الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً - الإختصار الفقهي
والإختصار تقليل الشيء، فقد يكون اختصار الكتاب بتقليل مسائله، وقد يكون بتقليل ألفاظه مع تأدية المعنى، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أوتيتُ جوامع الكلم، واختصر لى الكلام اختصاراً"(1).
ومن ذلك مختصرات الطرق، قال ابن قدامة المقدسي: وفائدة الإختصار التقريب والتسهيل على من أراد تعلمه وحفظه، فإن الكلام يختصر ليحفظ، ويطول ليفهم (2).
ويعتبر ابن خلدون (3) الإختصار في مختلف العلوم عملاً مخلًا بالتعليم وذاهبًا بفوائده المودعة في مطولاته ومبسوطاته، وذلك للأسباب التالية:
أ - الخلط على المبتدئين بتحفيظهم هذه المتون، وفيها من المسائل والبحوث التي لا يجوز إلقاؤها على الطالب إلا في نهاية المراحل التعليمية.
ب - تزاحم المعاني المفرغة في قالب الألفاظ العويصة التي صيغت بها المختصرات.
ج - عدم جدوى المختصرات في تحصيل الملكة، لإنعدام الإحالات، والتكرار، وغبر ذلك.
وعند التحقيق في تاريخ الإختصار الفقهي على الخصوص نجد أن ما أنحى به ابن خلدون إنما يتجه على تلك الإختصارات التي درج عليها الناس وألِفُوها في العصر الذي عاشه، وقبله ويعده، حيث شحنت المختصرات بالمصطلحات والألفاظ الفنية الطاغية على حلاوة الفقه ونضارته. أما الإختصارات التي قام بها علماء المذاهب المتقدمون، فهي بعيدة عن تلك المغامز، لأن فيها كثيرًا من الجهود في الجمع والتهذيب والصياغة والترتيب الفني البديع مع قلة المصطلحات. وهذا ما ينطبق على"مختصر الطحاوي" و"مختصر القدوري" في الفقه
(1) قال العجلوني: رواه العسكري عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلًا، ورواه النسائى عن ابن عباس بلفظ:"أعطيت". وله شواهد في الصحيح. كشف الخفاء 1/ 308 (819)، تحقيق أحمد القلاش، ط. الرسالة.
(2)
المغني، لإبن قدامة، 1/ 3 - 4، ط. مكتبة الرياض الحديثة.
(3)
"المقدمة" 2/ 694، وقريب منه رأي الحجوي في "الفكر السامي" 2/ 163.
الحنفي، و"مختصر ابن عبد الحكم"، و"مختصر ماليس في المختصر" لإبن شعبان، و"مختصر الوقار" في الفقه المالكي. و"مختصر المزني"، و"مختصر البويطي" في الفقه الشافعي. و"مختصر الخرقي" في الفقه الحنبلي.
هذا، وقد وقع الإختصار الفقهي للمذهب الحنبلي خلال هذا الدوركما وقع الجمع، فيكون المذهب الأحمدي قد سار سيراً طبعياً في عمليتي جمعه واختصاره في مدة زمنية لم تتجاوز القرن منذ وفاة الإمام أحمد. وكما تفرد الخلال (311 هـ) بجمع المذهب، كذلك تفرد الخرقي (334 هـ) باختصاره في هذا الدور.
ويعد "مختصر الخرقي" أول متن وُضع في الفقه الحنبلي المجرد، وضعه صاحبه على طريقة مختصر المزني (1)، واقتصر فيه على المعتمد من المذهب، وهذا يعني أنه في كل مسألة يقتصر على رواية واحدة من مجموع الروايات، ويعقدها على أنها المذهب. فيقول في كتاب الطهارة مثلاً:"وإذا كان معه في السفر إناءان: نجس وطاهر، واشتبها عليه أراقهما وتيمم"(2). فجزم بالإراقة، مع أن صاحب "المحرر" قال:"وهل يلزمه إعدام الطهور بخلط أو إراقة أم لا؟ على روايتين: إحداهما: لا يلزمه، وهو المذهب"(3).
ويعتبر مختصر الخرقي وحيدًا في زمانه، صغيراً من حيث الحجم، لم تتجاوز مسائله (2300) مسألة (4)، ولهذا سهل حفظه، وبنى عليه المشايخ، وجعلوه عمدتهم قراءةً إقراءً، وحفظاً، وشرحاً، بل عمدة لدى طبقات علماء المذهب الكبرى الثلاث، وهم: المتقدمون، والمتوسطون، والمتأخرون (5). وكان واسعَ الشُّهْرَةِ عندهم مثنياً عليه أحسن
(1) مجموع الفتاوى 4/ 450.
(2)
مختصر الخرقي، ص 23، ط. مكتبة المعارف، الرياض.
(3)
المحرر، 1/ 7، ط. المعارف، الرياض. وشرح الزركشي 1/ 150، بتحقيق الجبرين. ط. العبيكان
(4)
المدخل، لإبن بدران، ص 425.
(5)
اصطلع متأخرو الحنابلة على تقسيم علماء المذهب الذين اشتهروا بالتأليف فيه، فاعتنوا بالرواية، وجمعها، وترتيبها، وانتخاب المذهب المعتمد منها، وهم في جملتهم نحو (500) عالم وفقيه، وبلغت تآليفهم نحو (1400) كتاب. اصطلحوا على تقسيمهم إلى ثلاث طبقات زمانية متميز هي:
- المقدمون: يبدأون من تلامذة الإمام أحمد (241 هـ) إلى وفاة الحسن بن حامد (403 هـ).
- المتوسطون: يبدأون من تلامذة الحسن بن حامد وعلى رأسهم القاضي أبو يعلى (458 هـ). إلى وفاة البرهان ابن مفلح (884 هـ).
- المتأخرون: يبدأون من علاء الدين المرداوي (885 هـ) إلى الآخر. =