الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المذهب، ووقع فيه على الكنز والمطلب. . . إلى أن قال: إلا أنه رحمه الله لم يبيضه كله، ولم يقرأ عليه، فحصل بسبب ذلك بعض خلل في مسائله" (1). اهـ.
ونظرًا لقيمة "الفروع" المتميزة، وقصد مصنفه فيه إلى تصحيح المذهب وتحريره وجمع فروعه، ندب المرداوي نفسه إلى وضع تعليقات عليه سماها "تصحيح الفروع"، فصار الكتاب مع تصحيحه نهاية التحقيق والضبط للمذهب الحنبلي. كما وضع المرداوي كتابه "
الإنصاف
" على "المقنع" لإبن قدامة لنفس الغرض.
• الإنصاف:
عنوان الكتاب:
هذا الكتاب معروف بعنوان: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف"، نص مؤلفه على ذلك آخر المقدمة للكتاب (2).
المؤلف:
هو مصحح المذهب ومنقحه ومحرره، العلامة أبو الحسن، علاء الدين علي بن سليمان بن أحمد بن محمد، السعدي المرداوي، ثم الصالحي. المولود بمراد -محلة بفلسطين- سنة 814 هـ. والمتوفى يوم الجمعة سادس جمادى الأولى سنة 885 هـ بمنزله في الصالحية.
وصف الكتاب وطريقة تصنيفه وأهميته:
يقع هذا الكتاب في أربعة مجلدات في نسخه الخطية، وقد صدر في طبعته الأولى في اثني عشر مجلدًا (3). طبعته مكتبة السنة المحمدية سنة (1375 هـ) بتصحيح وتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله.
ويعد "الإنصاف" شرحا لكتاب "المقنع" كما تقدم، لكنه ليس شرحا عاديًا، بل هو شرح انصرف به صاحبه إلى ييان الراجح من الخلاف المذكور في "المقنع" وتصحيح ما ليس بصحيح، كما تعقب المصنِّف في كثير من المواضع، واستدرك عليه بعض ما فاته، ولا يسلم من النقص إلا من عصمه الله.
(1) تصحيح الفروع المطبوع مع "الفروع" 1/ 22. وقريب منه في "الإنصاف" 1/ 23. طبعة دار هجر.
(2)
الإنصاف 1/ 27، طبعة دار هجر.
(3)
وصدر في طبعة جديدة مقرونًا بـ "المقنع" و"الشرح الكبير" في اثنين وثلاثين مجلدًا.
وقد كشف المرداوي نفسُه في المقدمة عن مقاصده من تأليف هذا الكتاب،
فقال.
فأحببت -إن يسر الله تعالى- أن أبين الصحيح من المذهب، والمشهور، أو: المعول عليه، والمنصور، وما اعتمده أكثر الأصحاب، وذهبوا إليه، ولم يعرجوا على غيره ولم يعولوا عليه (1).
ثم قال: وربما تكون الرواية أو الوجه السكوت عنه مقيدًا بقيد، فأذكره
…
ويكون ذلك في تفصيل، فنبينه إن شاء الله تعالى (2).
ثم قال: وقد يكون الأصحاب اختلفوا في حكاية الخلاف، فمنهم من حكى وجهين، ومنهم من حكى روايتين، ومنهم من ذكر الطريقتين، فأذكر ذلك إن شاء الله تعالى (3).
ثم قال: وأحشي على كل مسألة إن كان فيها خلاف واطلعت عليه، وأبين ما يتعلق بمفهومها ومنطوقها، وأبين الصحيح من المذهب من ذلك كله، فإنه المقصود والمطلوب من هذا التصنيف، وغيرُه داخلٌ تبعًا، وهذا هو الذي حداني إلى جمع هذا الكتاب لمسيس الحاجة إليه، وهو في الحقيقة تصحيح لكل ما في معناه -أي المقنع- من المختصرات (4).
طريقة المرداوي في هذا الكتاب:
قال ابن بدارن: وطريقته فيه أن يذكر في المسألة أقوال الأصحاب، ثم يجعل المختار ما قاله الأكثر، سالكًا في ذلك مسلك ابن قاضي عجلون في صحيحه لمنهاج النووي، وغيره من كتب التصحيح. فصار كتابه مغنيًا للمقلد عن سائر كتب المذهب (5).
وفي قول الشيخ ابن بدران: إن المرداوي يبني اختياره على أساس الكثرة نظر، ولعله فهم ذلك من قوله السابق:. . وما اعتمده أكثر الأصحاب، وذهبوا إليه، ولم يعرجوا على غيره
…
الخ.
(1) الإنصاف 1/ 6.
(2)
المصدر السابق ص 7.
(3)
المصدر ص 8.
(4)
المصدر ص 14.
(5)
المدخل ص 436.
والحقيقة: أن العلامة المرداوي يعتبر من المصححين للمذهب والمحررين له، وليس هو من أهل الإختيار حتى نقول: إنه يبني اختياره على أساس الكثرة وغيرها، والتصحيح والتحرير من ققه حكاية المذهب، ونقله، والبحث عن اختلاف قول الإمام واختلاف الرواية عنه في ذلك، واختلاف أصحابه من سائر الطبقات في الأقوال المخرجة، ونحو ذلك.
والعلامة المرداوي فريد عصره ووحيد دهره في هذا الفن الجليل، والعمل الشاق الطويل، في كتبه الثلاثة، وأشهرها "الإنصاف"، وقد كشف عن منهجه فيه فقال:
اعلم وفقك الله تعالى وإيانا، أن طريقتي في هذا الكتاب، النقل عن الإمام أحمد والأصحاب، وأعزو إلى كل كتاب ما نقلت منه، وأضيف إلى كل عالم ما أروي عنه، فإن كان المذهب ظاهرًا أو مشهورًا، أو قد اختاره جمهور الأصحاب وجعلوه منصورًا، فهذا لا إشكال فيه، وإن كان بعض الأصحاب يدعي أن المذهب خلافه. وإن كان الترجيح مختلفًا بين الأصحاب في مسائل مجتذبة المأخذ، فالاعتماد في معرفة المذهب من ذلك على ما قاله المصنف -يعني ابن قدامة في كتابه "المقنع"- والمجد، والشارح -يعني عبد الرحمن بن أبي عمر، صاحب "الشرح الكبير"- وصاحب "الفروع" و"القواعد الفقهية" و"الوجيز" و"الرعايتين" و"النظم" و"الخلاصة"، والشيخ تقي الدين، وابن عبدوس في "تذكرته"، فإنهم هذبوا كلام المتقدمين، ومهدوا قواعد المذهب بيقين (1).
أهمية كتاب الإنصاف وقيمته:
يعتبر كتاب "الإنصاف" زبدة ما ألف المرداوي، رحمه الله، وجزاه خيرًا عما قدم للفقه الحنبلي، فإنه بذل فيه جهدًا عظيمًا، وعمل فيه عملًا جليلًا، لم يسبقه فيه سابق، ولا لحقه من بعده لاحق، تلقاه الناس من مصنفه بالحظوة والقبول، وأثنوا عليه ثناءً عطرًا، وقرظوه تقريظًا جميلاً، فقال عنه مجير الدين العليمي (928 هـ) في "المنهج الأحمد":
(1) الإنصاف 1/ 24.
فصنف كتبًا كثيرة في أنواع العلوم، جليلة مفيدة، أعظمها "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" أربع مجلدات، جعله على "المقنع"، وهو من كتب الإسلام، فإنه سلك فيه مسلكًا لم يسبق إليه، بين فيه الصحيح من المذهب، وأطال فيه الكلام، وذكر في كل مسألة ما نقل منها من الكتب، وكلام الأصحاب، فهو دليل على تبحر مصنفه وسعة علمه، وقوة فهمه، وكثرة اطلاعه (1).
ويمكننا أن نلخص قيمة هذا الكتاب في العبارات التالية:
1 -
يعتبر "الإنصاف" مع أصله "المقنع" مصدرًا عظيمًا من مصادر الفقه الحنبلي الجامعة المستوعبة، فهو يتكلم على المسائل الفقهية، بدقة متناهية، ثم يوشي ذلك بزيادات ونفائس، يعقدها عادة تحت عنوان:"فائدة".
2 -
ويعتبر "الإنصاف" مصدرًا من مصادر معرفة الصحيح من المذهب من غير الصحيح، والراجح من المرجوح، وييان من قال بأحد القولين أو الأقوال، كل ذلك على التفصيل التام، عند استواء الخلاف، وعدم وجود ترجيح في المسألة.
3 -
كما يعتبر "الإنصاف" مصدرًا مهمًا في التعرف على ما ألفه الحنابلة قبل المرداوي، من متون، وشروح، وتعليقات، وطرر، وحواش، ومدللات، ومجردات، ومذهبيات، وخلافيات، حتى إنه لا يعزب عما استودعه هذا الكتاب الجليل من أسماء كتب الحنابلة ومؤلفيها، إلا القليل النادر، فهو لا يعرض لمسالة من المسائل إلا ويذكر من الكتب التي وردت فيها وفاقًا وخلافًا ما يقضى منه العجب.
4 -
وكما كان "الإنصاف" مصدرًا من مصادر معرفة الصحيح من المذهب، فإنه يعتبر كاشفًا للأغلاط والأوهام الواقعة في المتون الفقهية الحنبلية على اختلافها، فهو وإن كان وضع على "المقنع" في الأصل، إلا أنه تصحيح لبقية الكتب الأخرى، فلهذا سهل عليه بعد ذلك تأليف "تصحيح الفروع" الذي وضعه على كتاب "الفروع" لإبن مفلح، فإنه اعتمد في ذلك على "الإنصاف" كما ذكر
(1) المنهج الأحمد 5/ 290.