الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم الإمام أحمد
(1)
يتجلى لنا علم هذا الإمام المؤسس للمذهب الرابع من المذاهب الفقهية المشهورة في ثلاث نواح رئيسة:
• في شهادة الناس له بذلك، وقد مضى بعض ذلك في الثناء عليه.
• في الرواية عنه.
• في مؤلفاته.
أولاً: شهادة الناس له بالعلم:
ليس أزكى للإنسان، بعد توفيق الله عز وجل له، ورضاه عنه من شهادة أفضل أهل زمانه له بالعلم والتفوق في الفضائل وحيازة السبق في الفنون، وكم يلهث أكثر أهل زماننا وراء الإجازات ونيل التزكيات، ولكن هيهات فقد أدركنا ما وراء الأكمة! والحق كما قال الراجز:
والحقُّ أن لا تُفتي حتَّى ترى
…
نفسك أهلاً ويرى ذاكَ الورَى
فمالكٌ أجازه سَبْعونَ
…
محنَّكاً للصَّحْب يتبعونَ (2)
وإمامنا أحمد لا يسأل عنه، كما يقول علماء الرجال، فقد انعقدت له الإمامة في العلم بالإستفاضة والشهرة، ولو ذهبنا ننقل شهادات الأعيان له لظن الظانون أن الرجل بحاجة إلى ذلك، ولكننا سنكتفي ببعض ذلك ليدلك على غيره.
فقد قال قرينه أبو زرعة الرازي: كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث!! فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب.
وعلق الذهبي على ذلك بقوله:
(1) عقد الشيخ أبو زهرة بحثاً مطولاً في 14 صفحة أبرز في صفات الإمام أحمد التي تركت آثارها في تكوين علمة، وهو بحث جدير بالإطلاع.
(2)
من منظومة "الطليحية"، للنابغة القلاوي.
فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك المكرر، والأثر وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك، وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عُشر معشار ذلك (1).
وقد تقدم: أن الإمام أحمد أتى على ما عند شيخه هشيم من مسموعات وهو لا يزال حياً، وكان الشافعي يسترشده في معرفة ما ثبت من صحيح الأحاديث ليعمل به. كما تقدم أنه لم يكن عنده ترجمة على ظهور الأجزاء المروية عن شيوخه، وكان يعرفها مع ذلك ويميزها، مما أذهل أبا زرعة الرازي.
وتقدم أن عبد الرحمن بن مهدي كان يعتبر الإمام أحمد وارث علم سفيان الثوري، حتى إنه يُذكِّره به وكأنه نسخة ثانية من شخصيته، وكان عبد الرحمن واسطة بين الرجلين تلميذاً لهذا وشيخا لهذا.
وزاد محمد بن إبراهيم البوشنجي على ذلك فقال: هو -أي أحمد- عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري، وذلك أن سفيان لم يمتحن من الشدة والبلوى بمثل ما امتحن أحمد بن حنبل، ولا عِلْم سفيان ومن تقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد بن حنبل؛ لأنه كان أجمع لها وأبصر بمتقنيهم وغالطيهم، وصدوقهم وكذوبهم منه (2).
فهذه الشهادات تعطينا صورة عن حفظ الإمام أحمد، وسعة اطلاعه على السنن والآثار وفتاوى التابعين، وأنه كان لا يشق له غبار في ذلك، حتى قال أبو بكر ابن أبي شيبة: لا يقال لأحمد بن حنبل: من أين قلت؟! (3). وقال عبد الوهاب الوراق: "ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، فقالوا له: وأي شيء بأن لك من فضله وعلمه؟ قال: رجل سئل ستين ألف مسألة، فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا (4).
(1) السير 11/ 187.
(2)
المناقب ص 603.
(3)
السير 11/ 186.
(4)
المنهج الأحمد 1/ 85.