المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا. في الرواية عنه: - المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته - جـ ١

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌أولًا - كلمة "مذهب

- ‌1 - المذهب لغة:

- ‌2 - المذهب عرفًا:

- ‌3 - المذهب اصطلاحًا:

- ‌ثانيًا - نشأة المذاهب الفقهية وسببها:

- ‌ثالثًا - أهمية المذاهب الفقهية في خدمة الشريعة الإسلامية:

- ‌الفصل الأولفي سيرة الإمام أحمد وعلمه

- ‌المبحث الأولالحياة السياسية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الثانيالحياة الثقافية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الثالثالحياة الإجتماعية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الرابعسيرة الإمام أحمد

- ‌الطور الأولالنشأة والطفولة

- ‌الطور الثانىطلبه للعلم والرحلة فيه

- ‌الطور الثالثحياة الإمام أحمد في بغداد إلى بداية المحنة

- ‌الطور الرابعالمحنة أسبابها. مراحلها. نتائجها

- ‌أسباب المحنة

- ‌مراحل المحنة

- ‌المرحلة الأولىالمحنة في زمن المأمون

- ‌المرحلة الثانيةالمحنة في زمن المعتصم

- ‌المرحلة الثالثةالمحنة في زمن الواثق

- ‌نتائج المحنة

- ‌المبحث الخامس‌‌وفاة الإمام أحمدومجمل مناقبه وعلمه

- ‌وفاة الإمام أحمد

- ‌مجمل مناقب الإمام أحمد وصفاته:

- ‌علم الإمام أحمد

- ‌أولاً: شهادة الناس له بالعلم:

- ‌ثانياً. في الرواية عنه:

- ‌ثالثاً: في مؤلفاته:

- ‌ما نسب إلى الإمام أحمد من كتب:

- ‌رسائل الإمام أحمد

- ‌المسندديوان السنة النبوية

- ‌ تاريخ تأليف المسند:

- ‌ وصف المسند:

- ‌ رواية المسند:

- ‌ منزلة المسند بين كتب الحديث:

- ‌ الأعمال التي تمت على المسند:

- ‌1 - غريب الحديث، لغلام ثعلب (261 هـ - 345 ه

- ‌2 - ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج لهم أحمد بن حنبل في "المسند" لإبن عساكر (499 هـ - 571 ه

- ‌3 - خصائص المسند، للحافظ أبي موسى المديني (501 هـ -581 ه

- ‌5 - التذكرة في رجال العشرة، لإبن حمزة الحسيني (715 هـ - 765 ه

- ‌6 - الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال سوى من ذُكر في تهذيب الكمال:

- ‌8 - ترتيب المسند، لأبي بكر بن المحب (712 هـ - 789 ه

- ‌9 - ترتيب المسند، لإبن زريق (ت 803 ه

- ‌10 - إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لإبن الملقن (723 هـ -804 ه

- ‌11 - مختصر المسند

- ‌12 - غاية المقصد في زوائد المسند، للهيثمي (735 هـ - 807 ه

- ‌13 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌14 - جزء للحافظ الهيثمي:

- ‌15 - ترتيب مسند أحمد على حروف المعجم، للمقدسي (ت 820 ه

- ‌16 - ذيل الكاشف، لإبن العراقي (762 هـ - 826 ه

- ‌17 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد، للحافظ ابن الجزري (751 هـ - 833 ه

- ‌18 - المقصد الأحمد في رجال أحمد

- ‌19 - المسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد

- ‌20 - ترتيب المسند المسمى "الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري"، لإبن زكنون (758 هـ - 837 ه

- ‌21 - زوائد المسانيد المسمى بـ: "إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة" للبوصيري (762 هـ - 840 ه

- ‌22 - القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد، للحافظ ابن حجر العسقلاني (773 هـ - 852 ه

- ‌23 - إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي:

- ‌24 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة:

- ‌25 - التعريف الأجود بأوهام من جمع رجال السند:

- ‌26 - الذيل الممهد على القول المسدد، للسيوطي (ت 911 ه

- ‌27 - عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد:

- ‌29 - شرح المسند، للشيخ أبي الحسن السندي (ت 1139 ه

- ‌30 - نفثات الصدر المُكْمَد وقرّة عين السعد بشرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، للسفاريني (1114 هـ - 1189 ه

- ‌31 - ذيل القول المسدد، لمحمد صبغة الله المدراسي:

- ‌32 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للساعاتي (ت 1378 ه

- ‌33 - بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني:

- ‌34 - تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر للمسند:

- ‌35 - الموسوعة الحديثية الكبرى:

- ‌دعوى كون الإمام أحمد محدثًا غير فقيهٍ والرَّد عليها:

- ‌الفصل الثانيفي أدوار المذهب ومواطن انتشاره

- ‌الدور الأولالنشأة والتأسيس

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولوصف عام لأصحاب الإمام أحمد

- ‌المبحث الثانيفي التعريف بأصحابه الذين سمعوا منه ورووا فقهه

- ‌تصنيف رواة المسائل عن الإمام أحمد:

- ‌التعريف بأشهر أصحاب الإمام أحمد

- ‌1 - إبراهيم الحَرْبي (198 هـ - 285 ه

- ‌2 - إسحاق بن إبراهيم بن هانئ (218 هـ - 285 ه

- ‌3 - أحمد بن حُميد (أبو طالب) (؟ - 244 ه

- ‌4 - أحمد المرّوذي (؟ - 275 ه

- ‌5 - أحمد الأثرم (؟ - 273 ه

- ‌6 - إسحاق الكَوْسَج (170 هـ - 251 ه

- ‌7 - حرب الكرماني (؟ - 280 ه

- ‌8 - حنبل بن إسحاق (؟ - 273 ه

- ‌9 - سليمان بن الاشعث أبو داود (202 هـ - 275 ه

- ‌10 - صالح بن الإمام أحمد (203 هـ - 266 ه

- ‌11 - عبد الله بن الإمام أحمد (213 هـ - 290 ه

- ‌12 - عبد لله بن محمد (فوران) (- 256 ه

- ‌13 - عبد الملك الميموني (- 274 ه

- ‌14 - مُهَنّا بن يحيى الشامي:

- ‌الدور الثانيالنقل والنمو

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولمميزات هذا الدور

- ‌المبحث الثاني‌‌أشهر علماء هذا الدوروأبرز أعمالهم

- ‌أشهر علماء هذا الدور

- ‌1 - الخلال (311 ه

- ‌2 - ابن المنادي (256 هـ - 336 ه

- ‌3 - أبو بكر النجاد (253 هـ - 348 ه

- ‌4 - الخِرَقي (334 ه

- ‌5 - الآجُرّي (360 ه

- ‌6 - غلام الخلَّال (285 هـ - 3763 ه

- ‌7 - ابن بَطة العُكْبَري (304 هـ - 387 ه

- ‌8 - ابن المُسْلِم (387 ه

- ‌9 - الحسن بن حامد (403 ه

- ‌أبرز أعمال علماء هذا الدور

- ‌أولاً - الجمع للمسائل

- ‌ثانياً - الإختصار الفقهي

- ‌ثالثا - شروح المختصرات

- ‌رابعاً - التآليف الجزئية المفردة

- ‌خامساً - الكتابة في أصول الفقه الحنبلي

- ‌الدور الثالثالإنتشار - الإزدهار - الإستقرار

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولالمذهب في العراق

- ‌1 - القاضي أبو يَعْلى (380 - 458 ه

- ‌2 - أبو الخَطّاب (432 - 510 ه

- ‌3 - ابن المَنِّي (501 - 583 ه

- ‌المبحث الثانيالمذهب في حَرَّان

- ‌آل تيمية وجهودهم في خدمة المذهب الحنبلي:

- ‌المبحث الثالثالمذهب في بلاد الشام

- ‌المقادسة وجهودهم

- ‌نتائج جهود المقادسة

- ‌أشهر الفقهاء الشاميين الذين خدموا المذهب:

- ‌ موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (541 - 620 ه

- ‌ شمس الدين ابن مفلح (712 - 763 ه

- ‌ علاء الدين المرداوي (817 - 885 ه

- ‌حالة المذهب الحنبلي بعد المقادسة

- ‌الشيخ عبد القادر ابن بدران (1280 - 1346 ه

- ‌المبحث الرابعالمذهب في مصر

- ‌1 - ابن النجار الفُتُوحي (898 هـ - 972 ه

- ‌2 - منصور بن يونس البُهُوتي (1000 - 1051 ه

- ‌المبحث الخامسالمذهب في الجزيرة العربية

- ‌ الشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة (948 ه

- ‌ الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان (1099 ه

- ‌الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته

- ‌نتائج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌1 - الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1165 - 1244 ه

- ‌2 - الشيخ عبد لله بن عبد الرحمن الملقب بـ "أبا بُطين" (1194 - 1282 ه

- ‌3 - الشيخ عبد الرحمن بن حسن أل آلشيخ (1193 - 1285 ه

- ‌أثر الملكة العربية السعودية في ازدهار الفقه الحنبلي

- ‌خلاصة ما تمّ في المملكة العربية السعودية من جهود في خدمة المذهب الحنبلي

- ‌1 - الشيخ سعد بن حمد بن علي ابن عتيق (1267 - 1349 ه

- ‌2 - الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن العنقري (1290 - 1373 ه

- ‌3 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (1307 - 1376 ه

- ‌4 - الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع (1300 - 1385 ه

- ‌5 - الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (1311 - 1386 ه

- ‌الفصل الثالثسمات الحنابلة

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولأثر سيرة الإمام أحمد على الحنابلة

- ‌المبحث الثانيالإعتناء بعلوم الحديث الشريف

- ‌المبحث الثالثالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الرابعالإتباع للسلف ومناهضة البدع

- ‌المبحث الخامسالحنابلة والسلطة السياسية

- ‌المبحث السادسأضواء على الإجتهاد عند فقهاء الحنابلة

- ‌ تعريف "الإختيارات

- ‌ التأليف في الإختيارات:

- ‌ اختيارات ابن تيمية ومميزاتها:

- ‌ الأسس التي ترتكز عليها اختيارات شيخ الإسلام:

- ‌ مرتبة ابن تيمية في طبقات المجتهدين:

- ‌ منهج ابن تيمية في الفتوى والإجتهاد:

- ‌الفصل الرابعأبرز مؤلفات المذهب الحنبلي

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولفي فنون الفقه التي توزعتها التصانيف

- ‌المبحث الثانيفي ترتيب المكتبة الفقهية الحنبلية

- ‌كيفية التعرف على كتاب من الكتب الفقهية

- ‌كيفية ترتيب المكتبة الفقهية الحنبلية

- ‌المبحث الثالثفي التعريف بأشهر الكتب المعتمدة في المذهب

- ‌ الجامع للخلال:

- ‌ مختصر الخرقي:

- ‌ الإرشاد إلى سبيل الرشاد:

- ‌ الخلاف الكبير للقاضي أبي يعلى:

- ‌ كتاب الروايتين والوجهين:

- ‌ شرح مختصر الخرقي للقاضي أبي يعلى:

- ‌ الانتصار في المسائل الكبار:

- ‌ المستوعب:

- ‌ المغني:

- ‌ العمدة

- ‌ المقنع

- ‌الكافي

- ‌ المحرر:

- ‌ الفروع:

- ‌الإنصاف

- ‌الإقناع

- ‌ منتهى الإرادات:

الفصل: ‌ثانيا. في الرواية عنه:

‌ثانياً. في الرواية عنه:

روى الناس عن اللإمام أحمد الحديث بسنده، ورووا عنه الفقه الذي نُسج منه مذهبه وتألف فيما بعد. وكان إذ ذاك في صورة مسائل أجاب عنها، ثم دوَّنها الأصحاب من بعده وجمعوها، وصارت هي أم المذهب.

• فأما الحديث:

فهو الإمام فيه، والمفتاح لخزائن كنوزه، والجهبذ في معرفة علله ورجاله، وصحيحه وسقيمه، بل يعتبر فقهه وليداً من حديثه، لا يكاد يسأل عن مسألة إلا ويجيب فيها بحديث مسند، أو أثر لصحابي، أو فتوى لتابعي. قال عبد الوهاب الوراق:

"ما رأيت مثل أحمد بن حنبل. قالوا له: وأيش الذي بأن لك من علمه وفضله على سائر من رأيت؟ قال: رجل سئل عن ستين ألف مسألة، فأجاب فيها بأن قال: "أخبرنا" و"حدثنا" (1).

وقد روى عنه الناس في مسانيد الصحابة، وخرجوا أحاديثه في مصنفاتهم، ورووا عنه في علل الأحاديث، كلما رووا عنه في معرفة الرجال فيما يتعلق بأسمائهم، وكناهم، وألقابهم، وجرحهم وتعديلهم، وغير ذلك.

وحدث عنه جماعة من مشايخه ومن الأكابر منهم، قد استوفاهم ابن الجوزي بأسمائهم، فذكر منهم (19) شيخاً؛ كإسماعيل ابن علية، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن إدريس الشافعي، وتقدم أنه يذكره في مروياته بوصفه لا باسمه، فيقول: حدثني الثقة (2).

وحدث عنه من تلامذته جماعة لا يحصون كثرة، جرد ابن الجوزي أسماءهم في "المناقب" والمزي في "تهذيب الكمال".

(1) طبقات الحنابلة، لإبن أبي يعلى 1/ 6.

(2)

"المناقب": ص 116، و"السير" 11/ 183.

ص: 96

• أحمد في الكتب الستة:

ومن جملة تلاميذه المباشرين وبواسطة، أصحاب الأصول الستة.

قال الذهبي: "حدث عنه البخاري حديثاً، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثاً آخر في المغازي، وحدث عنه مسلم، وأبو داود بجملة وافرة، وروى أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه عن رجل عنه"(1).

وإليك ذلك الحديث المذكور في مغازي "الجامع الصحيح":

"حدثني أحمد بن الحسن، حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة"(2).

وأما الحديث الثاني، فهو موقوف على ابن عبَّاس في كتاب النكاح. قال البخاري: وقال لنا أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني حبيب، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس: حرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع. ثم قرأ:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الآية. وذكر الآثار بطولها (3).

• قلة أحاديث أحمد في صحيح البخاري وسببها:

ذكر الحافظ ابن حجر سبب إقلال البخاري من التخريج للإمام أحمد في "صحيحه"، فقال:

وليس للمصنف في هذا الكتاب رواية عن أحمد إلا في هذا الموضع -إشارة إلى الحديث السابق- وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة -وقد أوردناه آنفا- وكأنه لم يكثر عنه، لأنه في رحلته القديمة لقي كثيراً من مشايخ أحمد فاستغنى بهم، وفي رحلته الأخيرة كان أحمد قطع التحديث، فكان لا يحدث إلا نادراً، فمن ثَمّ أكثر البخاري عن علي بن المديني دون أحمد (4).

(1) السير 11/ 181.

(2)

الحديث رقم 4473، آخر كتاب المغازي. قال الحافظ في "الفتح" (8/ 153): وهو أحد الأحاديث الأربعة التي أخرجها مسلم عن شيوخ أخرج البخاري تلك الأحاديث بعينها عن أولئك الشيوخ بواسطة.

(3)

الحديث رقم 5105، في باب: ما يحل من النساء وما يحرم، من كتاب النكاح.

(4)

فتح الباري 9/ 154.

ص: 97

وقد خلف لنا الإمام أحمد ذلك الديوان العظيم المسمى: "المسند"، وقد صُنِّف في جمع السنة ما يزيد على المائة مسند (1)، فكان لابد من قرن اسم المصنِّف بالمسند الذي صنفه كـ"مسند عبد بن حميد" و"مسند أبي يعلى الموصلي" .. حتى يتميز عن غيره، ولكن لشهرة مسند أحمد، وتفوقه على غيره أصبح هذا الإسم المجرد -أعني "المسند"- علماً عليه بالغلبة، فإذا أطلق فهو المقصود به حصراً، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في ذكر المؤلفات في الحديث.

• وأما الفقه:

فقد روي عنه رحمه الله في صيغة أسئلة وأجولة على غرار الفتاوي المسموعة، ولم يدوّن كتاباً في ذلك قط، لأنه كان يكره حتى التعليقات المكتوبة بإزاء السنن والآثار، كما هو صنيع مالك في "الموطأ"، بَلْهَ الفقه المجرد الذي ليس فيه إلا الإجتهاد الخالص.

فيكون المذهب الحنبلي قد ولد أول ما ولد في صورة أسمعة كتبها الأصحاب، بعضها في حياته وبعضها بعد وفاته، فكان بهذا شبيهاً بالمذهب المالكي. فقد تَكوَّن هو الآخر بهذه الطريقة، وبزغ فجره في كتاب "الموطأ" وأسمعة الأصحاب لمسائل الفقه التي أجاب عنها، فعبد الرحمن بن القاسم له سماع من مالك بلغ عشرين كتاباً، وأبو محمد عبد الله بن وهب له سماع من مالك بلغ ثلاثين كتاباً، وأشهب بن عبد العزيز له سماع من مالك يقول عنه سحنون: حدثني المتحري في سماعه: اْشهب

وكان ورعاً في سماعه. وعدد كتب سماعه عشرون كتاباً. وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكم كان له سماع من مالك، "الموطأ" نحو ثلاثة أجزاء. وصنف كتباً اختصر فيها أسمعته (2).

وكذلك الإمام أحمد دون أصحابه مذهبه في مرحلته المبكرة، فيما عرف واشتهر بـ "المسائل".

(1)"الرسالة المستطرفة"، لمحمد بن جعفر الكتاني.

(2)

الإختلاف الفقهي، ص 81، نقلاً عن "ترتيب المدارك" و"الديباج" وغيرها من تراجم علماء المالكية.

ص: 98

قال الذهبي:

"وقد دوّن عنه كبار تلامذته مسائل وافرة في عدة مجلدات، كالمرّوذي، والأثرم، وحرب، وابن هانئ، والكوسج، وأبي طالب، وفوران، ويدر المغَارلي، وأبي يحيى الناقد .. " وسرد نحواً من خمسين راوية، ثم قال:"وخلق سوى هؤلاء، سماهم الخلال في أصحاب أبي عبد الله، نقلوا المسائل الكثيرة والقليلة"(1).

وجرد ابن أبي يعلى في مقدمة "الطبقات" عدداً من نقلة الفقه عن الإمام أحمد، ثم قال: وهم مائة ونيف وعشرون نفساً. ويتميز هذا الكتاب -يعني كتاب الطبقات- بالعناية برواية المترجمين عن الإمام أحمد وذكر مصنفاتهم (2).

ويعتبر جرد العلامة علاء الدين المرداوي (ت 885 هـ) أحسن جرد في هذا الموضوع، فقد عقد في آخر كتاب "الإنصاف" فصلاً في ذكر أسماء نقلة الفقه عن الإمام أحمد، ورتبهم على حروف المعجم، وعرَّف بكل واحد منهم تعريفاً موجزاً مبيناً ما لكل واحد منهم من الرواية على وجه الإجمال، فتارة يقول:"نقل مسائل كثيرة جداً حساناً" وتارة يقول: "نقل مسائل كثيرة" وتارة يقول: "نقل مسائل" وتارة يقول: "نقل أشياء" .. فأحصى نيفاً وثلاثين رجلاً.

وقال في أوله: "فصل في ذكر من نقل الفقه عن الإمام أحمد، رضي الله عنه من أصحابه ونقله عنه إلى من بعده، إلى أن وصلت إلينا، فمنهم المقل، ومنهم المكثر، وهم كثيرون جداً، لكن نذكر جملة صالحة منهم يحصل المقصود بها إن شاء الله"(3).

وقال في خاتمته: "وهذا آخر ما قصدنا ذكره من أئمة أصحاب الإمام أحمد رضي الله عنهم، ممن نقل الفقه عنه، مما لا يستغني عنه طالب العلم. وهم نيف على ثلاثين ومائة نفس. ومن نقل عنه الفقه وغيره جماعة كثيرون جداً، ذكرهم أبو بكر الخلال، وأبو بكر بن عبد العزيز -يعني غلام الخلال- في "زاد المسافر" والقاضي أبو الحسين بن أبي يعلى في "الطبقات" وقد زادوا فيها على الخمسمائة. وذكر ابن الجوزي بعضهم في "مناقب الإمام أحمد" وغيرهم. فإن من طالع في هذا الكتاب وغيره

(1) السير 11/ 330 - 331.

(2)

ذكر في المقدمة (1/ 20) ما يفيد أنه التزم ذكر المصنفات للترجمين.

(3)

الإنصاف 30/ 399. ط. دار هجر، 1996.

ص: 99

من كتب الأصحاب يحتاج إلى معرفة الناقلين عنه، فإن بعضهم تارة يذكرهم بكناهم، ويعضهم يذكرهم بألقابهم، ويعضهم يذكرهم بأسمائهم. وهم أيضاً متفاوتون في المنزلة عند الإمام أحمد رضي الله عنه، والنقل عنه والضبط والحفظ" (1).

وينبغي أن نعلم أن كلمة "فقه" الواردة في مثل هذه المواطن تعني أوسع من مدلولها الإصطلاحي المستقر. فكتب "المسائل" هي عبارة عن دواوين لفقه الدين بمعناه الواسع، فنجد فيها الفقه والاعقاد والتفسير والأصول والزهد ومناحي من الفنون لا تحصى كثرة، يتجلى لنا ذلك في أعمال أبي بكر الخلال (ت 311 هـ). فقد قال عنه ابن الجوزي:"صرت عنايته إلى جمع علوم أحمد بن حنبل، وسافر لأجلها، وكتبها عالية ونازلة، وصنفها كتباً، منها كتاب "الجامع" نحو من مائتي جزء، ولم يقارب أحد من أصحاب أحمد في ذلك"(2).

وهو يعد في الطبقة الثانية من الأصحاب، فلذلك يعتبر متلقياً لعلم الإمام أحمد بواسطة أصحابه، فيكون هو جامع شتات تلك "المسائل" من مدونيها، كما يدل عليه عنوان كتابه الكبير. قال الذهبي:

"وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد وفتاويه وكلامه في العلل والرجال والسنة والفروع حتى حصل عنده من ذلك ما لا يوصف كثرة"(3). ثم قال:

"وألف كتاب "الجامع" في بضعة عشر مجلدة أو أكثر، وقد قال في كتاب "أخلاف أحمد بن حنبل": لم يكن أحدٌ علمتُ عُنِيَ بمسائل أبي عبد الله قط، ما عُنيت بها أنا".

وقد طبع من هذه المسائل:

رواية ابنيه صالح وعبد الله، وأبي داود السجستاني صاحب "السنن"، وإسحاق ابن هانئ، وعبد الله البغوي المشهور بابن بنت منيع، وإسحاق بن منصور الكوسج، ومسائله ممزوجة بمسائل إسحاق بن راهويه، حقق منه: الطهارة، والصلاة، والصيام، والمعاملات.

(1) الإنصاف 30/ 418.

(2)

المناقب، ص 618.

(3)

السير 11/ 331. و"الطبقات" (2/ 12 - 13)، و"إعلام الموقعين" (1/ 35) ط. دار الحديث.

ص: 100