المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أثر الملكة العربية السعودية في ازدهار الفقه الحنبلي - المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته - جـ ١

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌أولًا - كلمة "مذهب

- ‌1 - المذهب لغة:

- ‌2 - المذهب عرفًا:

- ‌3 - المذهب اصطلاحًا:

- ‌ثانيًا - نشأة المذاهب الفقهية وسببها:

- ‌ثالثًا - أهمية المذاهب الفقهية في خدمة الشريعة الإسلامية:

- ‌الفصل الأولفي سيرة الإمام أحمد وعلمه

- ‌المبحث الأولالحياة السياسية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الثانيالحياة الثقافية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الثالثالحياة الإجتماعية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الرابعسيرة الإمام أحمد

- ‌الطور الأولالنشأة والطفولة

- ‌الطور الثانىطلبه للعلم والرحلة فيه

- ‌الطور الثالثحياة الإمام أحمد في بغداد إلى بداية المحنة

- ‌الطور الرابعالمحنة أسبابها. مراحلها. نتائجها

- ‌أسباب المحنة

- ‌مراحل المحنة

- ‌المرحلة الأولىالمحنة في زمن المأمون

- ‌المرحلة الثانيةالمحنة في زمن المعتصم

- ‌المرحلة الثالثةالمحنة في زمن الواثق

- ‌نتائج المحنة

- ‌المبحث الخامس‌‌وفاة الإمام أحمدومجمل مناقبه وعلمه

- ‌وفاة الإمام أحمد

- ‌مجمل مناقب الإمام أحمد وصفاته:

- ‌علم الإمام أحمد

- ‌أولاً: شهادة الناس له بالعلم:

- ‌ثانياً. في الرواية عنه:

- ‌ثالثاً: في مؤلفاته:

- ‌ما نسب إلى الإمام أحمد من كتب:

- ‌رسائل الإمام أحمد

- ‌المسندديوان السنة النبوية

- ‌ تاريخ تأليف المسند:

- ‌ وصف المسند:

- ‌ رواية المسند:

- ‌ منزلة المسند بين كتب الحديث:

- ‌ الأعمال التي تمت على المسند:

- ‌1 - غريب الحديث، لغلام ثعلب (261 هـ - 345 ه

- ‌2 - ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج لهم أحمد بن حنبل في "المسند" لإبن عساكر (499 هـ - 571 ه

- ‌3 - خصائص المسند، للحافظ أبي موسى المديني (501 هـ -581 ه

- ‌5 - التذكرة في رجال العشرة، لإبن حمزة الحسيني (715 هـ - 765 ه

- ‌6 - الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال سوى من ذُكر في تهذيب الكمال:

- ‌8 - ترتيب المسند، لأبي بكر بن المحب (712 هـ - 789 ه

- ‌9 - ترتيب المسند، لإبن زريق (ت 803 ه

- ‌10 - إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لإبن الملقن (723 هـ -804 ه

- ‌11 - مختصر المسند

- ‌12 - غاية المقصد في زوائد المسند، للهيثمي (735 هـ - 807 ه

- ‌13 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌14 - جزء للحافظ الهيثمي:

- ‌15 - ترتيب مسند أحمد على حروف المعجم، للمقدسي (ت 820 ه

- ‌16 - ذيل الكاشف، لإبن العراقي (762 هـ - 826 ه

- ‌17 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد، للحافظ ابن الجزري (751 هـ - 833 ه

- ‌18 - المقصد الأحمد في رجال أحمد

- ‌19 - المسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد

- ‌20 - ترتيب المسند المسمى "الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري"، لإبن زكنون (758 هـ - 837 ه

- ‌21 - زوائد المسانيد المسمى بـ: "إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة" للبوصيري (762 هـ - 840 ه

- ‌22 - القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد، للحافظ ابن حجر العسقلاني (773 هـ - 852 ه

- ‌23 - إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي:

- ‌24 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة:

- ‌25 - التعريف الأجود بأوهام من جمع رجال السند:

- ‌26 - الذيل الممهد على القول المسدد، للسيوطي (ت 911 ه

- ‌27 - عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد:

- ‌29 - شرح المسند، للشيخ أبي الحسن السندي (ت 1139 ه

- ‌30 - نفثات الصدر المُكْمَد وقرّة عين السعد بشرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، للسفاريني (1114 هـ - 1189 ه

- ‌31 - ذيل القول المسدد، لمحمد صبغة الله المدراسي:

- ‌32 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للساعاتي (ت 1378 ه

- ‌33 - بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني:

- ‌34 - تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر للمسند:

- ‌35 - الموسوعة الحديثية الكبرى:

- ‌دعوى كون الإمام أحمد محدثًا غير فقيهٍ والرَّد عليها:

- ‌الفصل الثانيفي أدوار المذهب ومواطن انتشاره

- ‌الدور الأولالنشأة والتأسيس

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولوصف عام لأصحاب الإمام أحمد

- ‌المبحث الثانيفي التعريف بأصحابه الذين سمعوا منه ورووا فقهه

- ‌تصنيف رواة المسائل عن الإمام أحمد:

- ‌التعريف بأشهر أصحاب الإمام أحمد

- ‌1 - إبراهيم الحَرْبي (198 هـ - 285 ه

- ‌2 - إسحاق بن إبراهيم بن هانئ (218 هـ - 285 ه

- ‌3 - أحمد بن حُميد (أبو طالب) (؟ - 244 ه

- ‌4 - أحمد المرّوذي (؟ - 275 ه

- ‌5 - أحمد الأثرم (؟ - 273 ه

- ‌6 - إسحاق الكَوْسَج (170 هـ - 251 ه

- ‌7 - حرب الكرماني (؟ - 280 ه

- ‌8 - حنبل بن إسحاق (؟ - 273 ه

- ‌9 - سليمان بن الاشعث أبو داود (202 هـ - 275 ه

- ‌10 - صالح بن الإمام أحمد (203 هـ - 266 ه

- ‌11 - عبد الله بن الإمام أحمد (213 هـ - 290 ه

- ‌12 - عبد لله بن محمد (فوران) (- 256 ه

- ‌13 - عبد الملك الميموني (- 274 ه

- ‌14 - مُهَنّا بن يحيى الشامي:

- ‌الدور الثانيالنقل والنمو

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولمميزات هذا الدور

- ‌المبحث الثاني‌‌أشهر علماء هذا الدوروأبرز أعمالهم

- ‌أشهر علماء هذا الدور

- ‌1 - الخلال (311 ه

- ‌2 - ابن المنادي (256 هـ - 336 ه

- ‌3 - أبو بكر النجاد (253 هـ - 348 ه

- ‌4 - الخِرَقي (334 ه

- ‌5 - الآجُرّي (360 ه

- ‌6 - غلام الخلَّال (285 هـ - 3763 ه

- ‌7 - ابن بَطة العُكْبَري (304 هـ - 387 ه

- ‌8 - ابن المُسْلِم (387 ه

- ‌9 - الحسن بن حامد (403 ه

- ‌أبرز أعمال علماء هذا الدور

- ‌أولاً - الجمع للمسائل

- ‌ثانياً - الإختصار الفقهي

- ‌ثالثا - شروح المختصرات

- ‌رابعاً - التآليف الجزئية المفردة

- ‌خامساً - الكتابة في أصول الفقه الحنبلي

- ‌الدور الثالثالإنتشار - الإزدهار - الإستقرار

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولالمذهب في العراق

- ‌1 - القاضي أبو يَعْلى (380 - 458 ه

- ‌2 - أبو الخَطّاب (432 - 510 ه

- ‌3 - ابن المَنِّي (501 - 583 ه

- ‌المبحث الثانيالمذهب في حَرَّان

- ‌آل تيمية وجهودهم في خدمة المذهب الحنبلي:

- ‌المبحث الثالثالمذهب في بلاد الشام

- ‌المقادسة وجهودهم

- ‌نتائج جهود المقادسة

- ‌أشهر الفقهاء الشاميين الذين خدموا المذهب:

- ‌ موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (541 - 620 ه

- ‌ شمس الدين ابن مفلح (712 - 763 ه

- ‌ علاء الدين المرداوي (817 - 885 ه

- ‌حالة المذهب الحنبلي بعد المقادسة

- ‌الشيخ عبد القادر ابن بدران (1280 - 1346 ه

- ‌المبحث الرابعالمذهب في مصر

- ‌1 - ابن النجار الفُتُوحي (898 هـ - 972 ه

- ‌2 - منصور بن يونس البُهُوتي (1000 - 1051 ه

- ‌المبحث الخامسالمذهب في الجزيرة العربية

- ‌ الشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة (948 ه

- ‌ الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان (1099 ه

- ‌الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته

- ‌نتائج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌1 - الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1165 - 1244 ه

- ‌2 - الشيخ عبد لله بن عبد الرحمن الملقب بـ "أبا بُطين" (1194 - 1282 ه

- ‌3 - الشيخ عبد الرحمن بن حسن أل آلشيخ (1193 - 1285 ه

- ‌أثر الملكة العربية السعودية في ازدهار الفقه الحنبلي

- ‌خلاصة ما تمّ في المملكة العربية السعودية من جهود في خدمة المذهب الحنبلي

- ‌1 - الشيخ سعد بن حمد بن علي ابن عتيق (1267 - 1349 ه

- ‌2 - الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن العنقري (1290 - 1373 ه

- ‌3 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (1307 - 1376 ه

- ‌4 - الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع (1300 - 1385 ه

- ‌5 - الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (1311 - 1386 ه

- ‌الفصل الثالثسمات الحنابلة

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولأثر سيرة الإمام أحمد على الحنابلة

- ‌المبحث الثانيالإعتناء بعلوم الحديث الشريف

- ‌المبحث الثالثالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الرابعالإتباع للسلف ومناهضة البدع

- ‌المبحث الخامسالحنابلة والسلطة السياسية

- ‌المبحث السادسأضواء على الإجتهاد عند فقهاء الحنابلة

- ‌ تعريف "الإختيارات

- ‌ التأليف في الإختيارات:

- ‌ اختيارات ابن تيمية ومميزاتها:

- ‌ الأسس التي ترتكز عليها اختيارات شيخ الإسلام:

- ‌ مرتبة ابن تيمية في طبقات المجتهدين:

- ‌ منهج ابن تيمية في الفتوى والإجتهاد:

- ‌الفصل الرابعأبرز مؤلفات المذهب الحنبلي

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولفي فنون الفقه التي توزعتها التصانيف

- ‌المبحث الثانيفي ترتيب المكتبة الفقهية الحنبلية

- ‌كيفية التعرف على كتاب من الكتب الفقهية

- ‌كيفية ترتيب المكتبة الفقهية الحنبلية

- ‌المبحث الثالثفي التعريف بأشهر الكتب المعتمدة في المذهب

- ‌ الجامع للخلال:

- ‌ مختصر الخرقي:

- ‌ الإرشاد إلى سبيل الرشاد:

- ‌ الخلاف الكبير للقاضي أبي يعلى:

- ‌ كتاب الروايتين والوجهين:

- ‌ شرح مختصر الخرقي للقاضي أبي يعلى:

- ‌ الانتصار في المسائل الكبار:

- ‌ المستوعب:

- ‌ المغني:

- ‌ العمدة

- ‌ المقنع

- ‌الكافي

- ‌ المحرر:

- ‌ الفروع:

- ‌الإنصاف

- ‌الإقناع

- ‌ منتهى الإرادات:

الفصل: ‌أثر الملكة العربية السعودية في ازدهار الفقه الحنبلي

‌أثر الملكة العربية السعودية في ازدهار الفقه الحنبلي

تعتبر المملكة العربية السعودية اليوم امتداداً للجهود المتواصلة التي قام بها آل سعود في توحيد الجزيرة العربية ولم شتاتها منذ أن قام الإمام محمد بن سعود رحمه الله يؤازر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في دعوته، ويفضل الله، تم بفضل تلك الجهود التي قام بها الشيخ والإمام تكونت الدولة السعودية الأولى التي مثلت النتائج المباشرة للدعوة الإصلاحية.

واستمرت تلك الدولة مدة تَنوفُ على السبعين عاماً قبل نشوب الحرب مع الأتراك، وتولى الإمامة فيها على التوالي الأئمة: محمد بن سعود، ثم عبد العزيز ابن الإمام محمد، ثم سعود بن عبد العزيز، ثم عبد الله بن سعود، رحمهم الله وأكرم مثواهم.

ويعتبر عهد الإمام سعود بن عبد العزيز العهد الذهبي للدولة، إذ امتدت ظلالها إلى قلب اليمن جنوباً، ومشارف العراق وسورية شمالاً (1).

وفي ظل ذلك الإمتداد والتوحيد للمناطق العربية التي كانت قبل ذلك تعيش في فوضى وتشرذم دائم، انتشرت الدعوة الإسلامية بهدوء، وأمن واطمئنان، وفتحت الجزيرة عينيها على عهد جديد زاهر على كافة المستويات، وقد جندت الدولة العثمانية قواتها المصرية لكسر شوكة هذه الدولة، التي وحدت ما تحت يديها، وألفت بين أبناء المنطقة، بدعوى أن هذا العمل خروج عن الخلافة العثمانية، وشق لعصا المسلمين، والواقع أن الدولة العثمانية كانت غائبة تماما من الناحية الفعلية عن المنطقة قبل قيام الدولة السعودية الفتية، كما كانت غائبة عن الثغر الجزائري حين احتلته فرنسا بسهولة تامة. وعن كثير من البلاد الإسلامية، علاوة على ضعفها، وعدم اهتمامها بالدعوة إلى الكتاب والسنة، والى نشر الإسلام بلغته العربيه التي نزل بها كتاب الله الكريم.

(1) تاريخ المملكة العرية السعودية، للدكتور عبد الله بن صالح العثيمين، 1/ 147.

ص: 317

يقول الدكتور عبد الله بن محمد العجلان:

"ولما كانت نجد -وهي قلب جزيرة العرب- أقل أقاليم الخلافة العثمانية رعاية؛ إذ أن العثمانيين لم يعيروا هذه المنطقة أي اهتمام، ولم تحظ منهم بأي رعاية، بل اكتفوا ببسط نفوذهم على الحرمين الشريفين، والساحل الغربي من شبه الجزيرة العربية، وساحل الخليج العربي، وتركوا وسط الجزيرة العربية، فلم يكن لهم فيها وجود مما جعله في عزلة شديدة عن العالم الإسلامي.

لما كانت نجد كذلك اضطرب فيها حبل الأمن، وقطعت فيها السبل، وسادت فيها الفوضى والسلب والنهب، والأخذ بالثأر، وماجت فيها الفتن، وعم الجهل، ودرست معالم الحضارة الإسلامية في مختلف جوانب الحياة" (1).

وتعتبر الدولة السعودية الثانية وثبة أخرى في قلب الجزيرة في الاتجاه نحو توحيدها سياسياً، تحت سلطان واحد، وراية واحدة، يسودها نظام قائم على أساس الكتاب والسنة.

وقد واجه الإمام تركي بن عبد الله في بداية تأسيس هذه الدولة صعوبات كبيرة من الخارج ومن الداخل.

وعلى الرغم من الصعوبات الداخلية والخارجية، فقد تكلل جهد الإمام تركي بالنصر سنة (1240 هـ). ومنذ ذلك التاريخ حتى العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وهذه الدولة تسير سيراً متموجاً بسبب الكيد الخارجي بالإضافة إلى الفتن الداخلية.

ويعتبر عهد الإمام فيصل بن تركي الذي تولى الأمور من بعد أبيه على فترتين: دامت الأولى ما بين 1249 و 1254 هـ، والثانية ما بين 1256 و 1282 هـ، عهداً زاهراً بالطموحات لدولة سعودية ناهضة، مستقلة الكيان، مرهوبة الجانب، فقد أمضى حياته في الفترتين معاً في جهاد طويل متواصل سعياً في توحيد نجد وما حولها من المناطق، بالإضافة إلى إخرانج بقايا الحامية المصرية من أرض الجزيرة بصفة نهائية.

ولقد ظلت الدعوة الإصلاحية، التي قامت على أساسها الدولة السعودية الأولى، هي الركيزة التي اعتمد عليها الحكم في الدولة السعودية الثانية؛ بشكل عام، وفي عهدي الإمامين تركي بن عبد الله وابنه فيصل بشكل خاص، فقد توخى هذان الإمامان سيرة أسلافهما من آل سعود في استشارة ذوي الدين والرأي والخبرة والمعرفة فيما يتعلق بأمور الدولة العامة.

(1) حركة التجديد والإصلاح في نجد ص 20.

ص: 318

أما المملكة العربية السعودية اليوم، فقد قامت على الجهود المظفرة التي بذلها البطل الهمام الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود رحمه الله منذ دخوله الرياض سنة (1319 هـ) إلى أن تم توحيد البلاد كلها تحت راية واحدة وتكوين المملكة العربية السعودية سنة (1351 هـ).

ولا ريب أن جهد المملكة لم ينحصر في دعم الفقه الحنبلى واحتضانه فحسب، بل إن هذه المملكة ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ هي البلد الوحيد في العالم العربي والإسلامي التي تتخذ من الكتاب والسنّة دستوراً لها، وتلتزم بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فأنواع المعاملات تطبق فيها أحكام الشريعة الإسلامية، وقد روعي في الأنظمة التي وضعت لتنظيم الإدارة أن تكون متلائمة مع روح الشريعة الإسلامية. وكلمات "تشريع" و"شريعة" لا تطلق في الملكة إلا على الأحكام الواردة في الشريعة الإسلامية. أما ما عداها من أحكام وضعية فيطلق عليها تعبير: أنظمة، أو تعليمات، أو أوامر، أو مراسيم (1).

وغني عن البيان أن نقول: إن الفقه الحنبلي يشكل النسبة الكبرى في استمدادات المملكة التنظيمية والتشريعية، وبالتالي فإن هذا الفقه قد كتب له أن ينبعث غضاً ناضراً في التطبيق الميداني في مهد الرسالة وأرض الوحي.

ولئن كان المذهب المالكي قد شهد ازدهاراً تحت رعاية دول الإسلام المتعاقبة في الأندلس والمغرب، والمذهب الشافعي قد شهد مثل ذلك في أيام الأيوبيين والمماليك في بلاد الشام ومصر، وازدهر المذهب الحنفي على عهد الدولة العثمانية في البلاد التي كانت قوية مكينة فيها، فإن المذهب الحنبلي قد أصاب حظه من الإزدهار والعناية تحت رعاية الدول السعودية المتعاقبة التي تمثل المملكةُ اليوم العهدَ الجديدَ فيها.

قال الشيخ أبو زهرة: وإذا كان ذلك المذهب الجليل قد فقد الأتباع في الماضي، فإن الله سبحانه وتعالى قد عوضه في الحاضر، وذلك أن بلاد الجزيرة العربية تسير حكومتها في أقضيتها وعبادتها على مقتضى أحكامه، وكان ذلك تعويضا كريماً، وإخلافاً حسناً، لأن بلاد الجزيرة العربية تطبق الشريعة الإسلامية في كل أقضيتها، ولا تقصرها على نظام البيت (قانون الأسرة)، بل إنها تطبق أحكام الحدود والقصاص تطبيقا صحيحاً كاملاً،

(1) موسوعة السياسة 3/ 192.

ص: 319

فالحدود فيها قائمة، ومعالم الشريعة فيها معلنة، وأحكام المعاملات المالية كلها مستمدة من ذلك الذهب الجليل، فالربا حرام في شتى ضرويه بالقليل والكثير، من غير محاولة لتحليله، ومن غير تحايل على تسويغه، بل غلقت كل أبوابه ما ظهر منها وما بطن، وأخذت الصدقات الإسلامية، وجمعت زكاة المال في السائمة والزرع والنقدين وعروض التجارة، ويذلك قامت دولة الشريعة محكمة البنيان، ثابتة الأركان (1).

وقيام المملكة العربيه السعودية على النحو الذي صورنا بعض جوانبه لم يكن آتياً من فراغ أو وليد طفرة وارتجال، بل هو تكامل في العمل وتواصل في البناء القائم على منهج قويم واضح المعالم، فيه الوفاء التام لأولئك الأسلاف الذين قضوا حياتهم في الدعوة والجهاد لتصحيح العقيدة وتجديد الدين، وعقد العزم على تطهر الجزيرة من كل عرف، أو تقليد، أو عادة، أو خرافة تفسد على الناس توحيدهم الخالص (2)، ليأتي تطبيق الشريعة السمحة سهلاً مقبولاً على أمة قد وعت دينها وعرفت رسالتها، وليتعاون الراعي والرعية

على القيام بهذا الواجب العظيم.

وقي هذا الصميم يقول الملك عبد العزيز رحمه الله: "وعليّ جعل الحكم في هذه الديار بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يد طائلة عليكم اليوم، فكتاب الله فوق الجميع. فالواجب عليكم هو معرفة الله تعالى، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، وترك البدع، والخرافات والتأدب بآداب الشريعة السمحاء، وتوثيق عرى الألفة وأوامر النصيحة والإخلاص"(3).

وإن إعلاناً كهذا ليس من السهولة أن يصدرمن ملك أو رئيس في زمن احتشدت فيه مغريات التجافي عن الإسلام ونظامه، فقد كانت سورة الحكم الإسلامي مهتزة في أذهان الخاصة والعامة على السواء إلا من عصم الله ورحم، وذلك من جراء أخطاء اقترفها المسلمون أنفسهم، ومن جراء الحملات الثقافية والفكرية والنفسية التي يشنها أعداء الإسلام على قضية الحكم الإسلامي. وفي ذات الوقت كانت النظريات السياسية الجديدة تفتن القادة والزعماء، فضلاً عن طبقات أخرى كثيرة (4).

(1) ابن حنبل، ص 462.

(2)

الملك عبد العزيز المنهج القويم في الفكر والعمل، ص 37.

(3)

المصدر السابق، ص 72

(4)

المصدر السابق، ص 42.

ص: 320