيَنا مُدَّلِجًا
(3)
فقالَ: "مَوعِدُكِ كَذا وكَذا"
(4)
. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن محمدٍ - يُقالُ: إنَّه ابنُ يَحيَى - عن مُحاضِرٍ، إلَّا أنَّه قال: خَرَجنا مَعَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا نَذكُرُ إلَّا الحَجَّ
(5)
.
8893 -
ورَواه عليُّ بنُ مُسهِرٍ عن الأعمَشِ بإِسنادِه، قالَت: خَرَجنا مَعَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُلَبِّى، لا نَذكُرُ حَجًّا ولا عُمرَةً. أخبَرَناه أبو عبدِ اللهِ الحافظُ،
(1)
مالك 1/ 393، ومن طريقه النسائي في الكبرى (4132)، وابن حبان (3929).
(2)
حلقى عقرى: أهلكها الله وأصابها بوجع في حلقها. وظاهره الدعاء وليس بدعاء. مشارق الأنوار 1/ 197.
(3)
أي أنهما لقيا النبي صلى الله عليه وسلم مدّلجًا - بتشديد الدال - أي: سائرًا آخر الليل. فتح الباري 3/ 595.
(4)
أخرجه النسائي (2717)، وابن ماجه (3073) من طريق الأعمش مختصرًا.
(5)
البخاري (1772). وفيه: "حللت". بدلًا من: "أهللت".
أخبرَنِي أبو الوَليدِ، حدثنا قاسِمُ بنُ زَكَريّا المُقرِئُ، حدثنا سوَيدُ بنُ سعيدٍ، حدثنا علىُّ بنُ مُسهِرٍ. فذَكَرَه
(1)
. رَواه مسلمٌ في "الصحيح" عن سُوَيدِ بنِ سعيدٍ
(2)
.
8894 -
ورَواه مَنصورٌ عن إبراهيمَ فقالَ في الحَديثِ: ولا نُرَى إلَّا أنَّه الحَجُّ. أخبَرَناه أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ محمدِ بنِ عليٍّ المُقرِئُ، أنبأنا الحَسَنُ بنُ محمدِ بنِ إسحاقَ، حدثنا يوسُفُ بنُ يَعقوبَ، حدثنا أبو الرَّبيعِ، حدثنا جَريرُ بنُ عبدِ الحَميدِ، عن مَنصورٍ. فذَكَرَه
(3)
. وقَد أخرَجاه في "الصحيح"
(4)
.
وكُلُّ ذَلِكَ يَرجِعُ إلَى مَعنًى واحِدٍ، واللَّهُ أعلَمُ.
8895 -
أخبرَنا محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ الحافظُ ويَحيَى بنُ إبراهيمَ بنِ محمدِ بنِ يَحيَى قالا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بنُ يَعقوبَ، أخبرَنا الرَّبيعُ بنُ سُلَيمانَ، أخبرَنا الشّافِعِيُّ، أخبرَنا سفيانُ، حدثنا ابنُ طاوُسٍ وإِبراهيمُ بنُ مَيسَرَةَ وهِشامُ بنُ حُجَيرٍ، سَمِعوا طاوُسًا يقولُ: خَرَجَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدينَةِ لا يُسَمِّى حَجًّا ولا عُمرَةً يَنتَظِرُ القَضاءَ، فنَزَلَ عَلَيه القَضاءُ وهو بَينَ الصَّفا والمَروَةِ، فأمَرَ أصحابَه مَن كان مِنهُم أهَلَّ بالحَجِّ ولَم يَكُنْ مَعَه هَدىٌ أنْ
(1)
أخرجه أبو عوانة (3392) من طريق على بن مسهر به.
(2)
مسلم (1211/ 129).
(3)
أخرجه أبو داود (1783)، والنسائي (2802) من طريق جرير به مختصرًا. وأحمد (26300) من طريق منصور به بنحوه.
(4)
البخاري (1561)، ومسلم (1211/ 128) من طريق جرير به. والبخاري (1762) من طريق منصور به.
يَجعَلَها عُمرَةً، وقالَ:"لَوِ استَقبَلتُ مِن أمرِى ما استَدبَرتُ لَما سُقتُ الهَدىَ، ولَكِنِّى لَبَّدتُ رأسِى وسُقتُ هَديِى، فليسَ لِى مَحِلٌّ إلَّا مَحِلُّ هَديِى". فقامَ إلَيه سُراقَةُ بنُ مالكٍ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، اقضِ لَنا قَضاءَ قَومٍ كأنَّما وُلِدوا اليَومَ؛ أعُمرَتُنا هذه لِعامِنا هذا أم لِلأبَدِ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"بَل لِلأبَدِ؛ دَخَلَتِ العُمرَةُ في الحَجِّ إلَى يَومِ القيامَةِ". قال: فدَخَل عليٌّ رضي الله عنه مِنَ اليَمَنِ، فسألَه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"بِمَ أهلَلتَ؟ ". فَقالَ أحَدُهُما: لَبَّيكَ إهلالَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. وقالَ الآخَرُ: لَبَّيكَ حَجَّةَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
8896 -
أخبرَنا السَّيِّدُ أبو الحَسَنِ العَلَوِيُّ، أخبرَنا عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ شُعَيبٍ البُزْمِهرانِيُّ
(2)
، حدثنا أحمدُ بنُ حَفصِ بنِ عبدِ اللهِ، حَدَّثَنِى أبى، حَدَّثَنِى إبراهيمُ بنُ طَهمانَ، عن جَعفَرِ بنِ محمدٍ، عن أبيه، عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصارِيِّ أنَّه قال: أقامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالمَدينَةِ تِسعَ حِجَجٍ لَم يَحُجَّ، ثُمَّ أذَّنَ في النّاسِ بالحَجِّ. قال: فاجتَمَعَ بالمَدينَةِ بَشَرٌ كَثيرٌ، فخَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمسٍ بَقِينَ مِن ذِى القَعدَةِ أو لأربَعٍ، فلَمّا كان بذِى الحُلَيفَةِ صَلَّى ثُمَّ استَوَى على راحِلَتِه، فلَمّا أخَذَت به في البَيداءِ لَبَّى، وأهلَلْنا لا نَنوِى إلَّا الحَجَّ
(3)
.
8897 -
أخبرَنا أبو عبدِ اللهِ الحافظُ، أخبرَنا أبو الفَضلِ ابنُ إبراهيمَ،
(1)
المصنف في المعرفة (2683)، والشافعي 2/ 127.
(2)
في م: "المهرانى".
(3)
المصنف في الدلائل 5/ 432. وتقدم في (6351) من طريق جعفر بطرف منه مطولًا.
حدثنا الحُسَينُ بنُ محمدِ بنِ زيادٍ وأحمَدُ بنُ سلمةَ قالا: حدثنا إسحاقُ بنُ إبراهيمَ، أخبرَنا حاتِمُ بنُ إسماعيلَ. وأخبرَنا أبو عليٍّ الرُّوذْبارِىُّ واللَّفظُ له، أخبرَنا أبو بكرٍ محمدُ بنُ بكرِ بنِ داسَةَ، حدثنا أبو داودَ السِّجِستانِيُّ، حدثنا عبدُ اللَّهِ بنُ محمدٍ النُّفَيلِيُّ وعُثمانُ بنُ أبى شَيبَةَ وهِشامُ بنُ عَمّارٍ وسُلَيمانُ بنُ عبدِ الرَّحمَنِ الدِّمَشقيّانِ، ورُبَّما زادَ بَعضُهُم على بَعضٍ الكَلِمَةَ والشَّئَ، قالوا: حدثنا حاتِمُ بنُ إسماعيلَ، حدثنا جَعفَرُ بنُ محمدٍ، عن أبيه قال: دَخَلنا على جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، فلَمّا انتَهَينا إلَيه سألَ عن القَومِ حَتَّى انتَهَى إلَيَّ، فقُلتُ: أنا محمدُ بنُ عليِّ بنِ حُسَينٍ. فأهوَى بيَدِه إلَى رأسِى فنَزَعَ زِرِّى الأعلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّى الأسفَلَ، ثُمَّ وضَعَ كَفَّه بَينَ ثَديَيَّ، وأنا يَومَئذٍ غُلامٌ شابٌّ، فقالَ: مَرحَبًا بكَ وأهلًا يا ابنَ أخِى، سَلْ عَمّا شِئتَ. فسألتُه وهو أعمَى، وجاءَ وقتُ الصَّلاةِ فقامَ في نِساجَةٍ مُلتَحِفًا بها - يَعنِى ثَوبًا مُلفَفًا - كُلَّما وضَعَها على مَنكِبِه رَجَعَ طَرَفاها إلَيه مِن صِغَرِها، فصلَّى بنا ورِداؤُه إلَى جَنبِه على المِشجَبِ
(1)
، فقُلتُ: أخبِرْنِي عن حَجَّةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فقالَ بيَدِه فعَقَدَ تِسعًا، ثُمَّ قال: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسعَ سِنينَ لَم يَحُجَّ، ثُمَّ أذَّنَ في النّاسِ في العاشِرَةِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حاجٌّ، فقَدِمَ المَدينَةَ بَشَرٌ كَثيرٌ كُلُّهُم يَلتَمِسُ أنْ يأتَمَّ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ويَعمَلَ بمِثلِ عَمَلِه، فخَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وخَرَجْنا مَعَه حَتَّى أتَينا ذا الحُلَيفَةِ، فوَلَدَت أسماءُ بنتُ عُمَيسٍ محمدَ بنَ أبى بكرٍ، فأرسَلَت إلَى
(1)
المشجب: عيدان تضم رءوسها ويفرج بين قوائمها، وتوضع عليها الثياب، وقد تعلق عليها الأسقية لتبريد الماء. النهاية 2/ 445.
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَيفَ أصنَعُ؟ فقالَ: "اغتَسِلِى واستَذفِرِى
(1)
بثَوبٍ وأَحرِمِى". فَصَلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المَسجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصواءَ حَتَّى إذا استَوَت به ناقَتُه على البَيداءِ. قال جابِرٌ: نَظَرتُ إلَى مَدِّ بَصَرِى مِن بَينَ يَدَيه مِن راكِبٍ وماشٍ، وعن يَمينِه مِثلَ ذَلِكَ، وعن يَسارِه مِثلَ ذَلِكَ، ومِن خَلفِه مِثلَ ذَلِكَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَينَ أظهُرِنا، وعَلَيه يَنزِلُ القُرآنُ وهو يَعلَمُ تأويلَه، فما عَمِلَ به مِن شَئٍ عَمِلنا به، فأهَلَّ بالتَّوحيدِ: "لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ، إنَّ الحَمدَ والنِّعمَةَ لَكَ والمُلكَ، لا شَريكَ لَكَ". وأهَلَّ النّاسُ بهَذا الَّذِى يُهِلّونَ به، فلَم يَرُدَّ عَلَيهِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيئًا مِنه، ولَزِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَلبيَتَه. قال جابِرٌ: لَسنا نَنوِى إلَّا الحَجَّ؛ لَسنا نَعرِفُ العُمرَةَ، حَتَّى إذا أتَينا البَيتَ مَعَه استَلَمَ الرُّكنَ، فرَمَلَ
(2)
ثَلاثًا ومَشَى أربَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقامِ إبراهيمَ فقَرأ:" {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} "[البقرة: 125] فجَعَلَ المَقامَ بَينَه وبَينَ البَيتِ. قال
(3)
: فكانَ أبى يقولُ - قال ابنُ نُفَيلٍ وعُثمانُ: ولا أعلَمُه ذَكَرَه إلَّا عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. قال سُلَيمانُ: ولا أعلَمُه إلَّا قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَقرأُ في الرَّكعَتَينِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى البَيتِ فاستَلَمَ الرُّكنَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ إلَى الصَّفا، فلَمّا دنَا منَ الصَّفا قرأَ:" {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] نَبدأُ بما بَدأَ اللهُ به". وبَدأَ بالصَّفا فرَقِىَ عَلَيه حَتَّى رأَى البَيتَ، فكَبَّرَ اللهَ وحدَه وقالَ: "لا إلَهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، لَه
(1)
الاستذفار والاستثفار، أن تشد الحائض على فرجها ثوبا. مشارق الأنوار 1/ 134.
(2)
الرمل: وثب في المشى ليس بالشديد مع هز المنكبين. مشارق الأنوار 1/ 291.
(3)
القائل هو جعفر بن محمد كما في صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 176.
المُلكُ ولَه الحَمدُ يُحيِى ويُميتُ، وهو على كُلِّ شَئٍ قَديرٌ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَه، أنجَزَ وعدَه، ونَصَرَ عبدَه، وهَزَمَ الأحزابَ وحدَه". ثُمَّ دَعا بَينَ ذَلِكَ، وقالَ مِثلَ هذا ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى المَروَةِ حَتَّى إذا انصَبَّت قَدَماه رَمَلَ في بَطنِ الوادِى، حَتَّى إذا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أتَى المَروَةَ، فصنَعَ على المَروَةِ مِثلَ ما صَنَعَ على الصَّفا، حَتَّى إذا كان آخِرُ الطَّوافِ على المَروَةِ قال: "إنِّي لَوِ استَقبَلتُ مِن أمرِى ما استَدبَرتُ لَم أسُقِ الهَدىَ ولَجَعَلتُها عُمرَةً، فمَن كان مِنكُم لَيسَ مَعَه هَدىٌ فليَحلِلْ وليَجعَلْها عُمرَةً". فحَلَّ النّاسُ كُلُّهُم وقَصَّروا إلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ومَن كان مَعَه هَدىٌ، فقامَ سُراقَةُ بنُ جُعشُمٍ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، ألِعامِنا هذا أم لِلأبَدِ؟ فشَبَّكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أصابِعَه في الأُخرَى، ثُمَّ قال: "دَخَلَتِ العُمرَةُ في الحَجِّ". هَكَذا مَرَّتَينِ: "لا، بَلْ لأبَدِ أَبَدٍ، لا، بَل لأبَدِ أبَدٍ
(1)
". قال: وقَدِمَ عليٌّ رضي الله عنه مِنَ اليَمَنِ ببُدنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فوَجَدَ فاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّن حَلَّ، ولَبِسَت ثيابًا صبيغًا واكتَحَلَت، فأنكَرَ عليٌّ رضي الله عنه ذَلِكَ عَلَيها وقالَ: مَن أمَرَكِ بهَذا؟ قالَت: أبى. قال: وكانَ عليٌّ رضي الله عنه يقولُ بالعِراقِ: ذَهَبتُ إلَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرشًا
(2)
على فاطِمَةَ في الأمرِ الَّذِى صنَعَته، مُستَفتيًا لِرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم في الَّذِى ذَكَرَت عنه، فأخبَرتُه أنِّى أنكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيها، فقالَت: أبى أمَرَنِي بهَذا. فقالَ: "صَدَقَتْ صَدَقَت، ماذا قُلتَ حينَ فرَضْتَ الحَجَّ؟ ". قال: قُلتُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بما أهَلَّ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال: "فإنَّ مَعِىَ الهَدىَ فلا تَحلِلْ". قال: وكانَ جَماعَةُ الهَدىِ الَّذِى قَدِمَ به علىٌّ مِنَ اليَمَنِ والَّذِى أتَى به النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدينَةِ مِائَةً، فحَلَّ الناسُ كُلُّهُم وقَصَّروا إلَّا
(1)
بالتنوين وكرره للتوكيد، أو بغير تنوين بالإضافة، أي لآخر الدهر. ينظر عون المعبود 2/ 125.
(2)
محرشًا: أي مغريا بها، لما أنكر من إحلالها. إكمال المعلم 4/ 145.
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ومَن كان مَعَه هَديٌ. قال: فلَمّا كان يَومُ التَّرويَةِ ووَجَّهوا إلَى مِنًى أهَلّوا بالحَجِّ، فرَكِبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فصَلَّى بمِنًى الظُّهرَ والعَصرَ والمَغرِبَ والعِشاءَ والصُّبحَ، ثُمَّ مَكَثَ قَليلًا حَتَى طَلَعَتِ الشَّمسُ وأمَرَ بقُبَّةٍ له مِن شَعَرٍ فضُرِبَت بنَمِرَةَ، فسارَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا تَشُكُّ قُرَيشٌ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم واقِفٌ عِندَ المَشعَرِ الحَرامِ بالمُزدَلِفَةِ كما كانَت قُرَيشٌ تَصنَعُ في الجاهِليَّةِ، فأجازَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أتَى عَرَفَةَ، فوَجَدَ القُبَّةَ قَد ضُرِبَت له بنَمِرَةَ فنَزَلَ بها، حَتَّى إذا زاغَتِ الشَّمسُ أمَرَ بالقَصواءِ فرُحِلَت له، فرَكِبَ حَتَّى أتَى بَطنَ الوادِى، فخَطَبَ النّاسَ فقالَ:"إنَّ دِماءَكُم وأَموالَكُم عَلَيكُم حَرامٌ كَحُرمَةِ يَومِكُم هذا، في شَهرِكُم هذا، في بَلَدِكُم هذا، ألَا إنَّ كُلَّ شَئٍ مِن أمرِ الجاهليَّةِ تَحتَ قَدَمَيَّ مَوضوعٌ، ودِماءُ الجاهِليَّةِ مَوضوعَةٌ، وأَوَّلُ دَمٍ أضَعُه دِماؤُنا". قالَ عثمانُ: "دَمُ ابنِ رَبيعَةَ". وقالَ سُلَيمانُ: "دَمُ رَبيعَةَ بنِ الحارِثِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ". وقالَ بَعضُ هَؤُلاءِ: "كان مُستَرضَعًا في بَنِى سَعدٍ، قَتَلَته هُذَيلٌ، ورِبا الجاهِليَّةِ مَوضوعٌ، وأَوَّلُ رِبًا أضَعُ رِبانا، رِبا عباسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ؛ فإِنَّه مَوضوعٌ كُلُّه، اتَّقوا اللَّهَ في النِّساءِ؛ فإِنَّكُم أخَذتُموهُنَّ بأَمانَةِ اللَّهِ، واستَحلَلتُم فُروجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللَّهِ، وإِنَّ لَكُم عَلَيهِنَّ ألَّا يوطِئنَ فُرُشَكُم أحَدًا تَكرَهونَه، فإِنْ فعَلنَ فاضرِبوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، ولَهُنَّ عَلَيكُم رِزقُهُنَّ وكِسوَتُهُنَّ بالمَعروفِ، وإِنِّى قَد تَرَكتُ فيكُم ما لَم تَضِلُّوا بَعدَه إنِ اعتَصَمتُم به؛ كِتابَ اللهِ، وأَنتُم مَسئولونَ عَنِّى، فما أنتُم قائلونَ؟ ". قالوا: نَشهَدُ أنَّكَ بَلَّغتَ وأدَّيتَ ونَصَحتَ. ثُمَّ قال بإِصبَعِه السَّبّابَةِ يَرفَعُها إلَى السَّماءِ ويَنكُبُها
(1)
إلَى
(1)
كذا في النسخ، أي يردها ويقلبها إلى الناس مشيرا إليهم. إكمال المعلم 4/ 148. وفي حاشية الأصل:"ينكتها".
النّاسِ: "اللَّهُمَّ اشهَدْ، اللَّهُمَّ اشهَدْ، اللَّهُمَّ اشهَدْ". ثُمَّ أذَّنَ بلالٌ، ثُمَّ أقامَ فصَلَّى الظُّهرَ، ثُمَّ أقامَ فصَلَّى العَصرَ لَم يُصَلِّ بَينَهُما شَيئًا، ثُمَّ رَكِبَ القَصواءَ حَتَّى أتَى المَوقِفَ، فجَعَلَ بَطنَ ناقَتِه القَصواءِ إلَى الصَّخَراتِ
(1)
، وجَعَلَ حَبْلَ المُشاةِ
(2)
بَينَ يَدَيه، فاستَقبَلَ القِبلَةَ فلَم يَزَلْ واقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمسُ وذَهَبَتِ الصُّفرَةُ قَليلًا حينَ غابَ القُرصُ وأردَفَ أُسامَةَ خَلفَه، فدَفَعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وقَد شَنَقَ
(3)
لِلقَصواءِ الزِّمامَ، حَتَّى إنَّ رأسَها لَيُصيبُ مَوْرِكَ رَحلِه ويَقولُ بيَدِه اليُمنَى:"السَّكينَةَ أيُّها النّاسُ، السَّكينَةَ". كُلَّما أتَى حَبلًا مِنَ الحِبالِ
(4)
أرخَى لها قَليلًا حَتَّى تَصعَدَ، حَتَّى أتَى المُزدَلِفَةَ فجَمَعَ بَينَ المَغرِبِ والعِشاءِ بأذانٍ واحِدٍ وإِقامَتَينِ - قال عثمانُ: ولَم يُسَبِّحْ بَينَهُما شَيئًا. ثُمَّ اتَّفَقوا - ثُمَّ اضطَجَعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الفَجرُ، فصَلَّى الفَجرَ حينَ تَبَيَّنَ له الصُّبحُ - قال سُلَيمانُ
(5)
: بأذانٍ وإِقامَةٍ. ثُمَّ اتَّفَقوا - ثُمَّ رَكِبَ القَصواءَ حَتَّى أتَى المَشعَرَ الحَرامَ فرَقِىَ عَلَيه. قال عثمانُ وسُلَيمانُ: فاستَقبَلَ القِبلَةَ، فحَمِدَ اللهَ وكَبَّرَه وهَلَّلَه. زادَ عثمانُ: ووَحَّدَه. فلَم يَزَلْ واقِفًا حَتَّى أسفَرَ جِدًّا، ثُمَّ دَفَعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبلَ أن تَطلُعَ الشَّمسُ، وأردَفَ الفَضلَ بنَ عباسٍ وكانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعَرِ أبيَضَ وسيمًا، فلَمّا دَفَعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظُّعُنُ يَجرينَ، فطَفِقَ الفَضلُ يَنظُرُ إلَيهِنَّ، فوَضَعَ
(1)
الصخرات: هي صخرات مفترشات في أسفل الجبل الذي بوسط أرض عرفات. صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 185.
(2)
حبل المشاة: صفهم ومجتمعهم وقيل: حيث يسلك الرجالة. والأول أولى. مشارق الأنوار 1/ 176.
(3)
شنق: ضيق. صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 186.
(4)
الحبل: هو ما طال من الرمل وضَخَم. وقيل: الحبال دون الجبال. مشارق الأنوار 1/ 176.
(5)
هو ابن عبد الرحمن الدمشقى، أحد رواة الخبر عن إسماعيل بن جعفر.
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَه على وجهِ الفَضلِ، وصَرَفَ الفَضلُ وجهَه إلَى الشِّقِّ الآخَرِ، وحَوَّلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وجهَه إلَى الشِّقِّ الآخَرِ، وصَرَفَ الفَضلُ وجهَه إلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنظُرُ، حَتَّى إذا أتَى مُحَسِّرًا حَرَّكَ قَليلًا ثُمَّ سَلَكَ طَريقَ الوُسطَى التي تُخرِجُكَ على الجَمْرَةِ الكُبرَى، حَتَّى أتَى الجَمْرَةَ التي عِندَ الشَّجَرَةِ، فرَماها بسَبعِ حَصَياتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ مِنها حَصَى الخَذْفِ
(1)
فرَمَى مِن بَطنِ الوادِى، ثُمَّ انصَرَفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى المَنحَرِ، فنَحَرَ بيَدِه ثَلاثًا وسِتّينَ، وأمَرَ عَليًّا رضي الله عنه فنَحَرَ ما غَبَرَ - يقولُ: ما بَقِيَ - وأشرَكَه في هَديِه، ثُمَّ أمَرَ مِن كُلِّ بَدَنَةٍ ببَضْعَةٍ فجُعِلَت في قِدرٍ فطُبِخَت، فأكَلا مِن لَحمِها وشَرِبا مِن مَرَقِها، ثُمَّ أفاضَ - قال سُلَيمانُ: ثُمَّ رَكِبَ - فأفاضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى البَيتِ، فصَلَّى بمَكَّةَ الظُّهرَ، ثُمَّ أتَى بَنِى عبدِ المُطَّلِبِ وهُم يَسقونَ فقالَ:"انزِعوا بَنِى عبدِ المُطَّلِبِ، فلَولا أن يَغلِبَكُمُ النّاسُ على سِقايَتِكُم لَنزَعتُ مَعَكُم". فناوَلوه دَلوًا فشَرِبَ مِنه
(2)
. رَواه مسلمٌ في "الصحيح" عن إسحاقَ بنِ إبراهيمَ وأبِى بكرِ ابنِ أبى شَيبَةَ، وقالَ:"دَمُ ابنِ رَبيعَةَ"
(3)
.
(1)
حصى الخذف: صغار الحصى. ينظر النهاية 2/ 16.
(2)
إسحاق بن راهويه في مسنده (2098)، وأبو داود (1905). وأخرجه ابن خزيمة (2687، 2802) من طريق النفيلى به. وابن ماجه (3074)، وابن حبان (3944) من طريق هشام بن عمار به. وأحمد (14440) - وعنه أبو داود (1907) - والنسائى (2739) من طريق يحيى به مطولًا ومختصرًا.
وقد ورد الحديث مقطعًا عند المصنف في مواضع كثيرة، وتقدمت رواية أبي داود في (5689).
(3)
مسلم (1218/ 147).