الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً - الجمع للمسائل
لكل مذهب من المذاهب الفقهية المدونة المتبعة عملية جمع، مر بها في مرحلة من تاريخه، مع الإختلاف الملحوظ بين مذهب وآخر.
فالمذهب الحنفي، جمعه محمد بن الحسن الشيباني في تلك الكتب التي سميت فيما بعدبـ "ظاهر الرواية"، ولخصها الحاكم الشهيد في كتابه "الكافي".
والمذهب المالكي كان في بدايته عبارة عن مجموعة من الأسمعة المدونة بأيدي أصحاب الإمام، كابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وابن نافع، وغيرهم، فجاء محمد العتبي الأندلسي فجمع هذه الأسمعة وألفها في كتاب "المستخرجة من الأسمعة" وهي المعروفة عند المالكية بـ "العتبية". كما اختصر أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم ما انتهى إليه من تلك الأسمعة والكتب في "المختصر الكبير"، و"الأوسط"، و"الصغير"، وكان هو عمدة علماء المالكية البصريين. ثم جاء ابن أبي زيد القيرواني (386 هـ) فاختصركتاب " المدونة" لسحنون، وألف كتاب "النوادر والزيادات على ما في المدونة من الأمهات"، فجمع في هذا الكتاب النصوص والمسائل المروية عن المذهب (1) في غير "المدونة" وذلك كـ"ـالعتبية"، و"الواضحة"، و"المبسوط"، و"الموازية"، و"المجموعة"، و"كتب ابن سحنون". وبالتالي يعتبر أبو عبد الله محمد بن أبي زيد القيرواني صاحب الفضل في جمع المذهب المالكي وتقريبه لمن أتى بعده، فسهل الإختصار، وسهل الترجيح، وسهلت المقارنة. وأما المذهب الشافعي، فإنه لم يبدأ متفرقًا حتى يحتاج إلى جمع وتحرير، لأن الإمام الشافعي كتب فقهه بيده، فاختصر المزني ذلك الفقه، وكذلك فعل البويطي، وعمل الفقهاء من بعدهم تعليقات وشروحًا على مختصر المزني خاصة، وهكذا انتقل المذهب الشافعي إلى الطبقات اللاحقة سهلًا وميسرًا من أول يوم.
(1) المقدمة، لإبن خلدون، 2/ 547. وقد طبع كتاب "النوادر" مؤخرًا في خمسة عشر مجلدًا. نشرته دار الغرب الإسلامي.
ونستطيع أن نقول: إن المذهب الحنبلي يشبه في عملية تأسيسه وتدوينه، ثم جمعه وتحريره، مذهب الإمام مالك؛ إمام دار الهجرة.
ويعتبر أبو بكر الخلال رحمه الله جامع المذهب الحنبلي بحق، كما تقدم في ترجمته، فإنه جمع كتب"المسائل" وفحص رواياتها، ورتبها على أبواب العلم، وأخرجها في كتابه المَعْلَمي الكبير "جامع الروايات عن أحمد"، فلفت بهذا الأنظار، وصار مطلبًا لعلماء الأمصار، ومن هنا بدأ ظهور الإنتساب إلى الإمام، وبرز في مذهبه المشايخ الكبار، وأصبحت أصول المذهب، وخطوطه العريضة، ومصطلحاته الدقيقة، وآثاره النفيسة، محل درس وتدريس، واستقراء وتأليف، وتقريب وتلقين.
ونظرًا لوجود المذهب متفرقًا في مرويات الأصحاب المختلفة المتفاوتة في الكمية، فإن من العذر لإبن قتية (276 هـ)، في عدم عد الإمام أحمد من الفقهاء في كتابه "المعارف"، أن نقول: إنه لو عاش حتى اطلع على جامع الخلال لكان الشأن غير الشأن، بل وكذلك يقال في الإعتذار عن ابن جرير الطبري (310 هـ).
فكان "الجامع" هو الأصل في الروايات المنقولة عن أحمد رحمه الله حيث تناوله المجتهدون من أصحابه بالترجيح والإختيار لما نقل من الروايات (1).
ويعتبر جامع الخلال كتابًا يحتوي على عناوين كبيرة تختلف عن العناوين التي نجدها في فهارس الكتب الفقهية المعتادة، فنجد من تلك العناوين مثلًا: كتاب الوقوف، وكتاب الترجل، وكتاب أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض، وكتاب أحكام النساء (2) .. وهكذا. وهذا يدل على أنه لم يستوعب "المسائل" فقط، بل أفرغ مصنفات الإمام أحمد فيه. ومع هذا فقد قال ابن تيمية رحمه الله: وفاته أمور كثيرة ليست في كتبه (3).
(1) أصول مذهب الإمام أحمد، ص 793.
(2)
المدخل المفصل 2/ 671.
(3)
مجموع الفتاوى 34/ 111.