الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثالثة
المحنة في زمن الواثق
ذكر ابن كثير (1) في سياقة الأحلاث بعد المحنة: أن الإمام أحمد استمر منعزلًا في بيته، لا يشهد جمعة ولا جماعة، ولا يجلس للحديث طيلة أيام العتصم (218 هـ - 227 هـ) واستمر على هذه الحال في أيام ابنه الواثق (227 هـ - 232 هـ).
وذلك غير صحيح فيما نرى، فإن الإمام أحمد بعد ما برئ عاد إلى الجمعة والجماعة، وجلس يحدث الناس ويفتيهم، لم ينقطع عن ذلك، فقد صرح بذلك حنبل بن إسحاق ابن أخي الإمام أحمد (2).
نعم، إنما انقطع عن التحديث في أيام الواثق، قيل: بدون أي منع من السلطان (3)، وقيل: لأن الواثق شدد عليه، وقال له: لا يجتمعن إليك أحد ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها (4). فكان أحمد في تلك الأيام متخفيًا لا يخرج إلى صلاة ولا غيرها.
والسبب في ذلك: أن الواثق كان قد مال إلى ابن أبي دواد أكثر من أبيه، وكان أحمد بن حنبل قد فاز بالنصرة والسمعة الحسنة بعدما ندم المعتصم وأعرض عن هذه الفتنة في بقية حياته، فأحله الإمام أحمد وكلَّ من شارك في تعذيبه، إلا دعاة البدعة وأنصارها.
فحنق ابن أبي دواد على هذه النصرة التي حظي بها إمام السنة في بغداد وخارجها، وسارت بها الركبان، وتحدث بها الناس في مجالسهم، فأحنق صدر الواثق من جديد، فبعث الفتنة بعد موتها حتى فرق بين بعض العلماء ويين زوجاتهم لأجل ذلك (5).
(1) البداية والنهاية 14/ 412.
(2)
السير 11/ 263.
(3)
المناقب ص 428.
(4)
السير 11/ 264، المناقب ص 429، المنهج الأحمد 1/ 110.
(5)
السير 11/ 263.
وصار يلقن للصبيان وهم في الكتاتيب: أن القرآن مخلوق بإيعاز من أحمد البدعة (1). ولكن لم يُصب الإمامَ أحمدَ من الواثق في هذه المرة إلا ما أشرنا إليه، إما لأنه علم أن لا فائدة مَن التشديد عليه بعدما عرض على الكير فخرج ذهبًا إبريزًا، وإما للخوف من عاقبة وقوف الناس في جانبه وانقلابهم على الخلافة برمتها.
(1) المصدر السابق.