الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
في سيرة الإمام أحمد وعلمه
لما كان الإمام أحمد رائد المذهب الحنبلي وواضع أسسه الأولى، آثرنا أن نفرد سيرته بجانبيها الذاتي والعلمي بفصل مستقل، فقد بزغ فجر المذهب الحنبلي في شخصية إمام السنة مستمدًا من الكتاب والسنة، ثم امتد ظله الوارف على الحياة العملية والسلوك التطبيقي، فجاءت القدوة التي أورثها بين يدي أصحابه كاملة، ومَثُل أمام أعينهم منهج جديد يضاف إلى منهج الإمام الشافعي الذي رسمه من حصيلة الإستيعاب لمسلك العراقيين ومسلك الحجازيين.
وتأتي سيرة هذا الإمام الجليل وما خلفته من مآثر في آفاق الفقه والحديث والعلم والعمل، في سياق التطور العلمي والثقافي والسياسي للمجتمع الإسلامي في بغداد.
ومن ثَم اقتضى المنهج الدراسي أن نمهد للبحث بالوصف الإجمالي للحياة الإجتماعية في عاصمة الإسلام ومدينة السلام (1)، في عصر الإمام المبجل، لنكشف للقارئ المناخ التربوي والثقافي الذي فتح هذا الإمام عليه عينيه، وتأثر به تأثرًا مباشرًا، لأن الإنسان ابن بيئته، كما يقولون.
وتنقسم سيرة الإمام أحمد، بحسب التدرج التربوي والثقافي الذي كان سائدًا آنذاك، إلى: سيرة النشأة والطفولة، أو السيرة التربوية، فطلب العلم والرحلة فيه، أو سيرة الطلب والتتلمذ، فتكوين الأسرة والحياة المعيشية والتعليمية بعد الزواج. ثم جاءت المحنة بأسبابها وأطوارها ونتائجها.
ونختم هذه السيرة المباركة بكلمة موجزة عن وفاته، ثم نسجل في الأخير مجمل مناقب الإمام وعلمه، وهو القسم المهم من حياته بالنسبة إلى منهجنا، وسنقتصر على مختارات من تلك الأخبار الكثيفة الحافلة، لنصل إلى الإطلاع على الشخصية العلمية في
(1) كانت بغداد تلقب بمدينة السلام، سماها أبو جعفر المنصور بهذا الإسم، كما في "معجم البلدان"(1/ 456). واختلف المؤرخون كثيرًا حول اشتقاق لفظ "بغداد" ومعناه، ولكنهم في كل تفسيراتهم لم يخرجوا عن أن الكلمة مركبة من مقطعين (باغ) وتعني الله، أو بستان، و (داد) وتعني عطية، أو هي اسم لرجل. فهي عطية الله، أو بستان داد. وأصلها فارسي، كما رأى البعض. "دراسات في تاريخ الخلافة العباسية" للدكتورة أمينة البيطار، ص 402.ط. مكتبة دار القلم والكتاب، الرياض، 1997.
مرآة حياة الإمام المبجل من خلال ما شهدت به ألسنة العلماء الذين صاحبوه من شيوخ وتلاميذ، ثم من خلال الرواية عنه وتلقي العلوم من لسانه، سواء في قسم الحديث والآثار، أم في قسم الفقه والإجتهاد، ثم من خلال مؤلفاته التي تُكوّن القسم الثاني من أقسام التلقي لعلومه ومعارفه، سواء منها الكتب العامة أم الرسائل الشخصية التي كانت إحدى طرق التعليم آنذاك.
ولابد في الأخير من العطف على دعوى كون الإمام أحمد محدثًا وليس بفقيه، ونقدها في الميزان العلمي نقدًا يكشف عن مكنون تلك الدعوى ومنشئها، ثم بيان بطلانها في حقيقة الأمر وواقع المعارف التي تتصل بالإمام أحمد ومنزلته الفقهية بين المجتهدين، والله الموفق.