المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - القاضي أبو يعلى (380 - 458 ه - المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته - جـ ١

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌أولًا - كلمة "مذهب

- ‌1 - المذهب لغة:

- ‌2 - المذهب عرفًا:

- ‌3 - المذهب اصطلاحًا:

- ‌ثانيًا - نشأة المذاهب الفقهية وسببها:

- ‌ثالثًا - أهمية المذاهب الفقهية في خدمة الشريعة الإسلامية:

- ‌الفصل الأولفي سيرة الإمام أحمد وعلمه

- ‌المبحث الأولالحياة السياسية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الثانيالحياة الثقافية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الثالثالحياة الإجتماعية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الرابعسيرة الإمام أحمد

- ‌الطور الأولالنشأة والطفولة

- ‌الطور الثانىطلبه للعلم والرحلة فيه

- ‌الطور الثالثحياة الإمام أحمد في بغداد إلى بداية المحنة

- ‌الطور الرابعالمحنة أسبابها. مراحلها. نتائجها

- ‌أسباب المحنة

- ‌مراحل المحنة

- ‌المرحلة الأولىالمحنة في زمن المأمون

- ‌المرحلة الثانيةالمحنة في زمن المعتصم

- ‌المرحلة الثالثةالمحنة في زمن الواثق

- ‌نتائج المحنة

- ‌المبحث الخامس‌‌وفاة الإمام أحمدومجمل مناقبه وعلمه

- ‌وفاة الإمام أحمد

- ‌مجمل مناقب الإمام أحمد وصفاته:

- ‌علم الإمام أحمد

- ‌أولاً: شهادة الناس له بالعلم:

- ‌ثانياً. في الرواية عنه:

- ‌ثالثاً: في مؤلفاته:

- ‌ما نسب إلى الإمام أحمد من كتب:

- ‌رسائل الإمام أحمد

- ‌المسندديوان السنة النبوية

- ‌ تاريخ تأليف المسند:

- ‌ وصف المسند:

- ‌ رواية المسند:

- ‌ منزلة المسند بين كتب الحديث:

- ‌ الأعمال التي تمت على المسند:

- ‌1 - غريب الحديث، لغلام ثعلب (261 هـ - 345 ه

- ‌2 - ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج لهم أحمد بن حنبل في "المسند" لإبن عساكر (499 هـ - 571 ه

- ‌3 - خصائص المسند، للحافظ أبي موسى المديني (501 هـ -581 ه

- ‌5 - التذكرة في رجال العشرة، لإبن حمزة الحسيني (715 هـ - 765 ه

- ‌6 - الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال سوى من ذُكر في تهذيب الكمال:

- ‌8 - ترتيب المسند، لأبي بكر بن المحب (712 هـ - 789 ه

- ‌9 - ترتيب المسند، لإبن زريق (ت 803 ه

- ‌10 - إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لإبن الملقن (723 هـ -804 ه

- ‌11 - مختصر المسند

- ‌12 - غاية المقصد في زوائد المسند، للهيثمي (735 هـ - 807 ه

- ‌13 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌14 - جزء للحافظ الهيثمي:

- ‌15 - ترتيب مسند أحمد على حروف المعجم، للمقدسي (ت 820 ه

- ‌16 - ذيل الكاشف، لإبن العراقي (762 هـ - 826 ه

- ‌17 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد، للحافظ ابن الجزري (751 هـ - 833 ه

- ‌18 - المقصد الأحمد في رجال أحمد

- ‌19 - المسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد

- ‌20 - ترتيب المسند المسمى "الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري"، لإبن زكنون (758 هـ - 837 ه

- ‌21 - زوائد المسانيد المسمى بـ: "إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة" للبوصيري (762 هـ - 840 ه

- ‌22 - القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد، للحافظ ابن حجر العسقلاني (773 هـ - 852 ه

- ‌23 - إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي:

- ‌24 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة:

- ‌25 - التعريف الأجود بأوهام من جمع رجال السند:

- ‌26 - الذيل الممهد على القول المسدد، للسيوطي (ت 911 ه

- ‌27 - عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد:

- ‌29 - شرح المسند، للشيخ أبي الحسن السندي (ت 1139 ه

- ‌30 - نفثات الصدر المُكْمَد وقرّة عين السعد بشرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، للسفاريني (1114 هـ - 1189 ه

- ‌31 - ذيل القول المسدد، لمحمد صبغة الله المدراسي:

- ‌32 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للساعاتي (ت 1378 ه

- ‌33 - بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني:

- ‌34 - تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر للمسند:

- ‌35 - الموسوعة الحديثية الكبرى:

- ‌دعوى كون الإمام أحمد محدثًا غير فقيهٍ والرَّد عليها:

- ‌الفصل الثانيفي أدوار المذهب ومواطن انتشاره

- ‌الدور الأولالنشأة والتأسيس

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولوصف عام لأصحاب الإمام أحمد

- ‌المبحث الثانيفي التعريف بأصحابه الذين سمعوا منه ورووا فقهه

- ‌تصنيف رواة المسائل عن الإمام أحمد:

- ‌التعريف بأشهر أصحاب الإمام أحمد

- ‌1 - إبراهيم الحَرْبي (198 هـ - 285 ه

- ‌2 - إسحاق بن إبراهيم بن هانئ (218 هـ - 285 ه

- ‌3 - أحمد بن حُميد (أبو طالب) (؟ - 244 ه

- ‌4 - أحمد المرّوذي (؟ - 275 ه

- ‌5 - أحمد الأثرم (؟ - 273 ه

- ‌6 - إسحاق الكَوْسَج (170 هـ - 251 ه

- ‌7 - حرب الكرماني (؟ - 280 ه

- ‌8 - حنبل بن إسحاق (؟ - 273 ه

- ‌9 - سليمان بن الاشعث أبو داود (202 هـ - 275 ه

- ‌10 - صالح بن الإمام أحمد (203 هـ - 266 ه

- ‌11 - عبد الله بن الإمام أحمد (213 هـ - 290 ه

- ‌12 - عبد لله بن محمد (فوران) (- 256 ه

- ‌13 - عبد الملك الميموني (- 274 ه

- ‌14 - مُهَنّا بن يحيى الشامي:

- ‌الدور الثانيالنقل والنمو

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولمميزات هذا الدور

- ‌المبحث الثاني‌‌أشهر علماء هذا الدوروأبرز أعمالهم

- ‌أشهر علماء هذا الدور

- ‌1 - الخلال (311 ه

- ‌2 - ابن المنادي (256 هـ - 336 ه

- ‌3 - أبو بكر النجاد (253 هـ - 348 ه

- ‌4 - الخِرَقي (334 ه

- ‌5 - الآجُرّي (360 ه

- ‌6 - غلام الخلَّال (285 هـ - 3763 ه

- ‌7 - ابن بَطة العُكْبَري (304 هـ - 387 ه

- ‌8 - ابن المُسْلِم (387 ه

- ‌9 - الحسن بن حامد (403 ه

- ‌أبرز أعمال علماء هذا الدور

- ‌أولاً - الجمع للمسائل

- ‌ثانياً - الإختصار الفقهي

- ‌ثالثا - شروح المختصرات

- ‌رابعاً - التآليف الجزئية المفردة

- ‌خامساً - الكتابة في أصول الفقه الحنبلي

- ‌الدور الثالثالإنتشار - الإزدهار - الإستقرار

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولالمذهب في العراق

- ‌1 - القاضي أبو يَعْلى (380 - 458 ه

- ‌2 - أبو الخَطّاب (432 - 510 ه

- ‌3 - ابن المَنِّي (501 - 583 ه

- ‌المبحث الثانيالمذهب في حَرَّان

- ‌آل تيمية وجهودهم في خدمة المذهب الحنبلي:

- ‌المبحث الثالثالمذهب في بلاد الشام

- ‌المقادسة وجهودهم

- ‌نتائج جهود المقادسة

- ‌أشهر الفقهاء الشاميين الذين خدموا المذهب:

- ‌ موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (541 - 620 ه

- ‌ شمس الدين ابن مفلح (712 - 763 ه

- ‌ علاء الدين المرداوي (817 - 885 ه

- ‌حالة المذهب الحنبلي بعد المقادسة

- ‌الشيخ عبد القادر ابن بدران (1280 - 1346 ه

- ‌المبحث الرابعالمذهب في مصر

- ‌1 - ابن النجار الفُتُوحي (898 هـ - 972 ه

- ‌2 - منصور بن يونس البُهُوتي (1000 - 1051 ه

- ‌المبحث الخامسالمذهب في الجزيرة العربية

- ‌ الشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة (948 ه

- ‌ الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان (1099 ه

- ‌الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته

- ‌نتائج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌1 - الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1165 - 1244 ه

- ‌2 - الشيخ عبد لله بن عبد الرحمن الملقب بـ "أبا بُطين" (1194 - 1282 ه

- ‌3 - الشيخ عبد الرحمن بن حسن أل آلشيخ (1193 - 1285 ه

- ‌أثر الملكة العربية السعودية في ازدهار الفقه الحنبلي

- ‌خلاصة ما تمّ في المملكة العربية السعودية من جهود في خدمة المذهب الحنبلي

- ‌1 - الشيخ سعد بن حمد بن علي ابن عتيق (1267 - 1349 ه

- ‌2 - الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن العنقري (1290 - 1373 ه

- ‌3 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (1307 - 1376 ه

- ‌4 - الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع (1300 - 1385 ه

- ‌5 - الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (1311 - 1386 ه

- ‌الفصل الثالثسمات الحنابلة

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولأثر سيرة الإمام أحمد على الحنابلة

- ‌المبحث الثانيالإعتناء بعلوم الحديث الشريف

- ‌المبحث الثالثالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الرابعالإتباع للسلف ومناهضة البدع

- ‌المبحث الخامسالحنابلة والسلطة السياسية

- ‌المبحث السادسأضواء على الإجتهاد عند فقهاء الحنابلة

- ‌ تعريف "الإختيارات

- ‌ التأليف في الإختيارات:

- ‌ اختيارات ابن تيمية ومميزاتها:

- ‌ الأسس التي ترتكز عليها اختيارات شيخ الإسلام:

- ‌ مرتبة ابن تيمية في طبقات المجتهدين:

- ‌ منهج ابن تيمية في الفتوى والإجتهاد:

- ‌الفصل الرابعأبرز مؤلفات المذهب الحنبلي

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولفي فنون الفقه التي توزعتها التصانيف

- ‌المبحث الثانيفي ترتيب المكتبة الفقهية الحنبلية

- ‌كيفية التعرف على كتاب من الكتب الفقهية

- ‌كيفية ترتيب المكتبة الفقهية الحنبلية

- ‌المبحث الثالثفي التعريف بأشهر الكتب المعتمدة في المذهب

- ‌ الجامع للخلال:

- ‌ مختصر الخرقي:

- ‌ الإرشاد إلى سبيل الرشاد:

- ‌ الخلاف الكبير للقاضي أبي يعلى:

- ‌ كتاب الروايتين والوجهين:

- ‌ شرح مختصر الخرقي للقاضي أبي يعلى:

- ‌ الانتصار في المسائل الكبار:

- ‌ المستوعب:

- ‌ المغني:

- ‌ العمدة

- ‌ المقنع

- ‌الكافي

- ‌ المحرر:

- ‌ الفروع:

- ‌الإنصاف

- ‌الإقناع

- ‌ منتهى الإرادات:

الفصل: ‌1 - القاضي أبو يعلى (380 - 458 ه

فلما أبلى الحنابلة البلاء الحسن وصبروا في ذات الله بوأهم الله المراتب العالية والمناصب المرموقة، فتولوا القضاء، والتدريس في المدارس الرسمية وغير الرسمية، والقيام ببعض الأعمال في الدولة العباسية، كتولي الوزارة، والقيام بالسفارة.

ومن أبرز العلماء الذين خدموا المذهب في بغداد:

‌1 - القاضي أبو يَعْلى (380 - 458 ه

ـ):

وهو محمد بن الحسين، المعروف بالفراء، تلميذ الحسن بن حامد (403 هـ). تتلمذ على يديه منذ السنة العاشرة من عمره، والشيخ ابن حامد هذا كان إمام الحنابلة وفقيههم في زمانه.

أخذ القاضي عنه أخلاقه، ونهل من علمه وتفقه على يديه، وفاق أقرانه، ولاحظ ذلك الشيخُ الأستاذُ الذكاءَ والتفوق يبرق في عيني تلميذه أبي يعلى، فاعتنى به، وكانت له فراسة، فرأى في أبي يعلى مع صغر سنه بين أصحابه الذين يدرسون ويتفقهون عليه أنه أجدرهم بحمل الراية من بعده، وتولي رئاسة حلقة الحنابلة ليدرسهم ويفتيهم.

قال أبو بكر ابن الخياط: "سألت أبا عبد الله ابن حامد إمام الحنبلية في وقته عند خروجه إلى الحج في سنة 402 هـ. فقلت: على من ندرس؟ وإلى من نجلس؟ فقال: إلى هذا الفتى. وأشار إلى القاضي الإمام أبي يعلى"(1).

وهذا يدل على أنه تصدر للتدريس والتعليم في سن الثانية والعشرين.

ومعنى ذلك أنه بقي في هذا الشأن بالإضافة إلى القضاء والتأليف مدة ست وخمسين سنة!!

وقد بدأ بالتصنيف في هذه السنة أيضًا، أي: سنة 402 هـ، على ما ذكر عنه ولده، لذلك كثرت مصنفاته وتنوعت.

ويمكن القول بأن القاضي أبا يعلى خدم المذهب الحنبلي من خلال ثلاث قنوات رئيسة: التأليف، والتعليم، والقضاء.

(1) الطبقات 2/ 177.

ص: 238

فأما التأليف:

فقد حاز فيه قصب السبق، إذكانت كتبه كثيرة ومتنوعة ومفيدة في نفس الوقت. قال الذهبي في وصفها:"صاحب التعليقة الكبرى، والتصانيف المفيدة في المذهب"(1).

وقد تجاوزت مصنفاته الخمسين في عدتها، أحصاها ولده (2).

وكانت هذه التصانيف موزعة على علوم التفسير، وأصول الدين، وأصول الفقه، والفقه بكافة فروعه، والأدب، والطب، وغير ذلك.

وقد كانت عمدة الطالبين، وبغية الباحثين، عول عليها الشيوخ وبنوا في قالبها، ونسجوا على منوالها.

قال ولده أبو الحسين في وصفها:

"ومن نظر في تصانيفه حقيقة النظر، علم أن ما وراءه مرامًا ولا مقالًا، إلا ما يدخل على البشر من التقصير عن الكمال، ويخرج به العالم عن منازل الأنبياء، ويتميز به المتأخر عن مراتب أهل التقدم من العلماء. فلقد حمل الناس عنه علماً واسعًا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأصول والفروع"(3).

(1) السير 18/ 89.

(2)

الطقات 2/ 205، واستقرأ الدكتور عبد القادر أبو فارس أسماء الكتب التي لا تزال موجودة إلى اليوم من مؤلفات المترجم، وأشار إلى أماكن وجودها في مكتبات العالم، ثم سرد بعد ذلك بقية أسماء الكتب الفقودة مع التعليق المفيد عليها. القاضي أبو يعلى وكتابه الأحكام السلطانية، ط. مؤسسة الرسالة، ص 184 و 245.

وهذه عناوين الكتب التي لا تزال موجودة إلى اليوم:

1 -

كتاب الأحكام السلطانية.

2 -

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3 -

كتاب الإيمان.

4 -

كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة.

5 -

كتاب الروايتين والوجهين.

6 -

كتاب شرح مختصر الخرقي.

7 -

كتاب العُدة في أصول الفقه.

8 -

الكفاية في أصول الفقه.

9 -

مختصر المعتمد في أصول الدين.

(3)

الطبقات 2/ 206.

ص: 239

ولم تكن مصنفاته نقولًا لكلام من تقدم عليه فحسب، بل هي مليئة بالتحقيقات والإجتهادات والإختيارات والوجوه.

والإحتمالات التي لأبي يعلى تشكل نسبة عالية من الإحتمالات الواردة في الفقه الحنبلي كله.

قال البعلي: "وكثير من الإحتمالات في المذهب، بل أكثرها للقاضي أبي يعلى

محمد بن الفراء في كتابه "المجرد" وغيره" (1).

لا شك أن هذه الإحتمالات فعلت فعلها الإيجايي البَنّاء في إثراء المذهب وتنميته.

والدليل على ذلك أن فقهاء الحنابلة عدوا القاضي أبا يعلى في زمرة المجتهدين في المذهب في الدرجة العالية. فقد قال ابن القيم في النوع الثاني من أنواع المجتهدين ما نصه:

"النوع الثاني: مجتهد مقيد في مذهب ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله، عارف بها، متمكن من التخريج عليها، وقياس مالم ينص من ائتم به [عليه] على منصوصه، من غير أن يكون مقلداً لإمامه، لا في الحكم، ولا في الدليل. لكن سلك طريقه في الإجتهاد والفتيا، ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرره. فهو موافق له في مقصده وطريقته معاً.

وقد ادعى هذه المرتبة من الحنابلة: القاضي أبو يعلى، والقاضي أبو علي بن أبي موسى في شرح "الإرشاد" الذي له" (2).

وأما التعليم:

فقد كان القاضي أبو يعلى شيخ الحنابلة في وقته بلا منازع، يدرس ويعلم، لم يفتر عن ذلك حتى مع تقدم السن به، فبرز على يديه تلامذة نجباء، وعلماء أعلام. فمن الذين تفقهوا على يديه: الشريف أبو جعفر، وأبو علي ابن البناء، وأبو الوفاء ابن عقيل، ومحفوظ الكلوذاني (أبو الخطاب). وغيرهم عدد كثير (3).

(1) المطلع على أبواب المقنع، للبعلي، ص 461، المكتب الإسلامي، 1981، و"الإنصاف" المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 1/ 9.

(2)

إعلام الموقعين 4/ 173، ويلاحظ أن ابن حمدان جعل هنا النوع من المجتهلين مقلداً لإمامه في الحكم والدليل، على ما نقله عنه المنقور في"الفواكه العديدة"2/ 172. وهذا يخالف ما قال ابن القيم، إلا أن يكون هناك خطأ أو تصحيف في النقل. ويبدو أن الصواب مع ابن القيم لما يعلم لأبي يعلى من التفردات والتخريجات، والله أعلم.

(3)

الطبقات 2/ 2204، السير 18/ 89، القاضى أبو يعلى، لعبد القادر أبو فارس، ص 257.

ص: 240

وأما القضاء:

فقد عاش القاضي أبو يعلى في ظل خلافة القادر بالله، الذي تعتبر مدته في الخلافة أطول المدد، فقد أنافت على أربعين سنة، وكان من الفقهاء المشتغلين بالعلم حتى عده ابن الصلاح في طبقات فقهاء الشافعية.

وكان القادر بالله يميل إلى القاضي أبي يعلى ويقربه. فلما توفي سنة 422 هـ، وخلفه ولده القائم بأمر الله، ولاه على قضاء الحريم، وكان يُشترط لهذا المنصب الجمع بين العلم والزهد، وكان القاضي أبو يعلى على جانب عظيم من الزهد والورع والعبادة والعفة والنظافة. وأما العلم فهو المفسر الأصولي الفقيه المحدث المناظر.

فكان هو المرشح الوحيد لهذا المنصب في رأي القائم بأمر الله. فوافق أبو يعلى على ذلك بعد إلحاح شديد وتمنع متكرر، واشترط على الخليفة شرائط، منها:

أن لا يحضر أيام المواكب الشريفة، ولا يخرج في الاستقبالات، ولا يقصد دار السلطان، وفي كل شهر يقصد نهر المعلّى يوما وياب الأزج يوماً، ويستخلف من ينوب عنه في الحريم. فاستجاب الخليفة لشروطه، وولاه القضاء في الدماء والفروج والأموال، وأسند إليه قضاء حرّان وحلوان العراق (1).

فسار في القضاء سيرة الأبرار النزهاء، فأصلح الفساد، وأنصف المظلوم، وأوصل الحقوق، وفصل الخصومات، وكان في ذلك كله يعرض المذهب الحنبلي على ميدان الواقع، ولا يخفى ما في ذلك من إعطاء هذا المذهب قوته وحيويته في الجانب القضائي، وكان القاضي أبو يعلى من السابقين الأولين في الكتابة في موضوع الأحكام السلطانية (2) من وجهة نظر الإجتهاد الحنبلي، ولعل عمله في القضاء وعلاقته الطيبة مع الخليفة هي التي حفزت همته لذلك.

(1) الطبقات 2/ 199، السير 18/ 90.

(2)

قال الدكتور عبد القادر أبو فارس:"وأما كتابه"الأحكام السلطانية" فهو ثاني اثنين من الكتب التي صنفت في النظم الإسلامية، وحَوَيا بين دفتيهما النظام السياسي والنظام القضائي والنظام الإداري والنظام المالي. ولم يوجد فيما نعلم من صنف كتابا جمع هذه النظم غير القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه هنا، ومعاصره أبي الحسن الماوردي". اهـ. القاض أبو يعلى وكتابه الأحكام السلطانية، ص 543.

ص: 241