الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبرز الحنابلة المصريين
لم يبلغ المذهب الحنبلي في الديار المصرية من الشأو والتألق ما بلغه في الشام وفي بغداد من قبل، ومع ذلك فقد كان له شأن لا يستخف به في تلك الديار، فقد تقلد عدد من فقهائه مناصب القضاء، ورئاسة الفتوى في المذهب الحنبلي، وتشيخوا في المدارس، وكانت لهم مشاركة إلى جانب المذاهب الثلاثة الأخرى في جامع الأزهر.
وأنجبت مصر هي الأخرى ثلة من أعلام الحنابلة ورجالاتهم الذين قدموا خدمة جليلة للمذهب بما تركوا من مصنفات، وما خلفوا من آثار. وكانت الرحلة العلمية لطلاب نجد في القرن العاشر والحادي عشر تتجه عادة نحو الشام ثم مصر.
ومن أبرز الحنابلة المصريين:
1 - ابن النجار الفُتُوحي (898 هـ - 972 ه
ـ):
هو العلامة الشيخ محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم بن رُشيد، الفُتُوحي، تقي الدين، أبو بكر، الشهير بـ "ابن النجار"، قاضي القضاة ابن قاضي القضاة (1). ولد بالقاهرة سنة (898 هـ) وبها نشأ.
وأسرة ابن النجار من الأسر التي تشرفت بالعلم، وتولى أبناؤها مناصب القضاء والتدريس والفتوى بمصر.
فوالد ابن النجار، وهو العلامة الشيخ شهاب الدين أحمد (861 - 949 هـ)، كان فقيه الحنابلة، ومدرسهم ومفتيهم في عصره، زاد مشايخه على (130) شيخًا، وانتهت إليه الرئاسة في تحقيق نقول المذهب الحنبلي، وفي علوّ السند في الحديث، فضلًا عن علم الطب والمعقولات. تولى منصب قضاء القضاة في آخر دولة المماليك (2).
وولده موفق الدين كان عالمًا فقيهًا في حياة أبيه، حتى إنه تنازل له عن مشيخته على المدارس التي كان يُدرِّس فيها، وأجازه بالتدريس والفتيا، فاستمر على ذلك بعد وفاته (3).
(1) السحب الوابلة 2/ 854.
(2)
"النعت الأكمل" ص 113، و"السحب الوابلة" 1/ 156.
(3)
السحب الوابلة 2/ 856.
وأما حفيده عثمان بن أحمد (1064 هـ)، فقد كان أحد أجلّاء علماء الحنابلة بمصر، قاضيًا بالمحكمة الكبرى بالقاهرة، وضع حاشية جليلة على كتاب جده "منتهى الإرادات"(1).
أخذ ابن النجار علم الفقه عن والده، وحفظ كتاب "المقنع" للموفَّق، وغيرَه من المتون، ولازم والده مع الشيخ العلامة شهاب الدين أحمد البُهُوتي الحنبلي، والشيخ العلامة شهاب الدين أحمد المقدسي.
ثم رحل إلى الشام التي كانت إلى ذلك العهد-أي مطلع القرن العاشر- لا تزال تمد غيرها بمدارسها وشيوخها ومكتباتها الزاخرة العامرة، فأقام بها مدة من الزمان، فحصل فيها علمًا غزيرًا، فلم يرجع من تلك السفرة الموفقة إلا ومعه كتابه الشهير "منتهى الإرادات" الذي صنفه هناك (2).
انتهت رئاسة الفقه الحنبلي إلى ابن النجار بعدما توفي والده (949 هـ) فانفرد بالإفتاء والتدريس بالأقطار المصرية، ثم بعد وفاة الشيخ الشهاب الشويكي (939 هـ) بالمدينة المنورة، وتلميذه العلامة الشيخ موسى الحجاوي (968 هـ) بالشام، انفرد في سائر أقطار الأرض بالتَّصدُّر في الفقه الحنبلي، وقصد بالأسئلة من البلاد الشاسعة كاليمن وغيره (3).
وأثنى على ابن النجار، علمًا وعملًا، علماء عصره الذين عرفوه عن كسب، منهم تلميذه وصديقه العلامة الباحث عبد القادر الجزيري، قال عنه في كتابه "الدرر الفرائد":"كانت أيامه جميعا اشتغالًا بالفتيا أو بالتدريس، أو بالتصنيف .. على غاية من التقشف والتقلل من زينة الدنيا، وبالجملة، فلم يكن من يضاهيه في مذهبه، ولا من يماثله في منصبه، وكان قلمه أحسن من لفظه، وله في تحرير الفتاوى اليد الطولى، والكتابة المقبولة، على الوجه الصحيح الأولى، وكان ربْع فوائده بفضائله وفواضله مأهولًا"(4).
(1) النعت الأكمل ص 216، السحب الوابلة 2/ 700.
(2)
السحب الوابلة 2/ 854.
(3)
السحب الوابلة 2/ 855 وشهاب الدين أحمد الشويكي المذكور، هو الذي كان سبق ابن النجار إلى فكرة الجمع بين "المقنع" و"التنقيح"، وقد شرع في ذلك بالفعل في كتاب سماه "التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح" السحب الوابلة 1/ 216، المدخل لإبن بدران ص 440.
(4)
السحب الوابلة 2/ 855.