الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجمل مناقب الإمام أحمد وصفاته:
عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَضَّر الله امرأً سمع منّا حديثًا، فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رُبّ حامل فقه ليس بفقيه، ورُبّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه"(1).
ولا غرو أن إمام السنة كان محلًا لذلك الدعاء المبارك، فقد قال ناعتوه: إنه كان حسن الوجه، رَبْعة، يخضب بالحناء خضابًا ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، أبيض الثياب، وإن كانت غليظة خشنة، يعتمُّ ويلبس إزارًا. وكان أسمر شديد السمرة، طويل القامة (2).
وكان -عليه رحمة الله- يجلس جلوس المتواضعين في خشوع باد على تقاسيم وجهه، يفضل التربع، وهو القرفصاء، وهي جِلسةكانت تحكيها الصحابية قيلة بنت مخرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها رأته يجلس كذلك (3).
وكان رجلًا مهيبًا لا يجرؤ أحد على انتهاك المهابة التي تكون في مجلسه، وهي مهابة جاء بها الورع والسمت والخشوع لله باستمرار، وليست تلك المهابة التي يفرضها المتجبرون على الناس ظلمًا وعلوًا، فكان الإمام أحمد كما قال مصعب بن عبد الله الزبيري في مالك ابن أنس:
يَدَعُ الجوابَ فلا يُراجَعُ هَيْيةَ
…
والسائلونَ نواكسُ الأذْقَانِ
عِزُّ الوَقَار ونُورُ سُلطانِ التُّقَى
…
فهو المَهيبُ وليس ذا سُلْطان (4)
وكان كما يقول واصفوه: لا يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا، فإذا ذكر العلم تكلم، شديد الحياء، كريم النفس، حسن العشرة والأدب، كثير الإطراق والغض، معرضًا عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث، وذكر الصالحين
(1) أخرجه أحمد (21590) وأبو داود (3660) في العلم، باب: فضل نشر العلم، والترمذي (2656) في العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع.
(2)
المناقب ص 269، السير 11/ 184، المنهج الأحمد 1/ 94.
(3)
المصادر السابقة، والحديث رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه.
(4)
تريب المدارك 1/ 167، حلية الأولياء 6/ 318 - 319.
والزهاد، في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بَشَر به وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعًا شديدًا، وكانوا يكرمونه ويعظمونه (1).
• ثناء العلماء عليه:
وقد أثنى العلماء عليه ثناء لا يتسع لنا أن نسجله في هذه المسطورات، لكثرته، فقد أثنى عليه شيوخه وهو صغير، ووصفوه بالعقل والنباهة، وغير ذلك، وأثنى عليه أقرانه الذين صحبهم، وشهدوا له بالحفظ وسعة العلم وجودة القريحة والتفوق على النظراء، مع أن العادة قد جرت بوجود التحاسد بين الأقران والأنظار، لميل النفوس إلى حب التفوق والإنفراد بالفضائل. وأثنى عليه تلاميذه الذين لازموه ورووا عنه العلم (2).
قال شيخه عبد الرزاق فيه: ما رأيت أفقه من أحمد بن حنبل ولا أورع (3).
وقال الشافعي: خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلًا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أفقه، ولا أتقى من أحمد بن حنبل (4).
وقال محمد بن الحسين الأنماطي: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل، فقال رجل: فبعضَ هذا، فقال يحيى: وكثرة الثناء على أحمد تستنكر! فلو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكاملها (5).
ومن تلامذته: قال النسائي: جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد والصبر.
وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط (6).
(1) المناقب ص 277، المنهج الأحمد 1/ 96.
(2)
ذكر ابن الجوزي في "المناقب" ثناء شيوخه في الباب العاشر، وثناء أقرانه في الباب الثالث عشر، وثناء الأتباع في الباب الذي يليه.
(3)
المناقب ص 96.
(4)
السير 11/ 195.
(5)
السير 11/ 196، المناقب ص 155.
(6)
السير 11/ 199.
وأثنى عليه الذهبي بكلمة جامعة فقال:
"إن أحمد عظيم الشأن، رأسًا في الحديث، وفي الفقه، وفي التألُّه، أثنى عليه خلق من خصومه، فما الظن لإخوانه وأقرانه؟ وكان مهيبًا في ذات الله، حتى لقال أبو عبيد: ما هبت أحدًا في مسألة ما هبت أحمد بن حنبل"(1).
وكتب الله للإمام أحمد الإحترام حتى في قلوب أهل الذمة الذين كانوا يعيشون مع المسلمين في بغداد. فقد قال المرّوذي:
رأيت طبيبًا نصرانيًا خرج من عند أحمد ومعه راهب، فقال: إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبد الله.
وأدخلتُ نصرانيًا على أبي عبد الله، فقال له: إني لأشتهي أن أراك منذ سنين ما بقاؤك صلاح للإسلام وحدهم، بل للخلق جميعًا، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك. فقلت لأبي عبد الله: إني لأرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار. فقال: يا أبا بكر، إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس؟ (2)
* * *
(1) المصدر السابق 11/ 203.
(2)
المصدر السابق 11/ 211.