الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللهداية مكانة جليلة في كتب المذهب، من حيث إنه من جامع معتمد في طبقة المؤلف -وهي طبقة المتوسطين- حذا فيه حذو المجتهدين في المذهب، المصححين لروايات الإمام.
والكتاب إذن مصدر من المصادر التي قررت المذهبَ بالروايات والوجوه المطلقة، فإننا كثيرًا ما نجده يقول: فيه روايتان، أو: وجهان، أو: على روايتين، أو: وجهين. وتارة ينسب الإختيارات إلى أصحابها، فيقول: قال أبو الخطاب: كذا، أو: قال القاضي: كذا. ونجده يتصرف بالترجيح والإختيار أحيانًا، فيقول: ويتخرج كذا، و: هو أصح عندي، و: يحتمل كذا، و: وهو المذهب، و: على الأصح.
ومن أجل هذه التصرفات بالنقل، والترجيح، والحكاية للروايات والوجوه، كان "المحرر" من أهم الكتب التي عول المرداوي عليها في "إنصافه"، فصوب فيها الخطأ، وصحح الخلاف، وقيد المطلق، وغير ذلك.
ويعتبر "المحرر" صنوًا للمقنع، كما يعتبر المجد صنوًا للموفق، وذلك في الإعتماد عند اختلاف الترجيح.
قال المرداوي في "الإنصاف": فإن أطلق الخلاف، أو كان من غير المعظم (1) الذي قدمه، فالمذهب ما اتفق عليه الشيخان، أعني المصنف (الموفق) والمجد، أو وافق أحدهما الآخر في أحد اختياريه (2).
وتقدم أن الحافظ ابن رجب (795 هـ) قال في ترجمة ابن المنِّي البغدادي: وأهل زماننا، ومن قبلهم إنما يرجعون من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين؛ الموفق والمجد.
•
الفروع:
عنوان الكتاب:
يعرف هذا الكتاب بـ "الفروع" ولا يعرف بغيره، وبما أن المصنفين لكتب الفقه اعتادوا أن يجعلوا بين العنوان والمحتوى نسبًا، فلعل ابن مفلح سمى كتابه بهذا الإسم لأجل أن فيه من كثرة الفروع، وتحريرها، ما لم يسبقه إليه سابق، ولم يدركه بعده لاحق. وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة" فقال: صنف ابن مفلح
(1) أي: معظم المسائل.
(2)
الإنصاف المطبوع مع "المقنع" و"الشرح الكبير" 1/ 25. وقريب منه قاله في "تصحيح الفروع" 1/ 50.
"الفروع" في مجلدين، أجاد فيهما إلى الغاية، وأورد فيه من الفروع الغريبة ما بهر به العلماء (1).
المؤلف:
هو الشيخ العلامة محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، شمس الدين أبو عبد الله، المقدسي الراميني، ثم الصالحي. المتوفى يوم الخميس ثاني رجب سنة (763 هـ) بمسكنه بالصالحية، وقد سبق التعريف به لدى الكلام على المذهب في الشام، وذكر شيء مقتضب عن كتابه "الفروع" هناك.
وصف الكتاب وطريقة تصنيفه وأهميته:
وصف الكتاب:
هذا الكتاب عبارة عن متن من المتون المطولة، يقع في مجلد أو مجلدين (2). وقد طبع طبعته الأولى سنة (1345 هـ) في ثلاثة مجلدات ضخام، على نفقة الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني حاكم قطر آنذاك. ثم أعيد طبعه على نفقة ولده الشيخ علي، وأشرف على الطبعة الثانية الشيخ أحمد المانع، وطُبع في ستة مجلدات، وفي كلا الطبعتين أرفق الكتاب بتصحيح العلامة علاء الدين المرداوي في هوامشه (3).
طريقة المصنف فيه:
ذكر ابن مفلح رحمه الله طريقته في "الفروع" بتفصيل واضح، عقده في المقدمة، نثبتها هنا ببعض التصرف والإختصار، قال:
اجتهدت في اختصاره وتحريره، ليكون نافعا وكافيًا للطالب، وجردته عن دليله وتعليله غالبًا، ليسهل حفظه وفهمه على الراغب، وأقدم غالبًا الراجح في المذهب، فإن اختلف الترجيح أطلقت الخلاف، و:"على الأصح" أي: أصح الروايتين، و:"في الأصح" أي: أصح الوجهين. وإذا قلت: وعنه: كذا، أو: وقيل: كذا، فالمقدَّم خلافه، وإذا قلت: ويتوجه، أو: يقوى، أو: عن قول، أو: رواية، و: هو، أو: هي أظهر، أو: أشهر، أو: متجه، أو: غريب، أو بعد حكم مسألة: فدل، أو: هذا يدل، أو: ظاهره،
(1) الدرر الكامنة في معرفة أعيان المائة الثامنة 6/ 14.
(2)
هذا ليس على الشك، وإنما لإختلاف النسخ التي وقعت لدى بعض العلماء، فقد ذكر ابن بدران أن عنده نسخة من مجلد واحد، وقال ابن حجر -كما سبق في الدرر الكامنة- إنه في مجلدين.
(3)
والكتاب الآن قيد تحقيقِ جديد على أصول خطية مع تصحيحه للمرداوي، وحواشي ابن قندس عليه، يسر الله إتمامه.
أو: يؤيده، أو: المراد كذا، فهو من عندي. وإذا قلت: المنصوص، أو: الأصح، أو: الأشهر، أو: المذهب كذا، فثمَّ قول. وأشير إلى الخلاف والوفاق. اهـ.
وذكر رموزًا من الحروف الأبجدية، بعضها يشير للإجماع، وبعضها للوفاق مع بقية الأئمة الثلاثة، أو بعضهم، وبعضها للخلاف معهم أو مع بعضهم (1).
فالكتاب مجرد من الدليل حسبما أفادت المقدمة السابقة، لكن الغائص في بحاره سرعان ما يرجع بعكس الصورة، فالكتاب فيه أدلة كثيرة، بل وتعليلات كثيرة، إلا أن المصنف لما لم يقصد إلى الإستدلال، بل قصد إلى جمع الفروع، كانت تلك الأدلة المقتضبة والتعليلات الموجزة من نافلة العمل وكمالياته.
أهمية الكتاب وقيمته:
يعتبر كتاب "الفروع" من أعز ما تعتز به المكتبة الفقهية الحنبلية، ومن أتقن ما صنف في الفقه الحنبلي، قل أن يوجد له نظير، فقد أورد فيه من الفروع ما بهر العقول، كثرة وتحريرًا، وعني بالخلاف والوفاق مع بقية الأئمة، واستخدم لذلك رموزًا على طريقة "الوجيز" للغزالي.
وبالتالي: فالفائدة من هذا الكتاب ليست قاصرة على الحنابلة، بل يستفيد منه أتباع كل مذهب، كما عني عناية فائقة باختيارات شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم.
يقول المرداوي في مدح كتاب "الفروع":
"أما بعد، فإن كتاب "الفروع" تأليف الشيخ الإمام العلامة أبي عبد الله محمد بن مفلح- أجزل الله له الثواب، وضاعف له الأجر يوم الحساب -من أعظم ما صنف في فقه الإمام الرباني أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني -قدس الله روحه ونور ضريحه- نفعًا، وأكثرها جمعًا، وأتمها تحريرًا، وأحسنها تحبيرًا، وأكملها تحقيقًا، وأقربها إلى الصواب طريقًا، وأعدلها تصحيحًا، وأقومها ترجيحًا، وأغزرها علمًا، وأوسطها حجمًا، وقد اجتهد في تحريره وتصحيحه، وشمر عن ساعده في تهذيبه وتنقيحه، فحرر نقوله، وهذب أصوله، وصحح فيه
(1) الفروع 1/ 63.